لم تزل قضية النفط بين السودان ودولة جنوب السودان تراوح مكانها، وحافظت على سمتها كصخرة صلدة تكسرت تحتها جميع مساعي التوصل الى حلول ومخارج او حتى التفاف، وهذا بالرغم عن المشهد التفاؤلي الذي برز لاعين المراقبين في العاصمة الاثيوبية، وكان عنوانه الرئيس لقاء القمة الرئيسين البشير وسلفاكير الذي طال انتظاره وعلقت على مشاجبه الامال والاحلام بانفراج اخير، وبقوة دفع لعمليات التفاوض بين البلدين الجارين حول كل القضايا الخلافية وعلى رأسها « النفط». والشاهد انه فور انفضاض اللقاء سرت شائعات في عاصمة الدولة الجنوبية بانه تم التوصل الى إتفاق بين البلدين فى قضية النفط تنازل السودان بمقتضاه عن مبلغ «36» دولارا الذى حدده للبرميل مقابل «8» دولارات لبرميل النفط الواحد، الا الحكومة السودانية على لسان وزير خارجيتها نفت توصل دولتي السودان لاي اتفاق بشأن رسوم عائدات النفط كما تردد اخيراً، وقال كرتى ان اي حديث حول ارقام تم الاتفاق عليها حول هذا الامر يعد «ضربا من الخيال» واوضح ان التفاوض حول وضعية النفط الجنوبي مازال معلقا لحين اطمئنان الخرطوم علي ان جوبا لا تشكل لها اية تهديدات امنية باستضافة الحركات المتمردة او بدعم المتمردين في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وقال كرتى فى تصريحات صحفية محدودة بمطار الخرطوم لدى عودة الرئيس البشير بعد مشاركته في اعمال القمة الافريقية بأديس ابابا، ان التفاوض بين البلدين حاليا منصب علي قضايا الامن فقط والتي تعد اولوية لحكومة السودان. وفى المقابل صرح كبير مفاوضى دولة جنوب السودان باقان اموم ايضاً انه لم يتم التوصل إلى حل حول أسعار عبور النفط، لافتاً الى ان السودان طلب مبالغ معينة لتغطية العجز خلال (4 5) سنوات، وقرر الحصول عليها من عائدات نفط الجنوب بتحديده مبلغ 36 دولارا للبرميل ستغطي العجز الذى تعانى منه خزينته، واشار كبير مفاوضى دولة جنوب السودان الى ان حكومة السودان أسندت لوكيل وزارة نفطها مهمة شاقة لتبرير المبلغ المطلوب على الرغم من خبرته الطويلة في مجال صناعة النفط وعمله في عدة دول أوروبية وفي أميركا، واوضح اموم ان حكومته تحصلت على معلومات دقيقة لكل الأمثلة التي تقدمت بها الخرطوم لتبرير المبالغ الضخمة التى طرحتها واضاف أثبتنا لهم عدم دقتها وتناقضها، لافتاً الى ان أذربيجان تدفع لجورجيا 18 سنتا، ولتركيا 28 سنتا، وتدفع تشاد للكاميرون 41 سنتا لترحيل بترولها. الا ان الخبير الإقتصادى الدكتور محمد الناير قال ل»الصحافة» ان الحديث عن التوصل الى اي اتفاق بشأن النفط امر عار من الصحة بحسابات ان الحكومة السودانية رهنت التوصل الى اى حل فى هذا الشأن بالإتفاق على القضايا الامنية بإعتبارها النقطة الأساسية والمدخل الى القضايا الأخرى بما فيها البترول، وقال صحيح ان النفط يمثل اهمية كبيرة والمصدر الوحيد للدخل القومى ، وفى المقابل يمثل حوالى 20% للحكومة السودانية من إيرادات الموازنة العامة وهو بالطبع عائد لا يستهان به الا انه لايجعل الحكومة السودانية تتراجع عن المستوى الذى حددته ب «32» دولارا بالنسبة للبرميل، واى مبلغ اخر غير مقبول، وأشار الناير الى ان حكومة الجنوب عقدت عددا من المقارنات غير الواقعية، واذا كانت دقيقة فإن هذه السنتات التى إستعرضتها هى فقط تمثل رسوم العبور السيادية، واشار الى المسافة التى تقطعها خطوط الأنابيب وقال انها تعادل حواى «1600» كيلومتر ونوه الى ان طرح باقان لايشمل رسوم المعالجة والتكرير وتكلفة النقل ورسوم الشحن فى الميناء، واضاف كان ينبغى لباقان اموم ان يكون امينا فى تقسيمه للرسوم وان يضع ارقاما لبقية التكلفة، واشار الى ان «السنتات» التى طرحها فى مقارنته تشمل فقط الرسوم السيادية للعبور، وقال لايعقل تقديم «69» سنتاً للبرميل الواحد مقابل «32» دولارا، واضاف الناير ان «8» دولارات للبرميل والتى تم تداولها فى الجنوب هى مبلغ زهيد ولايمكن ان يرضى حكومة السودان، وقال يجب طرح قيمة معقولة تصل الى «20» دولارا للبرميل يمكن ان تصبح نقطة للتداول فى قضية النفط، الا ان المحلل الإقتصادى توقع ان يثمر لقاء الرئيس البشير برئيس دولة جنوب السودان عن انفراج كبير فى مجمل القضايا بما فيها النفط، لافتاً الى ان التقدم فى القضايا الأمنية يفتح الباب امام الوصول الى تسوية بشأن النفط بين البلدين. بيد ان المحلل السياسى الدكتور حسن الساعورى اشار الى ان ملف البترول قد حسم امره بين الدولتين عقب لقاء الرئيسين البشير وسلفاكير وقال انه لم يتبقَ غير الإجراءات، وقال الساعورى ل «الصحافة» ان رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت عقب لقائه بالرئيس البشير وجه حكومته بإعادة ضخ النفط من جديد عبر خطوط انابيب الشمال، وقال ان حديث سلفاكير هذا يقطع تماما التوصل الى تسوية بين البلدين واضاف «لايعقل ان يصرح رئيس حكومة الجنوب مثل هذا التصريح اذا لم يتم التوصل الى اتفاق بين البلدين؟» الان المحلل السياسى اشار الى ان حديث وزير الخارجية عن ان التوصل الى اتفاق بشأن البترول « ضرب من الخيال»، ينم عن حدوث تطور ما أعقب الإتفاق استدعى الحكومة السودانية الى إتخاذ هذا الموقف، وتوقع الساعورى انه تمت مناقشة عدد من الملفات مجتمعة بما فيها النفط مقابل مساومات تراضى عليها الطرفان وان حكومة دولة جنوب السودان تراجعت عن احد البنود او أخلت بالإتفاق ما دفع الحكومة السودانية الى إستخدام ملف النفط والذى تستخدمه كأحدى وسائل الضغط مع حكومة جنوب السودان، ونوه الساعورى الى ان ملف البترول قضية تجارية بحتة يجب إبعادها عن بقية الملفات ومناقشتها بصورة منفصلة، الا انه أشار الى انها تحتمل اتفاقيات خاصة بين الدولين بمعزل عن الملفات الأخرى كالمقترح الذى قدمه وزير النفط الجنوبى بمنح الخرطوم مبالغ سنوية او شهرية لسد عجز ميزانيتها دون الدخول فى مناقشات عن ثمن البرميل الى حين التوصل الى اتفاق يرضي الطرفين. نقلا عن صحيفة الصحافة السودانية 18/72012م