مايحدث فى السودان ومصر هذه الأيام من تداعيات زلازل الربيع العربى أمر مشابه فى جوهره وان اختلفت الأشكال.. فى السودان تجربة حكم الحركة الإسلامية لما يقرب من ربع قرن وفى مصر حكم حركة اسلامية لبضعة أشهر وكلاهما يتعرضان لزلزال سياسي خطير فاما يتجاوزه كل منهما بكثير من الحكمة والبصيرة وحسن التصرف أو يواجهان السقوط . فى السودان أخطأت الحركة الإسلامية حينما اهتمت ب (التمكين) لها وحدها فأنشأت نظاما سلطويا قابضا للثروة والسلطة معا وضربت القوى السياسية الأخرى تحت الحزام وهشمت الأحزاب المعارضة وفصلت الجنوب وأضعفت الاقتصاد وعزلت السودان خارجيا وانتهت الى استمرار الصراعات فى الهامش، الأمر الذى أدى الى أن يصبح جل انفاق الميزانية فى القطاع الأمنى والعسكرى بدلا من التنمية والتعليم والصحة وهلمجرا مما أثر على مستوى معيشة المواطن بشكل خطير وصاحب ذلك ظاهرة فساد يتحدث بها الناس فى كل مجتمعاتهم. والأخطر من ذلك أن أنتج ذلك داخل كيان الحركة والسلطة خلافا وصراعا مريرا و لمحاولة انقلاب قامت بها عناصر من مفاصل الحركة والنظام وهذا مكمن الخطر عليهما وعلى الاستثمار خاصة والاقتصاد عامة.. وكما تقول الطرفة السودانية أكلت الحركة أبيها والآن تأكل فى أبنائها. أى تآكل بعد تكامل. أما فى مصر فقد أخطأت حركة الإخوان المسلمين خطأ" كبيرا عندما رفضت عقب الثورة المصرية أن يوضع الدستور أولا ثم تقوم الانتخابات فأصر الأخوان على الانتخابات أولا قبل وضع الدستور وقد كتبت فى هذا الخصوص ونصحت الإخوان المصريين بألا ينجرفوا وراء الانتخابات و عليهم أن يقبلوا بالدستور أولا ولكن؟؟ كانت النتيجة ما نشاهده اليوم من استدراج القوى المعارضة وفلول نظام مبارك لهم الى مواقع مكشوفة اعلامية وسياسية وجرهم الى قضايا قانونية مستعينين بقضاة عينهم الرئيس المخلوع مبارك مستغلين الإعلان الدستورى. وانفق الفلول أموالا طائلة ليجعلوا مصر الثورة تبدو وكأنها الفوضى بسبب الثورة فحدث تحالف موضوعى غير متفق عليه بينهم وبين المعارضة المصرية ومساعدات خارجية لا تريد لمصر الاستقرار مثل قصة قميص الخليفة عثمان بن عفان واستطاعوا بذكاء مستغلين تمركزهم فى العاصمة وأجهزة الإعلام دون الأقاليم حيث الأغلبية الساحقة التى تؤيد الرئيس مرسى فى قراراته. ماذا كان يضير إخوان مصر لو وضع الدستور أولا ثم اجريت الانتخابات؟ وماذا كان يضير اخوان السودان لو جعلوا نظامهم نظاما ديمقراطيا حقيقيا مثلما حدث فى مصر؟ لا أشك لحظة أنهم كانوا سينالون أغلبية فى برلماني مصر والسودان من خلال صندوق الانتخابات لا الانقلاب العسكرى فى السودان أو الانقلاب الدستورى فى مصر كما يقول معارضوهم. لقد ظهر اخوان السودان وإخوان مصر وكأن السلطة والنفوذ هى همهم الأول وليس الإسلام الذى طالبهم القرآن بالقول (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) وليس بالتعسف والسلطوية والعنف السياسى.. لقد استمعت أمس فى القناة الفرنسية لمقابلة مع نائب رئيس حزب النهضة التونسى السيد عبد الفتاح مورو الذى قال إنه من المهم للحركات الإسلامية تجذير الديمقراطية والتى يمكن أن تحملهم للسلطة أو المعارضة وفى كلا الحالين هم موجودون فى المجتمع والنظام القائم يعملون للتبشير بمبادئهم فى ظل الحرية والديمقراطية.. لعمرى هذه هى الرؤية الصحيحة ليت الحركات الإسلامية تأخذ بها فلا تقع فى مآزق السلطة المطلقة وأهوائها الفاسدة المفسدة. أنا مقتنع أن المعارضة المصرية بكل أطيافها كما المعارضة السودانية فاقدة المصداقية والشعبية وليس لديها برامج واضحة اللهم الا اسقاط نظامى الإخوان فى مصر والسودان ولم يقدموا مشاريع مقنعة بل ان تجاربهما فى الحكم منذ ستين عاما كانت فى غاية السوء ونظرة سريعة خلال تلك الفترة تؤكد ذلك فالحكم الناصرى وما تبعه من أنظمة فى مصر كانت أكثر سلطوية وديكتاتورية وتعسفية من فترة الرئيس مرسى فما فعل عبد الناصر والسادات ومبارك ضد معارضيه وضد القضاء المصرى وما شهده المصريون والعالم من مظاهر فساد وظلم وتحكم أجهزة الاستخبارات ضد الرأى الآخر الوطنى والإسلامى خلال الستين عاما الماضية لم يفعله الرئيس مرسى ضد معارضيه حيث تركهم يهتفون ويتظاهرون بحرية كاملة لدرجة ممارسة التخريب الذى لم يسمح به فى العهود السابقة..بل ان الدستور الذى أعدته الجمعية التأسيسية قلّص صلاحيات الرئيس مرسى بعكس دساتير ثورة يوليو المصرية خلال ستين عاما جعلت من رؤساء مصر الثلاثة (ناصر والسادات ومبارك) رؤساء كأنصاف آلهة وكرست الاستبداد و الفساد بسبب غياب الشفافية والمساءلة وسيطرة أجهزة الأمن والمخابرات والحزب الواحد المتحكم بالتزوير فى كل شئ عكس الرئيس مرسى المشهود له بالديمقراطية والأمانة. مؤتمر الحركة الإسلامية السودانية لست مع الذين يطالبون بازدواجية الحركة الإسلامية وحزبها الذى كونته لتحكم به وأعنى المؤتمر الوطنى..فبعد استلام الحركة للسلطة عام 1989 كان الأفضل لها أن يصبح نظامها نظاما ديمقراطيا لكل السودانيين من خلال نظام ديمقراطى حقيقى مثلما حدث بعد ربيع تونس ومصر وليبيا ولا بأس من أن تكون لها حزبا سياسيا مدنيا بمرجعية اسلامية فهذا حقها ولا داعى لوجود حركة اسلامية هلامية غير مسجلة قانونا بجانب حزبها ،ولكن يمكن أن تكون مثل جماعات الطرق الصوفية كالختمية والأنصار والقادرية وهلمجرا تهتم بالتربية الدينية والثقافة الإسلامية المتجددة عصريا لترفد حزبها الحاكم أو المعارض بعناصر تتمتع بالأمانة وطهارة اليد واللسان والكفاءة المطلوبة للحكم الرشيد ويجب ألا تمنع الآخرين من القوى السياسية من كامل حقوقهم السياسية. لقد قامت الحركة الإسلامية السودانية منذ الخمسينيات كرد فعل للحركة الشيوعية وامتدادا لحركة الإخوان المصريين واهتمت أولا بالتربية الدينية ثم تطورت وانتهت لتكون حركة سياسية مثل سائر الأحزاب تطالب بالشريعة والدستور الإسلامي، ونشطت كمعارضة سياسية متحالفة مع القوى السياسية الأخرى ضد الأنظمة العسكرية والسلطوية وشاركت مرتين فى ثورتى أكتوبر وأبريل وأخيرا قامت بانقلاب عسكرى مخالفة لأدبياتها ومبادئها السابقة التى قامت على مبدأ الشورى والديمقراطية وآن الأوان لترجع الى جذورها الفكرية هذه وتترك الإزدواجية فهى الآن بحكم الواقع مسئولة عن الوضعية السياسية الحالية مسئولية تامة.. وأعتقد أن الأمر نفسه يجب أن ينسحب على جماعة الإخوان المصريين غير المسجلة وأحدثت ازدواجية عندما أنشأت حزب الحرية والعدالة.. أريد للحركات الإسلامية فى مصر والسودان أن تحذو حذو حزب العدالة والتنمية التركى وهو حزب سياسى ذو مرجعية اسلامية دون أن يحتكر الإسلام ويضم فى قواعده وقياداته عناصر غير مسلمة. فى تقديرى الشخصى أن الإسلام قد عاد عالميا بقوة بعد سقوط الشيوعية والقومية العربية والبعث والاهتزازات الأخلاقية والإقتصادية والإجتماعية فى الأنظمة الليبرالية والرأسمالية الغربية .المهم الآن ليس (حركات) اسلامية أو ما يطلق عليه الإسلام السياسي بل المهم هو (حركة) الإسلام ذو البعد الإنسانى الحضارى متحاورا ومتعاونا مع الأديان الأخرى يعمل له كل من يشهد ألا اله الا الله وأن محمدا رسول الله وليس كما تفعل ايران وحزب الله اللذان جعلا من الإسلام حركة مذهبية انحرفت بتطرفها وأخيرا بدعمها للأنظمة الاستبدادية العلمانية مثل سوريا.. ان أوضاعا غريبة متناقضة فى حركتى الإسلام فى مصر والسودان، ففى حين أن هناك مرشد خارج السلطة موازى للرئيس فى مصر أصبح الرئيس السودانى هو السلطة العليا للحركة الإسلامية السودانية وفقا لدستورها الذى أجيز فى المؤتمر الأخير..!! لقد كان المفترض لمؤتمر الحركة الإسلامية السودانية أن يركز على المراجعات الفكرية والسياسية ولكن للأسف انصب الاهتمام على من يكون الأمين العام!!؟؟