إذا سمعت أن أحد الاطباء الاختصاصيين أمر بإدخال أحد المرضى لغرفة الإنعاش على وجه السرعة ورفض المسؤول عن الوحدة إدخال المريض ومارس المماطلة لمدة تقارب خمس ساعات، فاعلم أن ذلك يحدث على رؤوس الأشهاد في السودان. واعلم أنك إذا قمت بسداد الرسوم الخرافية المطلوبة لإدخال مريضك العناية المكثفة بأحد المستشفيات الاستثمارية بتكلفة تتجاوز ستة ملايين جنيه، واستلمت بموجب ذلك إشعار إدخال مريضك الذي يعاني النزيف الدموي الحاد وانخفاض الضغط والسكري والخلل في وظائف الكلى، ويسد المسؤول الطريق أمام معافاة مريضك بمنعه من دخول الوحدة، فاعلم أنك في السودان، حيث الفوضى ضاربة بأطنابها. فلا تسكبن دمعة على كل ما سبق، فصبراً على التالي من المكاره التي تقول إن المريض محمد عثمان بشير الذي ظل ينتظر على «النقالة» أمام غرفة العناية المكثفة بمستشفى البقعة بأم درمان بالرغم من حالته الحرجة والخطيرة، لم يفسح له الطريق للإنعاش جراء تماطل أصحاب المعالي من العاملين بغرفة العناية المكثفة الذين لم يصرفوا حافزهم، فاستخدموا ذلك البائس المسكين أداة ضغط على إدارة المستشفى لتحقيق مرادهم في الظفر بالحافز ولو جاء على جثته. ودعونا ننتظر ما تخبئه الأيام للمريض الذي نتمنى له عاجل الشفاء، كما أننا في انتظار كيفية الإجراء تجاه من يعرضون حياة المرضى للموت مثل حالة المريض محمد عثمان بشير. هذا ملمح عابر وقفت عليه من زميلنا زين العابدين محمد محمود المدير الفني لجريدة «الصحافة» الذي ظل طيلة اليومين الماضيين متنقلاً بين مستشفى البقعة بأم درمان والعيادات الخاصة متابعاً حالة ابن اخته محمد عثمان بشير، فالشاهد أن الواقع الصحي في البلاد بات سيئاً جداً، إذ أدى تراجع الخدمات الصحية الحكومية إلى استئساد القطاع الخاص وسعيه المحموم بغية السيطرة على سوق الخدمات الطبية، وهو سوق بات رائجاً لكثرة مسببات السقم، بدءاً بانهيار ما يمكن تسميته المناعة المعنوية، ومروراً بالبيئة التي غدت موائمة لأخطر أنواع الفيروسات والميكروبات والبكتريا الضارة، وانتهاءً بأمراض التخلف من الملاريا والتهاب الكبد الوبائي والسل والبلهارسيا. وبالرغم من الحالة الاقتصادية المزرية التي تعانيها الأسرة السودانية، إلا أن الصرف على العلاج يأتي مباشرة بعد المأكل، وهذا في حد ذاته دليل دامغ على تجريم الدولة وقصورها البائن تجاه المواطن. وعلى أعضاء الهيئة التشريعية تصعيد مطالبهم للحكومة بالتدخل للحد من حالة التفلت وارتفاع الأسعار المتصاعد لجميع السلع والخدمات، وهي أمور برزت للسطح في وقت تصدَّر فيه برنامج انتخاب رئيس الجمهورية الانحياز للشرائح الاجتماعية الفقيرة.