أقام المجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون احتفالاً بيوم الكاتب الأفريقي ، وقد اشتمل الحفل على كلمات وأوراق واختتم بفاصل من الغناء المعتمد على الطبول والايقاعات الأفريقية ، وقد أختير نور الدين ساتي هذا العام ضيف شرف للاحتفالية . وفي البدء تحدثت الأستاذة فاطمة موسى بلية أمينة المجلس عن أهمية الاحتفال بالكاتب الأفريقي ونشأة هذه الاحتفالية منذ عام 1976م وبدأ الاحتفال بها في السودان عام 1994م وتوقف عام 1998م . قدم أ . د. محمد المهدي بشرى مقدمة عامة عن الحضارة الأفريقية ، واستند الى القول بأن الصحراء في أفريقيا ليست عازلاً يقسم القارة الى شمال وجنوب .. كما نبه الى التقسيم الاستعماري الثقافي لهذه القارة بين فرانكفوني ( يضم الدول التي كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي ، وانجلوسكسوني الدول التي كانت تحكمها بريطانيا ) ... وقال أن الحضارة الأفريقية تتسم بالأصالة خاصة في الغناء والموسيقا وفن المعمار وأشار الى قول كثير من الباحثين بأن أصل الحضارة الانسانية هو في أفريقيا ( الحضارة المصرية ? الحضارة النوبية والحضارات في شرق وغرب أفريقيا ) . بعد ذلك تحدث د. علي الضو عن الموسيقا الأفريقية باعتبار أنها تميز القارة الأفريقية ، وباجماع الباحثين أن الأفارقة لديهم أساليب فنية مدهشة ، والنغم فيها مرتبط بالايقاع ، والايقاع في هذه الموسيقا بسيط ومعقد ، وتحتوي الموسيقا على تراكيب ايقاعية مدهشة ، وكثير من الأوربيين ممن يفهمون الموسيقا بشكل جيد تصيبهم الدهشة وهم يتابعون الايقاعات الأفريقية المعالجة بشكل فني .. وهذه الموسيقا تقوم على البناء الأفقي والارتداد ، ويأخذ المظهر العام شكلاً دائرياً ، وفي الدائرة كل شخص يبدع دون الخروج على النسق العام ... وفي ذلك تجئ الحركات والانفعالات وليدة اللحظة ، ولكنها مرتبطة بالاطار العام للعمل . وفي البحث عن فلسفة للفن الأفريقي فان الخروج على النص يظل موجوداً ولكن بشكل أوضح في التشكيل والنحت ويخرج المتلقي من الرتابة . الأستاذ ابراهيم بخيت جاءت ورقته بعنوان المسرحي الأفريقي واشكالية اللغة والرقابة أشارت الورقة الى أن تمدد اللغة الانجليزية والفرنسية والبرتقالية فرضت سيطرتها على معظم منشورات دول غرب أفريقيا وجنوب الصحراء مما أدى الى ترويج نخبوية حجبت النكهة الأصلية ومنعت بشكل مباشر أسواق الكتابة المحلية من أن تتطور بشكل كامل وتأخذ فعاليتها في تشكيل وتماسك الهوية الوطنية بخلاف حال اللغة العربية في البلدان الأفريقية الناطقة بها ولكن حتى هذه العربية وجدت من المعوقات ما شل فعاليتها هذه بسبب من مخرجات السياسة ومتاريس الرقابة السياسية والدينية والاجتماعية ... واذا كانت هذه هي بعض المعوقات العامة التي ساهمت وما زالت تساهم في عدم انتشار ورواج الكتابة الأفريقية بين الأفارقة بعامة فان للكتابة المسرحية وللمسرح الأفريقي قيوداً اضافية لم يستطع الكتاب الأفارقة أنفسهم الوصول الى حلولها أو أن يجدوا ترياقاً سياسياً يكسرها وقد أشارت الورقة الى بعض المعوقات والمعينات ، المسرح الأفريقي في غالبه بدأ كفعل طقسي مع المواسم والاحتفالات الخاصة لا كما عرفت الحضارات الكبرى في الأعياد الدينية وطقوس العبادة الجماعية بل كانت بداياته من خلال الوسط العائلي مما جعله يمارس بانتشار في ربوع القارة بأسرها وينتقل من جيل الى جيل وقد مر المسرح التقليدي في أفريقيا جنوب الصحراء بتطورات كثيرة وكانت له وظائف مهمة على المستوى الاجتماعي لهذه الشعوب وما زال وقد استطاع هذا المسرح التقليدي كسر حاجز التأطير ليندغم مباشرة مع مؤسسة المجتمع ليعكس احتياجاته ويخدم قضاياه ولأسباب عدم التسجيل الكتابي ظل هذا المسرح على مدى طويل من الزمن نشاطاً شفهياً بسيطاً في تناوله للموضوعات بقدر ما حمل من العمق ببساطة ويسر ومن الثابت من أصول المسرح الأفريقي أن أساسه قائم على خدمة الوظيفة الاجتماعية فهي انعكاس لحال المجتمع وتجسيداً لمطلوباته الآنية والاستشرافية وتدعيماً وصوناً لما يفرضه المجتمع من قيم وعادات وتقاليد فهو أقرب لأن يكون تعليمياً لا يجانب المتعة والتسلية ... كلنا يعرف المشاكل والصعوبات التي تعترض النشاط الثقافي ككل والنشر والفعل المسرحي بوجه خاص على مستوى القارة الأفريقية هناك اشكالية خاصة تتمثل في أن معظم الكتاب والمسرحيين الأفارقة يكتبون باللغات الأجنبية الفرنسية والانجليزية مما يخلق صعوبة في ايجاد جمهور متابع لمجمل الابداع الدرامي وكذا في التعبير عن واقع الشعوب الأفريقية ومشاكلها وتطلعاتها وتأسيساً على الحقائق الموضوعية لا يمكننا أن نجزم بأن هنالك حركة مسرحية افريقية بالمفهوم المعاصر للمجالات والقضايا والتقنيات التي يجوسها ويتعامل معها المسرح المعاصر في العالم اليوم فالمسرح الأفريقي بهذه القياسات يعتبر فنا حديثاً موجهاً الى نخبة من المجتمع التزم في كثير من عروضه وتجاربه المزاوجة بين أشكال وسمات المسرح الغربي والأفريقي التقليدية ومع ذلك توجد محاولات شبابية جادة ومبشرة لتأصيل الكتابة والعرض المسرحي في العديد من بلدان افريقيا من خلال العودة الى الجذور بعد ما تملكوا المعرفة والعلم فظهرت في السودان محولات جادة في مطلع السبعينات وما زالت هذه المحاولات تجري ولو انها افتقدت الدافع الابداعي لصالح « الصالح الخاص « وفي بلدان أخرى أصبح الأفريقي يستعمل لغته ولهجته المسرحية في ما يسمى بمسرح السلوك الاجتماعي والمزدهر في أفريقيا بمسمياته ... ونحن في السودان لم يسعف الحظ العديدين من الكتاب الأوائل الذين عاركوا كتابة المسرحيات في السودان أو على الأقل تلك التي عرضت على خشبة المسرح القومي في سنوات ازدهاره انطلقوا من خبرات غير مكتملة عن المفهوم الواسع للمسرح وتمام عناصره المكونة في كتاباتهم للمسرحيات وانشغلوا كثيرا وبجدية بمسألة الهوية وتجاذباتها بين الأفريقانية والعروبية وفي أحيان أخرى من مفهوم ملتبس او لعله مفهوم موروث أشبه بالعنصرية العرقية . وبالطبع كانت هنالك اجتهادات للطلاب والمتخرجين من الجامعات الذين وجدوا الفرصة الواسعة للاطلاع على الثقافات الأخرى وبالتحديد فن المسرح وعناصره مستندين على التاريخ والدين والأسطورة فكتب هاشم صديق مسرحية « نبتة حبيبتي « أخذاً عن أسطورة « سالي فوحمر « التي كتبها جمال محمد أحمد ، وكتب د. يوسف عيدابي مسرحية حصان البياحة والتي استند فيها على ما ورد في كتاب الطبقات لود ضيف الله و» مأساة يرول» التي استلهم كاتبها الخاتم عبدالله موضوعها عن اسطورة سودانية جنوبية ، وفي مجال المسرح برز الناقد شول دينق الذي كتب دراميا طقوس تنصيب رث الشلك . وقد اشتملت الأمسية على ورقة مقدمة من د. أحمد صادق حول كتابات الكاتبة النيجيرية شيما ماندا كما قدم الأستاذ عز الدين ميرغني ورقة حول الكتابة الأفريقية وستقدم الورقتين في أعدادنا القادمة . وقد تحدث في الأمسية أيضا د. نور الدين ساتي « ضيف شرف الاحتفالية « عن العلاقات الثقافية التي تربط السودان بأفريقيا مشيراً الى قول ليوبولد سنغور عن الحضارة الأفريقية هي نتاج تفاعل الحضارة الزنجية بالحضارة البربرية والعربية وقدم نور الدين ساتي رؤيا لكيفية تنمية وتطوير العلاقة الثقافية بأفريقيا .