موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    تحرير الجزيرة (فك شفرة المليشيا!!)    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    واشنطن: دول في المنطقة تحاول صب الزيت على النار في السودان    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    لأول مرة منذ 10 أعوام.. اجتماع لجنة التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإيران    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابيي..الوطن الضائع والقانون الدولي(1/2)

ظلت ساقية أبيي تدور سنين عددا، وللأسف الشديد لم تراوح مكانها بل تفرز كل يوم جديد تداعيات هي من شاكلة البيضة اولاً ام الدجاجة. وظلت الاوضاع تتدحرج من سيء الى اسوأ وتزداد تعقيدا مع كل دورة من دورات الساقية بدءا ببروتوكول ابيي وملحقه اللذين اعطياء ملكية الارض وحق الاستفتاء لعموديات دينكا نقوك دون اشارة لقبيلة المسيرية بثقلها السكاني وحقوقهم المشروعة في المنطقة.. مرورا باللجنة التي كلفت بتحديد منطقة ابيي (ABC) والتي زادت الامر تعقيدا بضمها اراضي جغرافية لا علاقة لها بادارية ابيي منذ انشائها كما ان اللجنة لم تلتزم بقرار تشكيلها .. وثم محكمة لاهاي وقسمتها الضيزى التي راعت في تحديدها للمنطقة تقسيم البترول بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية (حقل هجليج للمؤتمر الوطني) وحقل (دفرة للحركة الشعبية) واعطاء موارد المياه كلها للدينكا نقوك واما المسيرية وبكل ثرواتهم كان نصيبهم السافنا الفقيرة التي لا ماء ولا كلأ بها .. ثم توالت التعقيدات الامنية والسياسية والإدارية وخلاصتها .. ضحايا بالعشرات ان لم تكن بالمئات في كل حادثة... وجود اجنبي اممي وافريقي بالآلاف افقد السودان سيادته على ارضه وله عواقب وخيمة في مستقبل الايام.. ثم مد وجزر وصراع على الكيفية التي تدار بها المنطقة وصولا لقرار مجلس الامن والسلام الافريقي والذي يوصي لمجلس الامن الدولي بإجراء استفتاء على ابيي في اكتوبر 2013م، والذين يحق لهم التصويت هم عموديات الدينكا نقوك والسودانيون الآخرون المقيمون في ابيي وهذا القرار فيه اجحاف وتجاوز قانوني لحقوق الرحل من قبيلة المسيرية الذين يقضون معظم شهورالعام بالمنطقة.
والمتتبع لمشكلة ابيي وتطور احداثها يصل لقناعة تامة بأن هنالك أيادٍ خفية ومؤامرات تحاك هنا وهناك وجهل بطبيعة الصراع واهدافه وتراجع عن اجندة ا لوطن التي لا تقبل المساومات والمجاملات وهنا ارجو ان اشير وبصدق وامانة ان للدينكا حقاً في المنطقة وللمسيرية حق ايضا وان يعمل المسيرية كصمام امان للجنوب في علاقتهم مع الشمال وان يقوم دينكا نقوك بنفس المهمة كصمام امان للشمال في علاقته مع الجنوب.
وقبل الدخول في موضوع مشكل ابيي والقانون الدولي ارجو من المهتمين من ابناء الوطن ان نبدأ بتصحيح المفاهيم وتسمية الاشياء باسمائها بان ابيي ارض سودانية وامرها يهم كل السودانيين بصرف النظر عن القبيلة التي تسكنها وبالتالي يصبح التناول السليم لأمرها لا تفريط في اي شبر من ارض السودان وكفى مجاملات وغفلات افقدتنا ثلث الوطن وآن الاوان ان تراجع الحكومة مسيرتها الخاطئة التي اوردتنا الهلاك، والرجوع للحق الذي يملي عليها التخلي عن خطها الانفرادي والثنائي لمعالجة قضايا الوطن المصيرية وعلي رئيس الجمهورية الذي نقدر له موقفه الثابت من قضية ابيي بان حل قضايا الوطن يكمن في وحدة ابنائه والتصدي معا لحماية اراضيه وسيادته وان القانون هو المرجع لحل القضايا وفيما يلي سأوضح في ايجاز الرأي القانوني لاخصائيين في القانون الدولي في الداخل والخارج.
مشكل أبيي والقانون الدولي:
العنصر الديموغرافي في أبيي يشكل تنوعا إثنيا حيث هاجرت بعض المجموعات من وطنها الاصلي لتقييم لاحقا هناك والتاريخ يؤكد هجرة دينكا نقوك من وطنهم الى ابيي التي استضافتهم... وعندما تم تسييس المشكل بسطت ظاهرة «البانيا مولونفي» التوتسي هيمنتها المتمثلة بخطاب دينكا نقوك المطالب بالحاق المنطقة الى جنوب السودان. وهذا المشكل يتطابق مع عدة امثلة في التاريخ السياسي الحديث حينما طالبت مجموعات اثنية هاجرت من موطنها الاصلي وطالبت بضم الاقليم الى دولة ام او اخرى حديثة النشأة..
فقد طالب الصوماليون في كينيا واثيوبيا بضم اقليم مهاجريهم الى الصومال، وطالب الارمن في منطقة ناغورنو كاراباخ في اذربيجان بالانضمام الى جمهورية ارمينيا التي نشأت بعد افول الاتحاد السوفيتي.. والبانيا مولونفي التوتسي الذين اقاموا في شرق زائير - الكنقو الديمقراطية - قرابة مائتي عام محرومين من الجنسية وهم من اصل رواندي طالبت رواندا - التوتسي - بضم الجيب الارضي الذين يقيمون فيه بشرق الكنقو الى سيادتها بعد اطاحة نظام الرئيس موبوتو..
بدون الرجوع الى المراجع البريطانية، الثابت ان منطقة ابيي آلت اداريا الى مديرية كردفان،٭ ولم تكن ضمن الحدود الجغرافية لجنوب السودان.
واستمرت تلك الوضعية الادارية ابان عهد الحكم الثنائي إثر القضاء على الدولة المهدية بعد صدور قرار في عام «1905» يؤكد ايلولة ملكية موطن السلطان اروب زعيم دينكا نقوك الذي يقع على نهر كير او بحر العرب الى مديرية كردفان..
هناك قاعدة ذهبية في القانون الدولي، انتقلت اليه من القانون الروماني وهي قاعدة - اوتي بوسيد بتيس جوريس - المتعلقة بالحدود الموروثة من المستعمر والتي يجب ألا تخضع للتغيير الا باتفاق قانوني. وبمجرد نيل الاقطار الافريقية المستعمرة استقلالها بموجب هذا المبدأ تحولت الحدود الداخلية او الادارية الى حدود دولية وان الانفصالات الاقليمية اللاحقة لا تغير هذه القاعدة.
ومبدأ تقرير المصير بدون ذكر التفاصيل القانونية والتي سأتطرق اليها في موضع آخر تتعلق بتصفية الاستعمار في فترة ما بعد الحرب الكونية الثانية. واصدرت الامم المتحدة في ديسمبر (1960) القرار رقم (1514) حول اعلان منح الاستقلال للاقطار والشعوب المستعمرة والذي طالب باتخاذ الخطوات اللازمة لتحرير واستقلال هذه الشعوب ونقل كل السلطات لشعوب هذه الاراضي ا لمستعمرة.
وكان المعيار الرئيسي لذلك القرار الرقعة الجغرافية بوصفها وحدة سياسية خاضعة لحكم اجنبي بدلا من المعيار الاثني نظرا لتعدد وتنوع المجموعات الاثنية في المستعمرة الواحدة والذين تم اعتبارهم كشعب واحد يحق له ممارسة حق تقرير المصير لتحقيق الاستقلال للامة التي ينتمون اليها .. ولسد الطريق امام الانفصالات الاثنية من الوطن الام حديث الاستقلال، فقد اكد القرار 1514على ضرورة صيانة الوحدة الوطنية للبلدان المستقلة واعتبار اي محاولة للتفتيت الجزئي او الكلي لوحدة اراضيها بمثابة انتهاك لمباديء ميثاق الامم المتحدة.
وخضع اعلان مباديء القانون الدولي الذي اصدرته الامم المتحدة في 1970 مبدأ تقرير المصير لقانون سيادة الدولة حينما نص على عدم تفسير الفقرات الخاصة بتقرير المصير بأنه تخويل او تشجيع للقيام بفصل من شأنه التفكيك الجزئي او الكلي لوحدة اراضي وسيادة الدول المستقلة.
وفي قضية النزاع بين مالي وبوركينا فاسو كان الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لدى البت فيها بأن جوهر قاعدة - اوتي بوسيتيديس جوريس - يهدف اساسا لتأمين احترام حدود الاراضي الاقليمية في لحظة الاستقلال.. سواء كانت هذه الحدود مجرد ترسيم بين تقسيمات ادارية مختارة او ممرات تخضع كلها لنفس السلطة صاحبة السيادة.. وفي هذه الحالة ينتج عن تطبيق قاعدة اوتي بوسيتيديس تخول الحدود الادارية الى حدود دولية بكل ما يحمله المصطلح من معاني..
ومن امثلة ذلك تحول الحدود الداخلية بين الارجنتين وبوليفيا وشيلي في عهد الاستعمار الاسباني الى حدود دولية بين هذه الدول بعد ان نالت استقلالها وتحول الحدود الداخلية من البنجاب والبنغال في عهد الاستعمار البريطاني بعد تقسيمها الى شرق البنجاب وغرب البنجاب وشرق البنغال وغرب البنغال الى حدود دولية بين الهند وباكستان بعد استقلالهما وضم الهند لغرب البنجاب وغرب البنغال وضم باكستان لشرق البنغال وشرق البنجاب كما تحولت الحدود الداخلية بين التشيك والسلوفاك في جمهورية تشيكوسلوفاكيا الى حدود دولية بين جمهورية التشيك وسلوفاكيا بعد افول تشيكوسلوفاكيا الفدرالية من الوجود في يناير عام 1993 حيث تم تحويل المقاطعتين السابقتين الى دول ذات سيادة. كذلك تحولت الحدود الادارية الداخلية بين اثيوبيا واريتريا في الدولة الاثيوبية الى حددو دولية بمجرد انفصال اريتريا من اثيوبيا بعد الاستفتاء على تقرير المصير في عام 1991م.
واشار (بروفسور مالكوم شو) الى اهمية وضع هذا العامل في الاعتبار عند تعريف مبدأ اوتي بوسيتيديس .. ففي حال وجود معارضة لهذه العملية فان العرف السائد في الممارسة الدولية يعيد المبدأ الذي ينص على ان اطار الاراضي في مرحلة الانتقال الى الاستقلال هو الذي كان للوحدة السابقة في داخل حدود ادارية مقبولة.. كما يشير الى تأكيد المنظمات الدولية لسلامة وحدة اراضي الدول التي نقلت حدودها الداخلية السابقة الى حدود دولية الى قبول مبدأ اوتي سيتيديس بحيث يصبح مبدأ السلامة الاقليمية للدول نافذ المفعول بعد الاستقلال..
كما يشير (بروفسورتوماس فرانك) الى ان مبدأ وحدة اراضي الدولة - سلامة الاقليم - وقاعدة اوتي بوسيتيديس مترادفتان خاصة وان هدفهما الاساسي هو عدم تعريض اراضي الدولة ذات السيادة للتفتيت.
ولقد طالبت جمهورية الصومال بعد استقلالها في عام 1960 بمنح الصوماليين في اثيوبيا وكينيا حق تقرير المصير لكي ينضموا اليها الشيء الذي رفضته كل من اثيوبيا وكينيا بحجة ان تقرير المصير ينطبق على الاراضي الخاضعة للاستعمار فقط وليس لاجزاء من دولة مستقلة ذات سيادة... وادى ذلك الى نشوب القتال بين اثيوبيا والصومال على الحدود في يناير 1964م. طلبت منظمة الوحدة الافريقية من كينيا والصومال التفاوض لحسم الخلافات بينهما حول الاراضي الحدودية. واصرت كينيا على صيانة وحدة اراضيها التي آلت اليها بعد الاستقلال واقترحت انتقال الصوماليين الذين يسكنون في اراضيها الى جمهورية الصومال بينما تبقى الاراضي التي يسكنونها حاليا داخل كينيا.
كانت مسألة تأمين الحدود التي ورثتها الدول الافريقية من الاستعمار موضع اهتمام قادة الدول الذين شاركوا في المؤتمر التأسيسي لمنظمة الوحدة الافريقية الذي عقد في مايو 1963م، في اديس ابابا، حيث اكدت اثيوبيا ان العديد من الدول الافريقية ستزول من الوجود اذا ما تمت اعادة رسم الحدود على اسس دينية او عرقية او لغوية مما يجعل من مصلحة الافارقة احترام الحدود التي رسمها الاستعمار في الخرائط.. واكدت ديباجة ميثاق المنظمة على ضرورة تأمين استقلال وسيادة ووحدة اراضي الدول الاعضاء ، كما اشارت في المادة الثالثة من الميثاق الى ان احد اهداف المنظمة هو احترام سيادة ووحدة اراضي كل دولة.
وفسرت الدول الافريقية حق تقرير المصير مرتبطا ومؤطرا بقاعدة اوتي يوسيتيديس ووحدة اراضي الدول كما يتضح في المادة (20) من الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب التي حصرت ممارسة تقرير المصير للشعوب المستعمرة والمضطهدة فقط والتي ترتبط بالمادة 23 من الميثاق التي تضمنت بطريقة غير مباشرة مبدأ قدسية الحدود الموروثة من الاستعمار وضرورة عدم مساسها. والمادة (20) من الميثاق الافريقي وفق الرأي القانوني لا يمكن استخدامها بواسطة اي قبيلة او مجموعة اثنية في افريقيا للمطالبة بحق تقرير المصير.
يتضح من هذا السرد ان موقف القانون الدولي من قضايا الحدود وحق تقرير المصير واضح وضوح الشمس في رابعة النهار.. وان قضية ابيي واخواتها ينطبق عليها ما ينطبق على القضايا المماثلة لها في قارتها وخارج القارة من الدول التي كانت تحت حكم الاستعمار. وليس امامي الآن الا ان اقول للذين تولوا امر ابيي.. ما لكم كيف تحكمون ؟!! أفلا تتذكرون (الصافات الآية 123 - 154).
ونواصل ضرب الامثال والتذكير لما جرى من احداث مماثلة لحالتنا في العالم واقول: -
عندما قررت اقلية الصرب التي تقيم في جمهورية البوسنة - الهرسك الانفصال عنها بحجة ممارسة حق تقرير المصير وقاموا بتأسيس جمهورية سربسكا SRPSKA وشن حملات الابادة والتطهير العرقي ضد المسلمين في البوسنة.
وعندما طرح السؤال على لجنة بادنتر اذا ما كان لاقلية الصرب في جمهورية كرواتيا والبوسنة - الهرسك حق تقرير المصير، قررت لجنة التحكيم في الرأي رقم 2 الذي اصدرته في 11 يناير 1992 ان من الثابت عدم تضمين حق تقرير المصير لأي تغييرات للحدود الموجودة في وقت الاستقلال (اوتي سيتيديس) مهما كانت الظروف، ما عدا في حالة اتفاق الدول المعنية على خلاف ذلك. ولم يتفق الاتفاق بخلاف ذلك في اتفاق بروتوكول مشاكوس 2003 (الاسس والمباديء) .. بل الثابت ان البروتوكول رغم الخروقات الكبيرة التي تتلبس اتفاقية نيفاشا 2005 اشار بوضوح الى حدود السودان القائمة في 1956.. وهذا الطرح يتماشى مع الارث القانوني للحدود في قارة افريقيا والتطور الوارد ضمن سياق القانون الدولي المعاصر الذي اشرنا الى امثلة منه اعلاه. وفي حال ابيي ان حق تقرير المصير لا يمنح للقرى والفرقان بل الى الشعوب وهذه العبارة لها مضمون وشرائط في القانون الدولي.
الرأي القانوني ان لجنة التحكيم قد اكدت علو مبدأ اوتي يوستيتيديس على حق تقرير المصير حين محاولة ممارسة الاخير في الدولة المستقلة حديثا لكي يتم الحفاظ على الحدود الادارية السابقة وصيانة وحدة اراضي الدولة المستقلة. وتجدر الاشارة الى ان المجتمع الدولي قد أدان واستنكر محاولات صربيا تحريض اقلية الصرب لممارسة تقرير المصير وتغيير حدود جمهورية كرواتيا قبل صدور قرار لجنة التحكيم. فأصدر الاتحاد الاوروبي في 1991/8/27م، تصريحا حول القتال في كرواتيا اكد فيه قدسية الحدود السابقة للجمهوريات...
كما اصدر مجلس الامن قرارا يشير فيه بعدم قبول اي محاولة لتغيير الاراضي بالعنف.
وقامت الجمهوريات المستقلة التي ظهرت على انقاض الاتحاد السوفيتي السابق بعد انهياره في عام 1991م، بتنفيذ مبدأ اوتي بوسيتيديس لترتب اوضاع الحدود الادارية الداخلية بينها بعد تحولها لحدود دولية عملا باحكام المبدأ المذكور.. ويدخل مبدأ اوتي بوسيتيديس حيز التنفيذ العملي بمجرد ممارسة الشعب في احدى المستعمرات حق تقرير المصير وتأسيسهم لدولة مستقلة ذات سيادة.. وتصبح الحدود التي ورثتها من الاستعمار واراضيها الاقليمية غير قابلة للانتهاك ولا يمكن مساسها وتغييرها.. فكما ذكرت محكمة العدل الدولية (يجمد مبدأ اوتي بوسيتيديس حق الملكية على الارض ويوقف الساعة في لحظة الاستقلال ولكنه لا يعيد عقارب الساعة الى الوراء)..
بعد ان تم الاتفاق في بروتوكول مشاكوس على منح جنوب السودان حق تقرير المصير الخارجي الذي يمكن بمقتضاه تأسيس دولة مستقلة في جنوب السودان، تقرر استثناء منطقة ابيي من استفتاء تقرير المصير لسببين :
/1 وقوع منطقة ابيي في داخل الاراضي الجغرافية لشمال السودان والتزام ا لاطراف بمبدأ اوتي بوسيتيديس واحكام القانون الدولي التي تنص على عدم مساس الحدود الموروثة من الاستعمار وصيانة وحدة اراضي الدولة.
/2 وجود تعارض بين حق تقرير المصير ومبدأ اوتي بوسيتيديس ومبدأ سلامة وحدة اراضي الدولة ومنح القانون الدولي ومواثيق منظمة الوحدة الافريقية (الاتحاد الافريقي) الاولوية لمبدأ اوتي بوسيتيديس في حالة التنازع بينهما حتى لا تتعرض وحدة اراضي الدولة لخطر التمزيق.
لذلك فإن ممارسة شعب جنوب السودان لحق تقرير المصير في الاستفتاء الذي جرى في عام 2011 والذي نجم عنه قيام دولة مستقلة باسم دولة جنوب السودان يؤدي بشكل تلقائي وطوعي بموجب امكان القانون الدولي الافريقي والقانون الدولي العام وقرارات محكمة العدل الدولية بشأن نزاعات الحدود في القارة الافريقية، يؤدي الى تحول الحدود الادارية الداخلية بين الشمال والجنوب الى حدود دولية بمقتضى مبدأ اوتي بوسيتيديس . وستكون منطقة ابيي منذ تلك اللحظة تحت حماية القانون الدولي بمقتضى المادة 2 فقرة 4 من ميثاق الامم المتحدة التي تمنع الدول الاعضاء من التهديد او استخدام القوة ضد وحدة اراضي دولية مستقلة اخرى .. وذكرت المحكمة الدولية في قضية كورفوشانيل (احترام سيادة الاراضي بين الدول المستقلة اساس ضروري للعلاقات الدولية.
ولم يتم تحديد الوضع الاداري وترسيم الحدود لمنطقة جنوب بحر العرب، اذا تم اخطار الحاكم العام وينجيت باستحالة تثبيت الحدود بالمديريات بشكل دائم قبل اجراء مسح نظم ومعرفة الحدود القبلية وعدم وجود صعوبات لترسيم الحدود على طول النهر... ويبدو ان السلطات الاستعمارية قد كانت تفكر في البداية باعتبار العامل الاثني وانتشار المجموعة القبلية النيلية كمعيار لترسيم الحدود بين بحر الغزال وديار المسيرية في جنوب كردفان، لولا انهم استبدعوا ذلك وقرروا الحفاظ على الوضع الراهن باعتماد الحدود الطبيعية التي تفصل بين بحر الغزال وديار المسيرية منذ القدم لاعتبارات معينة اهمها:-
- قلة اعداد دينكا نقوك الذين استقروا في شمال بحر العرب الذين كان تعدادهم في عام 1956م، يناهز 30 ألف نسمة وعودتهم الموسمية الى موطنهم الاصلي في قوقريال حتى مايو بسبب العوامل المناخية ولوجود المقر التاريخي لزاعماتهم في منطقة ميثانق التي تقع على بعد 50 ميلاً من الضفة الجنوبية لبحر العرب ..
- توقعت الادارة البريطانية ان تعود نتيجة ترسيم الحدود على اساس قبلي والذي سيترتب عليه انتقال المنطقة التي يسكن فيها دينكا نقوك شمال بحر العرب الى جنوب السودان الى سخط وتذمر قبيلة المسيرية التي تعتبر كل المناطق الواقعة شمال بحر العرب والمتاخمة لمديرية بحر الغزال تابعة لهم، مما يؤدي الى زوال روح التعاون والاخاء التي نشأت بين المسيرية ودينكا نقوك واحتمال نشوب الاضطرابات وعدم الاستقرار الذي حرص الانجليز على تجنبه بقدر الامكان في بداية حكمهم للسودان..
كما رأت الادارة البريطانية ان روح العدالة والانصاف تقتضي المعاملة المتساوية بين المسيرية والدينكا، فكما لا يحق للمسيرية الذين يتجولون بماشيتهم في بعض مناطق جنوب السودان في بعض المواسم، ويعتقدون ان المنطقة التي يقع فيها ضريح زعيمهم ابونفيسة في جنوب بحر العرب هي الحدود الجنوبية للمسيرية، وبالمطالبة بملكية بعض المناطق في جنوب السودان، كذلك لا يمكن لدينكا نقوك الذين اضطرتهم الظروف مؤخرا للهجرة الى شمال بحر العرب واستقرارهم بجوار المسيرية الذين استضافوهم في ديارهم المطالبة بملكية المناطق التي استقروا فيها وضمها الى الحدود الجغرافية لجنوب السودان.
- لم تكن لهجرة دينكا نقوك من بحر الغزال واستقرارهم في منطقة ابيي، التي تعتبر من مناطق نفوذ المجموعات الاثنية الشمالية الرعوية والمستقرة في تلك الجهات منذ القرن الثامن عشر وما قبل ذلك اي اثر في وضع ملكية المنطقة كوحدة جغرافية تتبع الى اقليم شمال السودان ومديرية كردفان. ويعني ذلك ان منطقة ابيي لم تتبع او تؤول كملكية لمديرية بحر الغزال في اي وقت قبل الغزو الانجليزي الاستعماري للسودان لأنها لا تقع في اطار الحدود الجغرافية لاقليم جنوب السودان.
وبدأت سلطات الادارة البريطانية النظر في وضع دينكا نقوك في جنوب كردفان والذين ينتمون للقبائل النيلية في جنوب السودان بعد ان تمكنت من استعادة مديرية بحر الغزال الى الاراضي الاقليمية للسودان في عام 1902 . واتضح لهم ان حقيقة استقرارهم كأقلية ضئيلة وسط الاغلبية الساحقة للمجموعات الاثنية الشمالية المستوطنة في جنوب كردفان تقتضي من ناحية العدالة والانصاف ان تكون تبعيتهم الادارية وايلولة ملكية منطقة ابيي كوحدة جغرافية الى مديرية كردفان رغم ان لهم حقوق الدار للاستيطان في ارض المنطقة التي تملكها حكومة السودان بحكم حقوق السيادة عليها..
- واكدت الادارة البريطانية هذا الرأي في القرار الذي اصدرته في عام 1905 والقاضي بان تؤول ملكية منطقة السلطان اروب زعيم دينكا نقوك على شمال نهر كبير او بحر العرب والشيخ ريحان شيخ التويج الى مديرية كردفان وتثبت صيغة القرار ان منطقة ابيي لم تكن اصلا ضمن مديرية بحر الغزال حيث وردت عبارة BELONG اي ايلولة ملكية ولم ترد عبارة TRANSFER اي تحويل ونقل التي اقحمها خطأ بروتوكول ابيي في معرض تعريفه لمنطقة مشيخات دينكا نقوك التسعة في المادتين الاولى والخامسة.
- ومما يؤكد ان قرار 1905 لا يقصد تحويل منطقة ابيي من بحر الغزال الى مديرية كردفان او بمعنى آخر عدم اعادة ترسيم حدود مديرية كردفان لتشمل منطقة ابيي لأنها لم تكن ابدا ضمن مديرية بحر الغزال لكي يتم تحويلها منها الى مديرية كردفان. وتفسر هذه الحقيقة عدم وجود اي وثيقة او خريطة او دليل تشير الى اعادة ترسيم الحدود بين بحر الغزال وكردفان لضم ابيي من مديرية بحر الغزال الى مديرية كردفان لعدم حدوث ذلك في واقع الامر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.