الأستاذة آمال عباس: طابت أيامك وأغدق الله عليك بوافر الصحة والعافية. تابعت بفيض من مشاعر مهنتي المقدسة (التعليم) المادة التي دونها قلم الدكتور محمد الحسن أحمد خبير ونطاس التقاوى البارع بزاويتك الهادفة (صدى) بتاريخ 2012/12/17 تناول فيها فطنة وعشق المتعافي للفلاحة، وأبدى دهشة مذهلة واعجاباً استثنائياً، بتلك الثقافة الفلاحية المزدهرة التي تغمر الوعاء الذهني «للمتعافي»، والتي أبعدت عنده تلك الشحنة الطيبة مع الانتماء للمهنة الانسانية، والتي ركلها «المتعافي» بعيداً دون رجعة. وعندما كان الدكتور محمد الحسن ينصت ملياً للمتعافي وهو يتحدث بعلمية عن القطن المحوري، حلق بذهن الخبير سؤال حائر: هل تخصص المتعافي في تشريح البشر أم صوب مشرطه صوب تشريح الزرع؟ ويبدو أن المتعافي بنقاء ذهنه وذكائه الفطري قد أزال قسمات الدهشة والحيرة التي بدت على وجه خبير التقاوى حين أبان له أن ارتباطه بالزراعة ومشتقاتها، نهض منذ صباه وهو تلميذ بمدرسة الدويم الريفية الوسطى فهي معلمه الأول. توقفت متأملاً هذه العبارة التي صاغها «المتعافي»، ورجعت بذاكرتي رغم صدئها واهترائها لمنتصف الستينات من القرن المنصرم وأنا شاب «نضر» في مقتبل العمر وأنا أعلم رسم الحرف ونطق الكلمة لتلاميذي بتلك المؤسسة العريقة «المتعافي» ورصفاءه. كانت المدرسة الريفية الوسطى آنذاك تعج بالنشاط التحصيلي، والعملي، فهي مدرسة أنموذج وشاملة وكاملة الدسم بالمعنى التربوي الحقيقي. فكانت بجانب تزويد التلميذ بالمادة الأكاديمية لم تبخل عليه بتزويده بشتى ضروب المعارف التي تفسح له الطريق لمجابهة الحياة العملية عبر مختلف الجمعيات المدرسية (الحدائق، الاصلاحات الموسيقى، الصحة والزراعة)، التي كان الغرض من الانخراط فيها غرس الصفات الحميدة للتلميذ كمتحمل المسؤولية والثقة والأمانة، والمواظبة، والتعود على اعتلاء المنابر التي تكسبه الشجاعة الأدبية. فهذه الجمعيات كانت بمثابة شركات يدير دفتها أولئك التلاميذ النجباء فتتوسع مداركهم، وتنمو مواهبهم، فبرع ونبغ العديد من التلاميذ، فالتلميذ بتلك المدرسة هو المسؤول التنفيذي الأول في جمعيته ودور المعلم ينحصر في التوجيه والارشاد فقط. وللمدرسة رئيس من التلاميذ يتم اختياره عبر التصويت المباشر بنزاهة وحيدة. فهكذا كنا نغرس في روحه ثقافة الديمقراطية. وأذكر أن الفنان عثمان حسين عليه الرحمة جاء ليحيى حفلاً غنائياً بالدويم، فطلب منظمو الحفل من ناظر (مدير) المدرسة يومذاك الأستاذ أحمد ميرغني شكاك السماح للتلاميذ بحضور الحفل. فحُول الطلب لرئيس المدرسة التلميذ عبد الرحمن محمد موسى (عميد كلية الطب بجامعة التقانة الحالي) وكم كانت الدهشة أن رفض الرئيس ولجنته الطلب لانشغال التلاميذ بالمذاكرة الراتبة التي يستحيل العدول عنها! فهكذا كانت الريفية تصنع وتصقل أجيال الغد، فأنجبت للسودان رجالاً أفذاذاً ملأ صيتهم أرجاء البلاد: أمثال المحجوب وسر الختم الخليفة، ود. خليل عثمان، ومحمد المرضي التجاني، ود. غندور، والمتعافي وآخرون كثر تبوأوا أرفع المناصب بالدولة، عرفوا بكريم الصفات والنبل والأخلاق القويمة والمسلك الاداري المتميز. فمازالت هذه المبادئ السامية تقبع بالذاكرة، فقد افتتن واعتز بها المتعافي وزملاؤه وأولئك الذين أرضعتهم أمهم الرؤوم المدرسة الريفية لبناً صافياً ونقياً. فمثل هذه التجربة الرائدة والتي حظيت بنجاح باهر نأمل ان نضعها في الحسبان، ووضع الطرق والوسائل لتطبيقها بمدارس ولاية الخرطوم أولاً في عامنا الدراسي المقبل بإذن الله. أملي أخضر وبسام في أن يتبنى هذه التجربة د. المعتصم عبد الرحيم قائد ركب مسيرة التعليم بالولاية. آمل ما طرحه قلمي ألا يلوذ بوادي الصمت. شكراً لك أختي آمال ولقلمك الهادف المترع بحب الوطن. والله المستعان حسين الخليفة الحسن خبير تربوي