مستشار وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم في إحدى مقالاتى المتعاقبة عن نتيجة إمتحان تعليم الأساس بولاية الخرطوم، تعرضت لسلبيات وإخفاقات تطبيق تجربة المدرسة النموذجية. وذكرت كذلك أن التجربة أفرزت عن صفوية وتفرقة بين تلاميذ المدرسة الصفوة "النموذجية" وأقرانهم بالمدرسة الدونية التي أطلقت عليها الدرجة الثانية "والأعجب أن جميعها مدارس حكومة! فهذه التجربة غرست شعورا بالإستعلاء والدونية بين الرصفاء كما أوضحت أن التصنيف الأكاديمى للتلاميذ للمستويات: أعلى وسط وأدنى، يتم في الصف الأول ثانوي، وكما كان متبعا بمدارسنا: "حنتوب، الوادي، وطقت" وليس عند إعلان نتيجة الأساس. إن التفسير التربوي للمدرسة النموذجية والمتفق عليه هو أن هذه المدرسة النموذج رائع في كل محاور التربية، وشاملة لكل ما يصلح التلميذ في مدرسته ومقبل أيامه، فهى التي تصنع إنسان الغد وصقله، وتزويده بالمعارف وتمكينه من مجابهة الحياة العلمية، وتعده أكاديميا عمليا وخلقيا، ليصبح عنصرا مكتملا ليرقى ويسمو بمجتمعه، ويوفر لنفسه وأسرته حياة مستقرة، يسودها عيش كريم. لذا لزم علينا أن نلتف حول هذا التفسير للمدرسة النموذجية المعنية تربويا. وأن نعيد النظر في المفهوم السائد اليوم. إن مدرسة الدويم الريفية الوسطي سابقا (1908-1982) هي التي تحمل لواء المدرسة النموذجية الشاملة الكاملة. والتي نحن بصددها. فهى ورصيفاتها بخت الرضا رائدات التجربة للمدرسة النموذجية في العهد الذهبي للتعليم. فلم يكن دورها تزويد التلميذ بالمعارف فقط بل كانت تعده وتهيئه ليصبح إنسان الغد، ولمجابهة الحياة العملية التي تنتظره . فكان هذا الإعداد يتم عبر الجمعيات المدرسية التربوية ذات المناشط المتعددة التي ينخرط فيها التلميذ حسب رغبته والتي تتناسب مع موهبته ومقدرته الذهنية فكانت هذه الجمعيات تغرس في وجدان صغيرنا صفات الأمانة حب العمل، الإنضباط، إدارة المال، الشجاعة الأدبية فهى بمثابة الزاد الذي يتوق إليه كل فرد صالح. فهذه المناشط والجمعيات "الرحلات، الإصلاحات، الزراعة، الموسيقى، الحدائق، الجمعية العمومية الخ" ثمار أتت أكلها، فهى بالطبع سر نجاح كل خريج في هذه المدارس. والتي أصبحت مصدر فخره، ومكمن إعتزازه بمدرسته التي أودعت في نفسه صفة القدوة المثالية التي يزينها الخلق القويم السامى، والمسلك الإداري المتفرد. لذا نبغ عدد غير قليل من خريجى هذه المدارس، وتبوأوا أعلى المناصب القومية الرفيعة، فلا مانع أن نذكر بعضهم وليس كلهم فهم كثر: سر الختم الخليفة "رئيس وزراء السودان في أكتوبر"، د.خليل عثمان، إبراهيم منعم منصور، بروفسير عبد الرحمن محمد موسى، بروفسير محجوب عبيد، بروفسير الطيب زين العابدين، بروفسير الطيب حاج عطيه، بروفسير حسن أحمد إبراهيم، بروفسير إبراهيم غندور، محمد المرضى التجاني، أحمد إبراهيم دريج، د. حسن محمد حامد، السمؤال خلف الله القريش. كما أن هنالك نخبة من عقد فريد من أبناء الدويم الذي يحملون اليوم أعلى الدرجات الأكاديمية والعلمية أنجبتهم، وأرضعتهم مدرستهم المثالية لبنا صافيا نقيا. فهم اليوم حملة رايات التنمية القومية بشتى مجالاتها. معذرة لعدم ذكر أسمائهم لكثرة أعدادهم، وضيق المجال. اليوم فطنت الدولة، وشمرت عن ساعدها لإجراء تعديلات جذرية في محاور التعليم كالسلم التعليمى، المناهج وغيرهما لإصلاح وتطوير التعليم العام. فلماذا لاتشمل هذه الإصلاحات أن تنفض الغبار عن تجربة المدرسة النوذجية الشاملة، وتطبيق التجربة. أولا: بمدارس مختارة بولاية الخرطوم، بعد إجراء الدراسة، ثم تعمم بالتدرج في شتى مدارس الأساس بالولايات الأخرى. وحتي يلم الاباء والأمهات والأبناء بهذه التجربة الناجحة، أقترح على فضائية الشروق "أوغيرها" أن تعد برنامجا لأحياء الفكرة وتستهلها بدعوة أبناء الدويم الذين ذاقوا حلاوة تجربة المدرسة الريفية النموذجية الشاملة في العهد الذهبي للتعليم، ليرووا للجميع مصاحبتهم للتجربة، وذكرياتهم العطرة عنها، وعن ماتركته من إنطباع حميد في نفوسهم، فهى الشعلة التي اضاءت لهم الطريق كما يقول بعضهم، ومازالت إشراقات عالقة بأذهنهم. والحقيقة تقال إن هؤلاء صاروا من أفذاذ الرجال بالسودان، والذين يشار لهم بالبنان. فهل يسمع صوتى هذا؟ وهل نحقق الأمل الأخضر للمجتمع السوداني؟!!! والله المستعان