بدأت الأزمة بين السودان ودولة جنوب السودان فيما يتعلق بالملف الأمنى فى طريقها الى الإنفراج من واقع تصريحات وزير الدفاع عبدالرحيم محمد حسين العائد من محادثات أديس ابابا الأخيرة، ليزيح الستار عن إتفاق البلدين على تنفيذ كافة الاتفاقيات المتعلقة بالترتيبات الأمنية وتفعيل آليات أمن الحدود بين الدولتين لمراقبة المنطقة منزوعة السلاح ،من خلال مصفوفة عمل غطت 80% من اتفاقيات اديس ابابا الموقعة في سبتمبر المنصرم، ورغم تصريحات كبير مفاوضي دولة الجنوب باقان اموم المتشائمة والتي قال فيها ان المفاوضات انهارت، لكن تبقى الأسئلة الملحة قائمة عن كيفية تحويل ماتم التوصل إليه الى واقع ملموس على الأرض، وتخطى عقبة التنفيذ المحك الحقيقي والضمان الرئيس لعلاقات سلميه بين البلدين قوامها الاستقرار والمصالح المشتركة. وزير الدفاع كشف لدى وصوله مطار الخرطوم عن تشكيل لجنة برئاسة قائد البعثة الإثيوبية لحفظ السلام «اليونسفا» للاشراف على الانسحاب الفورى لقوات البلدين الى داخل حدودهما، هذا الى جانب التوافق على جداول وترتيبات محددة في كيفية تفعيل المنطقة منزوعة السلاح وفقا للخارطة الجديدة التي قدمتها الآلية الإفريقية، بقيادة الوسيط ثابو أمبيكى والذى أعلن بدوره عن إتفاق الطرفين على ضرورة نزع السلاح من المنطقة، هذا قبيل ان يشير الى انهما مازلا يناقشان كيفية تنفيذ تلك القرارات، واوضح حسين ان الإجتماع المقبل المقرر له الثالث عشر من يناير المقبل سيحسم قضية فك الارتباط ومن ثم إنهاء الدعم والإيواء للعناصر المتمردة، وتوقع حسين ان تحسم جولة يناير المرتقبة الجدل الكبير فيما يتعلق بمسألة فك الإرتباط ووضع الآليات المناسبة لمعالجتها، وبحث ترتيبات محددة في كيفية تفعيل المنطقة منزوعة السلاح بعد التوافق على الخارطة الجديدة التي استلمها الوفد من الآلية الإفريقية رفيعة المستوي وقائد يونسفا، والتي تُفصل بصورة واضحة الحدود المعقدة والمنطقة المنزوعة السلاح ومنطقة الميل (14)، والتى اكد وزير الدفاع قبول السودان بها لتوافقها مع الاتفاقية الأمنية التي تم التوقيع عليها في (27) سبتمبر الماضي رغم تحفظ دولة الجنوب عليها. مراقبون يشيرون الى ان اولى خطوات حل المشكلة الامنية تتمثل في اعتراف دولة الجنوب بمسألة فك ارتباطها بالجيش الشعبي قطاع الشمال، وهو ما اكده الخبير الأمني اللواء معاش حسن بيومي في حديث ل(الصحافة) وأشار بيومي الى ان قبول وفد جنوب السودان بالجلوس والتفاوض فى هذه المسألة يعنى ضمنياً الإعتراف بمسألة علاقته بقطاع الشمال، وقال أن المشكلة ان الفرقتين (9 - 10) معقدة بحيث تتمدد فى مثلث بين السودان ودولة جنوب السودان وقطاع الشمال، الا انه أشار الى ان دولة جنوب السودان تبدو فى موقف أفضل وذلك بانحياز المجتمع الدولى والوساطة الإفريقية لصالحها، واوضح بيومى ان حكومة جنوب السودان تخشى من الضغط على عقار والحلو والتخلي والتنصل عنهم خوفاً من إنقلاب «السحر على الساحر» ما قد يسبب مشكلة جديدة للدولة الوليدة بوجود جماعات مسلحة حاربت معها فى السابق وكانت جزءا منها وكل الخوف ان تصبح ضدها حال تخليها عن هذه الجماعات، ويرى بيومى الى ان الحل الحقيقي لمسألة فك الإرتباط يكمن فى الحل المدنى بصورة علمية بإنشاء ما يعرف فى الفقه العسكرى «بمشاريع الإنتقال» الى الحياة المدنية وإقامة مشاريع صغيرة زراعية كانت او صناعية ووظائف تستوعب هؤلاء المُسرحون، لافتاً الى ان أمر استيعابهم داخل الجيش السودانى أمر غير وارد لطبيعة تركيبة هذه المليشيات المتفلتة التى يصعب استيعابها داخل جيش نظامي منضبط، وفى محور متصل يقول بيومى ان استيعاب السياسيين من قادة قطاع الشمال امر مقبول ووارد فى طبيعة السياسة وقال «الافضل ان يتم استيعابهم داخل الحكومة كما تم قبول آخرين كانوا ضدها ومحكوم عليهم بأحكام رادعة وصلوا حالياً بواقع التسويات السياسية الى مناصب رفيعة». المحلل السياسي الدكتور الحاج حمد محمد خير أشار الى تناقض التصريحات بين وفدى البلدين فيما يتعلق بالملف الأمنى وقال حمد ل(الصحافة) عبر الهاتف أمس ان حكومة الخرطوم على لسان رئيس وفدها تصرح بإنفراج الأزمة واقتراب الحلول، وفى ذات الوقت تخرج تصريحات دولة جنوب السودان على لسان باقان اموم بأن المفاوضات بين البلدين تواجه طريقا مسدودا لتحفظ دولة الجنوب على الخارطة الجديدة التى قدمها الوسيط الافريقى بسبب منطقة الميل (14) و التى تتحدث عنها حكومة الجنوب برؤية مغايرة عن ما تم الإتفاق عليه، واضاف ان طبيعة التشاكس وتقلب الأحوال بين البلدين يصعب معها التكهن بأى حلول الى حين اجتماعات يناير المقبلة والتى قيل انها ستحسم مسألة فك الإرتباط العقبة الكئود فى محادثات الطرفين، واشار حمد الى ان شيطان التفاصيل لازال حاضراً فيما يتعلق بالترتيبات التي تخص المنطقة العازلة وكيفية ملء الفراغ فى المنطقة فى حدود تعد الأطول فى القارة، الا انه قال ان قيام المنطقة العازلة يساهم فى استقرار البلدين بصورة كبيرة بالإضافة الى الحوار مع قادة قطاع الشمال لحل المشكلة بصورة جذرية بعيداً عن الحلول المؤقتة والمسكنات. ويقول المحلل السياسي الدكتور صفوت صبحى فانوس ان هناك ضغوطاً على الحكومة السودانية لتنفيذ إتفاق التعاون المشترك خاصة اتفاق النفط دون ربط ذلك بمسألة فك الإرتباط، واضاف» واضح جداً نوايا دولة جنوب السودان فى قضية مسألة فك الارتباط الذى تتنصل منه بحجة انه شأن داخلى يخص السودان»، واوضح فانوس في حديث ل(الصحافة) ان اسلم الطرق للخرطوم فيما يتعلق بمسألة فك الإرتباط القبول بالحد الأدنى فى هذه المسألة المعقدة بإشتراط مغادرة قادة قطاع الشمال من دولة جنوب السودان بالإضافة الى قادة حركات دارفور المسلحة وتفكيك اى معسكرات لهذه المجموعات ومن ثم إقامة المنطقة العازلة من قبل القوات المشتركة لضمان عدم تسرب الأسلحة الى هذه الجماعات، وقال فانوس ان بقاء قادة قطاع الشمال والحركات على الأراضى الجنوبية لايشير الى نوايا حسنة من قبل دولة جنوب السودان.