ما زالت تجربة التمويل الأصغر التي يتبناها بنك السودان المركزي دون الطموح المرجو في تخفيف حدة الفقر بالبلاد التي بلغت 46% من جملة السكان بحسب الاحصاءات الرسمية غير أن ادماج الطبقات والشرائح الفاعلة أو الناشطة اقتصاديا بالمجتمع لتخرج من دائرة الفقر عبر تمويل مشروعات التمويل الأصغر لم يتم الوصول اليه حيث ما زالت التجربة فطيرة لا يكاد يحس بها الشارع العام لجهة جملة التحديات والعقبات التي تعترض طريق التجربة وانفاذها بالطريقة المثلى التي تقوى على تحقيق الأهداف المنشودة منها القائمة على انتشال النشطاء اقتصاديا من الوقوع في هوة الفقر الى المساهمة في تحريك عجلة الاقتصاد، غير أن المتابع للتجربة وما أفرزته من نتائج يجد أنها ما زالت في طور البدايات لدرجة أن أعضاء المجلس التشريعي لولاية الخرطوم طالبوا في وقت سابق باستبدال التمويل من المصارف بصيغة قرض حسن بعيدا عن تحقيق الأرباح مع ضرورة العمل على البحث عن وسائل لانجاح مشاريع التمويل الأصغر لرفع نسبة المستفيدين الضعيفة مقارنة بحجم التمويل المطروح . وأكد عدد من المستهدفين بالتمويل الأصغر «للصحافة» أن تجربته الحالية لن تعمل على حل معضلة الفقر لجهة كبر هامش الربح الذي تطلبه المصارف علاوة على التعسف في طلب الضمانات وصعوبة الاجراءات بجانب عدم انتشار الوعي الثقافي بفكرة التمويل الأصغر، وشددوا على تقليل هامش الأرباح ، بجانب العمل على جعل اجراءات الحصول على التمويل أسهل مع ابتداع ضمانات تتماشى وأوضاع طالبي التمويل علاوة علي أهمية الانفتاح على الريف . يقول الخريج خالد عثمان محمد انه رغم اقتناعه بسمو مقصد فكرة التمويل الأصغر الا أنه متردد في الاقدام على طلب تمويل من خلال ما يراه من ممارسات طابعها الملاحقة من قبل مانحي التمويل لأصحاب المشاريع الممولة عند السداد بجانب ارتفاع حجم هامش الأرباح الذي تطلبه المصارف الذي يصل في بعض الأحيان الى أكثر من 30% بجانب ضعف المتابعة وجرعات الارشاد من الجهات المانحة التي تنتهي علاقتها بالحاصل على التمويل بمجرد منحه اياه . وزاد خالد ان التعسف في مطلوبات منح التمويل والضمانات عليه حدت بفقراء كثر لا يجدون ما يعينهم على حياتهم بالنأي عن طلبه ، ودعا الحكومة للالتفات الى خصوصية الفئات المستهدفة بأن تعمل على استحداث وابتداع سبل تحصيل ميسرة بعيدا عن الطرق التي تشابه تماما التي يعامل بها طالبو التمويل بالصيغ الأخرى مثل المرابحة وخلافها ، وأضاف انه على الدولة عدم البحث عن تحقيق الأرباح عبر التمويل الأصغر وأن تعتبره من أحد مسؤولياتها الاجتماعية التي يتوجب عليها القيام بها هذا بجانب تبسيط الاجراءات وزيادة جرعات التعريف بالتمويل الأصغر . فيما يقول الخريج مصطفى ياسين الهادي ان صعوبة اجراءات ومتطلبات الحصول على تمويل أصغر بغض النظر عن مسمى النافذة التي تمنحه التمويل «تشغيل خريجين أو مصرف أو مؤسسة » كفيلة بصد أي طالب للتمويل والعدول عنه خاصة فيما يخص توفير شيك ضمان من شخص آخر ، وطالب السلطات المصرفية بقبول شيك ضمان من طالب التمويل نفسه لا الزامه بادخال طرف ثالث يصعب الحصول عليه واقناعه في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها المواطنون واقتصاد البلاد ، وزاد ياسين ان الظرف الراهن يزيد من الحاجة الى تفعيل مشاريع التمويل الأصغر التي نهضت على اثرها كثير من الدول غير أنه اشترط أن تبحث مؤسسات التنمية الاجتماعية والتي من بين مسؤولياتها تخفيف حدة الفقر عن توفير الضمانات الكافية لطالبي التمويل وان تتوقف الجهات المانحة للتمويل عن ملاحقة المتعثرين في سداد الأقساط بالصورة الحالية وأن تعمل فكرها في ابتداع وسائل مطالبة تضمن لها الحصول على حقوقها دون المساس بمكانة الحاصلين على التمويل، خاصة أنهم ينحدرون من شرائح أغلى ما تملكه سمعتها ، ويرون أن المحافظة عليها أكبر من التطلع لتحسين الوضع المالي . وزاد ياسين اذا لم تتمكن ادارة وحدة التمويل الأصغر من ازالة العقبات التي تعترضه سيظل التمويل الأصغر مجرد شعارات لا تسمن ولا تغني من فقر. وختم بأنه الآن متردد ألف مرة قبل الاقدام على الحصول على تمويل من واقع تجارب الآخرين الذين سبقوه في الحصول على تمويل. وأردف أنه جرب الهجرة خارج البلاد غير أن ظروفه لم تسعفه وأنه يأمل في العيش الكريم في أحضان البلد. ويقول البروفيسور عصام بوب ان الحاجة الى تفعيل تجربة التمويل الأصغر الآن غدت أكثر الحاحا من ذي قبل من واقع الظرف الاقتصادي الحرج الذي تمر به البلاد سياسيا واقتصاديا عقب انفصال الجنوب وتراجع عجلة الانتاج بالمشاريع الحقيقية وارتفاع نسبة البطالة وسط الشباب وارتفاع معدل التضخم وانخفاض سعر الصرف، الأمر الذي قاد الى ادخال أرتال كبيرة من المواطنين في زمرة الفقراء والمساكين بالرغم من امكانية نشاطهم الاقتصادي الذي يعتبر المسوغ الأول لاقبالهم على طلب التمويل الأصغر، بيد أنه مع ذلك يجد المتابع أن سمتهم الاحجام وقلة الاقبال على طلب التمويل الأصغر التي لم يتوان بوب في ارجاعها الى الافتقار الى آلية تسهيل اجراءات الحصول عليه تتسم بالمرونة المصحوبة بتيسير الضمانات المطلوبة وتقليل نسبة الأرباح المطلوبة بحيث تكون في تناسب مع نسبة التضخم السائدة ضمانا لعدم تضرر أي من طرفي التمويل حتى لا يخرج التمويل الأصغر من مقصده الأساسي فيكون مصدرا لدر الأرباح للمؤسسات التمويلية. ونادى بوب بزيادة جرعات الارشاد والتثقيف والتعريف بهوية التمويل الأصغر مع إنشاء مشاريع نموذجية يمكن تطبيقها في المنطقة المعنية بحيث تختلف من بقعة لأخرى حيث ان كثيراً من طالبي التمويل أو المستهدفين بالفكرة لا يملكون رصيداً معرفياً عن جدوى مشاريعهم اقتصاديا لاسيما أن سقف التمويل محدود في ظل تسارع وتيرة التضخم الاقتصادي الذي قهر كل كوابح الحكومة في السيطرة عليه. واعتبر بوب التضخم من أكبر المعضلات التي تعترض مسار تجربة التمويل الأصغر. وختم بوب اذا لم يتم معالجة معضلات التمويل الأصغر لن يكتب لتجربته النجاح وستظل تجربته تدور في فلك النظرية دون النزول الى أرض الواقع. يذكرأن وحدة التمويل الأصغر ببنك السودان المركزي أقرت في وقت سابق أن ثمة تحديات ماثلة ما زالت تعترض تجربة التمويل الأصغر بالبلاد على رأسها ضعف تنسيق الجهود الأمر الذي يحتم مراجعة أداء الوزارات المركزية والولائية والمؤسسات الأكاديمية والبحثية والاستراتيجية رغم الدعم الحكومي الذي توليه الدولة للتجربة علاوة على تقلب السياسات الاقتصادية الحكومية وغياب قياس الفجوة التمويلية ومعرفة الطلب على التمويل الأصغر . وقال مدير الوحدة بالبنك المركزي البروفيسور بدر الدين عبد الرحيم ابراهيم في الورقة التي قدمها في منتدى نظمه معهد الدراسات والبحوث الانمائية بجامعة الخرطوم ، ان نسبة التمويل الأصغر المصرفي من اجمالي المحفظة المخصصة له لم تتجاوز 3,6% من جملة المستهدف 12% .