إن ارتفاع نسبة الفقر بالبلاد لا يحتاج إلى برهان بالرغم من عدم التوصل إلى نسبته بصورة قاطعة يمكن على ضوئها أن تتخذ من الإجراءات ما يعمل على خفضها وتخفيف حدة الفقر فمن الجهات والمؤسسات الرسمية من يقول إن نسبته 46% وأخرى ترجعها إلى 30% وهناك من يقفز بها إلى 90% وبغض النظر عن نسبة الفقر بالبلاد وتباين بياناتها وأرقامها تبقى حقيقة وجود الفقر وانتشار جنوده وإعمال سيوفهم في رقاب ضعيفي الحال حقيقة ماثلة لا يمكن إنكارها رغم الجهود التي تبذلها الدولة التي ما فتئت وما فترت من البحث عن وسائل لتخفيف حدة الفقر الذي طال الكثيرين وأصبح معلما بارزا للسواد الأعظم من المواطنين، فابتدعت من ضمن ما ابتكرت فكرة التمويل الأصغر التي تقوم على مد يد العون للطبقات والشرائح الفاعلة أو الناشطة اقتصاديا بالمجتمع لتخرج من دائرة الفقر غير أن المتابع للتجربة وما أفرزته من نتائج يكاد لا يتلجلج برهة في أنها لم تؤتِ الثمار المرجوة منها ولعل آخر الإقرارات التي وجدت طريقها للنشر ذلكم الهجوم الذي شنه أعضاء المجلس التشريعي لولاية الخرطوم أمس الأول الذين لم يتوانوا في المطالبة باستبدال التمويل من المصارف إلى صيغة قرض حسن بعيدا عن تحقيق الأرباح التي أثقلت كاهيلن المتحصلين على التمويل بل أدت إلى إيقاعهم في ورطة أكبر من الفقر الذي عليهم بحسب ما جاء على لسان الأعضاء الذين اقترحوا تشكيل لجان متخصصة في وزارة التوجيه والتنمية الاجتماعية لإنجاح مشاريع التمويل الأصغر مع العمل على رفع نسبة المستفيدين التي وصوفوها بالضعيفة مقارنة بحجم التمويل المطروح وزادوا أن الوزارة لن تراوح مكانها حال استمرارها في الاعتماد على المصارف والمؤسسات الربحية القائمة على التمويل الأصغر ونعوتها بالعقبة الكؤود في طريق نجاح التمويل الأصغر . وأكد عدد من المستهدفين بالتمويل الأصغر للصحافة أن تجربته الحالية لن تعمل على حل معضلة الفقر لجهة كبر هامش البرح الذي تطلبه المصارف علاوة التعسف في طلب الضمانات وصعوبة الإجراءات بجانب عدم انتشار الوعي الثقافي بفكرة التمويل الأصغر على مستوى المستهدِفين والمستهدَفين طالبوا بتقليل هامش الأرباح بجانب سهولة الإجراءات وتخفيف الضمانات تقول المواطنة خالدة عثمان إنها رغم اقتناعها بسمو مقصد فكرة التمويل الأصغر إلا أنها لا تقدم على طلب تمويل على طريقته من خلال ما رأته من ممارسات طابعها الملاحقة من قبل مانحي التمويل لأصحاب المشاريع الممولة عند السداد بجانب ارتفاع حجم هامش الأرباح التي تطلبها المصارف التي تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 30% وتساءلت إذا كنت قادرة على تحقيق أرباح بهذه النسبة فلماذ اللجوء للتمويل ؟ وزادت إن التعسف في مطلوبات منح التمويل والضمانات عليه حدت بفقراء كثر لا يجدون ما يعينهم على حياتهم بالنأي عن طلبه ودعت الدولة للالتفات إلى خصوصية الفئات المستهدفة بأن تعمل على استحداث وابتداع سبل تحصيل ميسرة بعيدا عن الطرق التي تشابه تماما التي تطبق على طالبي التمويل بالصيغ التمويلية الأخرى مثل المرابحة وخلافها وعلى الدولة ألا تبحث عن تحقيق الأرباح عبر التمويل الأصغر وأن تعتبره من أحد مسؤولياتها الاجتماعية التي يتوجب عليها القيام بها هذا بجانب تبسيط الإجراءات وزيادة جرعات التعريف بالتمويل الأصغر . فيما يقول المواطن عبد الله فضل الله أحمد خالد إن صعوبة إجراءات ومتطلبات الحصول على تمويل أصغر بغض النظر عن مسمى النافذة التي تمنحه التمويل (تشغيل خريجين أو مصرف أو مؤسسة ) كفيلة بصد أي طالب للتمويل والعدول عنه خاصة فيما يخص توفير شيك ضمان من شخص آخر وطالب السلطات المصرفية بقبول شيك ضمان من طالب التمويل لا إلزامه بإدخال طرف ثالث يصعب الحصول عليه أو إقناعه في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها المواطنون واقتصاد البلاد وزاد إن الظرف الراهن يزيد من الحاجة إلى تفعيل مشاريع التمويل الأصغر التي نهضة على إثرها كثير من الدول على أن تضطلع مؤسسات التنمية الاجتماعية والتي من بين مسؤولياتها تخفيف حدة الفقر بتوفير الضمانات الكافية لطالبي التمويل وان تتوقف الجهات المانحة للتمويل عن ملاحقة المتعثرين في سداد الأقساط بالصورة الحالية وأن تعمل فكرها في ابتداع وسائل مطالبة تضمن لها الحصول على حقوقها دون المساس بمكانة الحاصلين على التمويل خاصة أنهم ينحدرون من شرائح أغلى ما تملكه سمعتها التي ترى المحافظة عليها أكبر من التطلع لتحسين الوضع المالي وختم عبد الله بأنه إذا لم تتمكن إدارة وحدة التمويل الأصغر من إزالة العقبات التي تعترضه سيظل التمويل الأصغر مجرد شعارات لا تسمن ولا تغني من فقر . وعلى صعيد المختصين يقول البروفيسور عصام بوب إن قلة إقبال المواطنين على طلب التمويل الأصغر ترجع إلى الافتقار إلى آلية تسهل إجراءات الحصول عليه تتسم بالمرونة المصحوبة بتيسير الضمانات المطلوبة وتقليل نسبة الأرباح المطلوبة بحيث تكون في تناسب مع نسبة التضخم السائدة ضمانا لعدم تضرر أي من طرفي التمويل وحتى لا يخرج التمويل الأصغر من مقصده الأساسي فيكون مصدرا لدر الأرباح للمؤسسات التمويلية ونادى بزيادة جرعات الإرشاد والتثقيف والتعريف بهوية التمويل الأصغر مع إنشاء مشاريع نموذجية يمكن تطبيقها في المنطقة المعنية بحيث تختلف من بقعة لأخرى حيث إن كثيراً من طالبي التمويل أو المستهدفين بالفكرة لا يملكون رصيداً معرفياً عن جدوى مشاريعيهم اقتصاديا لاسيما أن سقف التمويل محدود في ظل تسارع وتيرة التضخم الاقتصادي الذي قهر كل كوابح الحكومة في السيطرة عليه واعتبر بوب التضخم من أكبر المعضلات التي تعترض مسار تجربة التمويل الأصغر وزاد إن التفات أعضاء المجلس التشريعي له يعد فتحا جديدا لفكرة التمويل الأصغر إن وجدت مناشداتهم المتابعة والمالحقة للجهات المنفذة . وغير بعيد عن إفادة بوب أقر الدكتور محمد الناير بعزوف كثير من المواطنين المستهدفين بالتمويل الأصغر عن دخول تجربته نسبة لصعوبة الإجراءات والضمانات المطلوبة من قبل مؤسسات التمويل علاوة على ارتفاع نسبة الأرباح المطلوبة نسبيا عند مقارنتها مع الوضع الاقتصادي لطالبي التمويل وقال إنه إن لم تحل مسألة الضمانات والإجراءات لن تحقق التجربة نجاحا ملموسا مع ضرورة تكثيف جرعات التوعية والإرشاد وإعداد دراسات الجدوى وطالب الناير بأن تكون نسبة ال12% من سقف تمويل المصارف التي ألزم البنك المركزي المصارف بتخصيصها للتمويل الأصغر على صيغة القرض الحسن غير المفعلة بالمصارف على أن يتم تكوين محفظة للتمويل الأصغر يديرها بنك الأسرة ومصرف الادخار لجهة أن محاربة أو تخفيف حدة الفقر من أكبر المسؤوليات الاجتماعية التي تقع على عاتق الدولة فليكن التمويل الأصغر أحد آلياتها بعيدا عن تحقيق الأرباح فهل من ربح يمكن أن تجنيه الدولة أكبر من إخراج جزء من مواطنيها من دائرة الفقر ؟