بدأ العد التنازلى للإحتفال بالمولد النبوى الشريف وفى الخاطر الأحداث المؤسفة التى شهدها ميدان المولد ب «حوش الخليفة» أم درمان العام الماضى بين الصوفية وانصار السنة من مشاحنات وإشتباكات وتحرشات كادت ان تؤدى الى فتنة تحيل فطرة التسامح الدينى فى البلاد الى مقصلة التعصب والإنفلات وبذر «بدعة» التعصب المذهبى والطائفى فى لُحمة الشعب السودانى الذى لم يألف هذا النوع من الصراعات المُخلة بالنسيج الإجتماعى مثل مايحدث فى دول أخرى وصل فيها الأمر الى حد التصفية وتفشى ثقافة التفجير والحزام الناسف بين مكونات مجتمع واحد كله يُدين بالإسلام.جدل مشروعية المولد ما يثير الصراع فى الأصل «مشروعية المولد» بين الجماعات المتناقضة فى الفكر والمذهب. الصوفية يرون ان الإحتفال بالمولد لايخالف الدين فى شئ عكس انصار السنة الذين يفتون بعدم جوازه وانه «بدعة» غير مشروعة ومن «محدثات الأمور» إستناداً على الحديث «ان شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»، الا ان رئيس جمعية البركة لتعزيز مذهب الإمام مالك المتصوفة صاحبة احدى الخيام فى سوح المولد الدكتور علاء الدين ابوزيد قال ل «الصحافة» ان المتصوفة يتفقون فى الإطار العام على مشروعية الاحتفال وان كان الإختلاف مع الآخرين فى شكل الاحتفال وقال نحن راضون تماماً عن الشكل الموجود فى هذه الساحات ولكن بعيدا عن السلوكيات الفردية، لافتاً الى ان مايقدم فى المولد وداخل الخيام محاضرات وقراءة لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم واناشيد دينية ومدائح واذكار وقال ان جمعيتهم درجت على تقديم محاضرة يومية يؤمها العلماء طوال فترة المولد، من بينها محاضرات اجتماعية وأشار الى ان برنامجهم لهذا العام يحتوى على ندوة بعنوان «خدم المنازل وتأثيرهم على النشء». وفى ذات الإتجاه يمضى شيخ الطريقة السمانية الطيبية ازهرى محمد سعيد النجار فى حديثه ل «الصحافة» عن مشروعية الإحتفال بالمولد وأشار الى ان الرسول «ص» عندما دخل المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فقال «نحن اولى بالفرح بموسى» فصام عاشوراء، ومن ثم قال نحن اولى الناس بأن نفرح بميلاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وان نحتفل بمولده، واضاف «نعتقد ان مولد النبى واجب علينا نحن الصوفية من باب الشكر لله تعالى»، الا اننا فى الجانب الآخر نجد أنصار السنة يدحضون فكرة الاحتفال بالمولد تماماً ويقول عضو اللجنة العليا للتسامح والاصلاح بجماعة انصار السنة المحمدية محمد خوجلى هبانى ل «الصحافة» ان الإحتفال بالمولد بدعة غير مشروعة ولم يثبت عند رسول الله «ص» او اصحابه الاحتفال به والتابعين والائمة الاربعة واضاف كان هاؤلاء يحبون نبينا اكثر منا ومع ذلك لم يحتفلوا بميلاده، وأشار الى ان الرسول كان يصوم يوم الاثنين يوم مولده، وإن كان هناك احتفال فينبغى ان نصوم يوم الاثنين. حذر من تكرار العنف هذا الجدل المذهبى والفقهى اصبح مصدر قلق وخوف فى اوساط المجتمع ومرتادى سوح المولد والمحتفلون من تفجر العنف والأوضاع مثل ماحدث فى العام السابق فى حوش الخليفة بأم درمان ماينذر بفتنة يتحسب لها الجميع بعد ان وصل التعصب مداه وتحول الصراع من الافكار وضحد الحُجة بالحُجة الى الإشتباك بالأيدى والإساءات والتجريح، مادعا بعض الصوفية حد المطالبة بمنع تواجد خيمة أنصار السنة بساحات المولد إتقاءاً للفتنة بحجة «اذا كان انصار السنة والسلفيون يرون ان الإحتفال بالمولد بدعة غير مشروعة فلماذا يتواجدون فى مكان الإحتفال فى الأصل وعليهم طرح رؤيتهم فى منابرهم المتاحة»، الا ان عضو جماعة انصار السنة محمد خوجلى هبانى يؤكد ان خيمتهم لن تختفى هذا العام من ميادين الإحتفال مايجعل المخاوف حاضره والتى إنعكست بوضوح على إستعدادات هذا العام فى التحفظات الجلية من قبل الجهات المنظمة خاصة فى محلية ام درمان وسوح الإحتفال لم تأخذ زينتها حتى الآن فى مثل هذه الأوقات من كل عام. وعلمت «الصحافة» ان محلية ام درمان شرعت فى ضوابط محكمة للخروج بإحتفال هذا العام الى بر الأمن، الا ان رئيس لجان الحسبة وتذكية المجتمع الشيخ عبدالقادر ابو قرون وجه إنتقادات حادة لمعتمد ام درمان فى ندوة «وحدة الخطاب الإسلامى فى ذكرى المولد النبوى الشريف» بالمركز السودانى للخدمات الصحفية وأشار الى ان المعتمد ليس لديه دور واضح فى ضبط ساحات المولد وقال « المعتمد يعمل بطريقة إقصائية وطالبناه من قبل ان يترك الحلقات تحت إشرافنا»، واضاف «نتعهد بمعالجة الاوضاع فى ساحات الإحتفال لان لجاننا تجمع كل الطوائف المتنازعة الصوفية بطرقهم المتعدده وانصار السنة بجماعاتهم».احداث تُجدد المخاوف لم يكن السودان حتى وقت قريب يعرف روح التعصب الديني والمذهبي الا انه وبعد دخول عدد من الجماعات المتطرفة انقلب ميزان التسامح والشواهد كثيره على ذلك والذاكرة المأساوية لم تنسَ بعد حادثة «مسجد الجرافة» التى راح ضحيتها أبرياء فى الثانى عشر من رمضان أثناء ادائهم لصلاة التراويح فى ديسمبرمن العام (2000)، وان كان مطلع فبراير من العام (1994) يسجل أولى ظواهر ما يُعرف بالتطرف الديني والعنف المصاحب له وذلك بتصفية بعض العناصر التى تنتمى الى جماعات اسلامية بواسطة شخص متطرف يدعى «محمد الخليفى» أطلق أعيرته النارية من سلاحه على المصلين بمسجد جماعة انصار السنة المحمدية بالثورة ما اسفر عن سقوط (51) شخصا من المصلين بين قتيل وجريح، وحادثة السفارة الأمريكية وقتل الموظف بمكتب المعونة الامريكية «غرانفيل» وسائقه السودانى «عبدالرحمن عباس فى (2007) مازال صداها يتردد واحداثها فى حراك حتى اليوم. وكان آخر احداث العنف الدينى العام الماضى (2012) عندما اقدم مجهولون على تخريب ضريحى الشيخين ادريس ود الارباب والمقابلى بالعيلفون بشرق النيل الامر الذى اثار غضب الكثير من المنتمين للطرق الصوفية فى اعتقاد منهم ان هناك مؤامرة تقوم بها بعض الجهات الدينية ضد القباب الصوفية والاضرحة داخل بعض المساجد ،وتطمينا للطرق الصوفية هب والى الخرطوم عبدالرحمن الخضر ومعتمد شرق النيل لمكان الاضرحة ووجها بالتحقيق فى الحادثة والوصول للجناة باسرع وقت ممكن، فيما اعلن وزير الارشاد والاوقاف الدكتور خليل عبد الله ادانة الدولة للتطرف الدينى باشكاله كافة واوضح لدى لقائه شيوخ الطرق الصوفية بوزارة الارشاد والاوقاف ان الدولة تدين التطرف الدينى لافتاً الى ان البلاد تتعرض للكثير من التحديات التى تستهدف عقيدتها ودينها وثرواتها، قبيل ان يصف التطرف الدينى بالخطير الذى لايستطيع احد انكاره، ودعا الى التعاطى بحكمة وعقلانية مع مايحدث من حرق وتفجير وتكفير لجهة الخروج بافكار وتدابير تحمى من التربص والمخاطر. دعوات إلى أدب الخلاف حذر عدد من مشايخ الطرق الصوفية وأنصار السنة المحمدية من تكرار احداث العنف فى ساحات المولد بولاية الخرطوم، ودعوا الى ضبط الخطاب الدينى والإبتعاد عن الإساءات والتجريح والإستهزاء والسخرية والتعامل بردود الأفعال لإتقاء الفتنة، محذرين فى الوقت ذاته مما اسموه بتمدد الخطر الشيعى فى البلاد بإعتباره الأخطر الأكبر على العقيدة وليس خلافات الصوفية وانصار السنة، مؤكدين ان انصار السنة والصوفية يتفقون على تحجيمه الخطر الشيعى بحسب وصفهم لافتين الى ان الخلافات بين اهل السنة تعمل على إضعافهم وتفتح الفرصة للرافضة للإصطياد فى الماء العكر، ويقول رئيس جماعة البركة لتعزيز مذهب الإمام مالك الصوفية الدكتور علاء الدين ابو زيد «مشكلتنا فى الوقت الحاضر ان الذين لا يعلمون هم الذين يتحدثون بعيداً عن ادب المناظرات»، واضاف هناك من يعتقدون ان المولد مجرد حلوى، ونحن جميعا ضد السلبيات الا ان البعض يركز على السيئات ومسألة الإختلاط داخل سوح المولد، والتى قال انها مسألة تنظيم بتخصيص ابواب واماكن داخل الخيام للنساء. واكد شيخ الطريقة السمانية الطيبية ازهرى محمد سعيد النجار ان الصوفية تحملوا هجمات البعض بصدر رحب مع ان الرسول «ص» فى حديث واضح يقول «ليس المؤمن بطعان ولعان ولافاحش ولابذئ» وقال نحسب ان هؤلاء ليسوا بانصار السنة وان هؤلاء يسيئون إليهم، واشار الى ان ابناء الطرق الصوفية ومشايخها لهم ابناء فى ساحات المولد مثلهم كالآخرين يسمعون الإساءات فى أبيهم واهلهم ما يُحدث اشتباكات وقال «مابالك وانت تذهب الى احد داخل بيته وتسئ إليه فماذا تتوقع منه ان يحدث»، وفى ذات الإتجاه يدعو عضو اللجنة العليا للتسامح والاصلاح بجماعة انصار السنة المحمدية، محمد خوجلى هبانى الى التمسك بأدب الإختلاف قبيل ان يؤكد حضور خيمة انصار السنة فى ساحة المولد لهذا العام. وقال ان الخطاب الدينى فى الاسلام لابد ان يشمل القيم السامية والاخلاق الفاضلة والسلوك القويم بخطاب متوازن يراعى ترتيب الاولويات فى الطرح، وقال «علينا ان نبتعد عن اللعن والسب والسخرية والصوفية تعايشنا مهم وهم الآباء والابناء والخلان وبيننا احترام وعلى كل طرف نشر ماعنده بالحسنى»، ونوه هباني الى وجود جماعات اخرى تسمى بالسلفية قال إنهم لاينتمون الى انصار السنة الاصلاح او المركز العام وليست لهم قيادة معروفة وقال «هؤلاء يشبهونا فى الشكل فقط ونتوقع منهم التفلت».مبادرة لنبذ التطرف والعنف. وكشف شيخ الطريقة السمانية الطيبية ازهرى النجار عن مبادرة برعاية نائب رئيس الجمهورية على عثمان محمد طه لإحتواء الموقف والخروج بالمولد الى بر الامان وتوافق انصار السنة والصوفية على نبذ العنف، وقال ان هناك حواراً جاداً تم فى الفترة الماضية بحضور امين عام جمعية البركة لتعزيز مذهب الامام مالك الصوفية الدكتور علاء الدين ابوزيد ونفر كريم من قادة انصار السنة المحمدية وتم تشكيل لجنة مزدوجة من الطرفين من جانب المتصوفة عبدالرحيم ابو صالح، ومثل انصار السنة الدكتور عبدالله التهامى وقال نستبشر ان يفضى خيرا الى ماهو محمود، واكد ان الصوفية اصحاب مذهب «حليم» ولكنا نقول احذروا غضبة الحليم، وفى ذات الإتجاه اكد رئيس لجان الحسبة وتذكية المجتمع الشيخ عبدالقادر ابو قرون ل «الصحافة» ان جمعية الحسبة فى المجلس الوطنى تعمل هذه الأيام على توحيد الكلمة وجمع الصف وذلك من خلال علاقاتها الوثيقة بالصوفية وانصار السنة، وكشف ابوزيد عن تقديمهم مقترح لمحلية ام درمان والجهات المختصة بتنظيم المولد بتخصيص ابواب للنساء فى عملية الدخول والخروج لافتاً الى ان خيام الصوفية تخصص أماكن للنساء.