الدلالة الأولى كانت عندما اختار أمين الإعلام بالوطني بروفيسور بدرالدين احمد إبراهيم أن يبدأ بتلاوة آية من سورة «الفجر» ولكن شتان ما بين الفجرين، ففجر المعارضة سمته «جديدا» بينما للفجر عند الوطني قسمات بحسب بدرالدين الذي قرأ أبيات شعر دينية، واعتبر «ان وثيقة الفجر الجديد ولدت ميتة وتبرأ منها الذين وقعوا ولم تجد من يدفنها إلى ان يرث الله الأرض وما عليها، ليريهم كيف يواروا سوءاتهم»، هذا كان مدخلا لفعالية مؤتمر صحفي طويل شارفت دقائقه الساعتين داخل قاعة»الشورى» بالمركز العام، حيث لم يكتفِ المؤتمر الوطني بما قاله في وسائل الإعلام عن وثيقة «الفجر الجديد» منذ ان أعلن عنها موقعوها، ولكنه استل ظهيرة أمس «الاثنين» سيوف حجته ورفع برهان دلائله ودفوعاته لتعرية الوثيقة وفضحها من منطلق يراعي الدقة وتفتيت العبارات وشقها لمعرفة ما تخفيه المعاني المبطنة، فدكتور نافع على نافع الذي تصدرت تصريحاته وصورته صفحات الصحف وشاشات الإعلام خلال الأسابيع الماضية مفندا ومهاجما للوثيقة وموقعيها، ظهر بالأمس أكثر حدة وهو يشرح ويوضح ويفسر مآلات ما أقدمت عليه قوى المعارضة بشقيها المسلح والسياسي، وكعادته جاء الرجل يختزن في ذهنه ويحمل بين يديه الكثير من قصاصات الورق التي تنبئ عن معلومات دقيقة مصدرها امني، بعد أن يدخلها معمل السياسة بغية الكشف عن وجهها المستتر. إشارت أولية أدار نافع دفة الحوار لوحده، مقسما الدقائق بينه ورئيس القطاع الفكري د.أمين حسن عمر، لكنه أعطى لنفسه فرصتين، قسما أيضا من خلالهما حديثه إلى جزئين حوتهما الوثيقة، قال إن التركيز سيكون فيهما على علاقة الوثيقة بطمس الهوية السودانية وعلاقة الدين بالدولة، وهياكل الدولة وصلتها بمشروع السودان الجديد، ولكن قبل الشروع في ذلك قصد نافع إعطاء بعض الإشارات في شكل ملخص قصير ليجيب عبره على تساؤلات أحكمت قبضتها على أذهان البعض في شاكلة أن الحكومة وجدت في تلك الوثيقة فرصة للقضاء على المعارضة وتكميم الأفواه ، فقال نافع «إن أحزاب المعارضة ومن يدعمها من المناضلين في الفيس بوك حاولوا ان يثيروا غبارا بان الدولة تريد أن تتخذها مدخلا للحريات» وأضاف» إني أقول حتى لا تكون قضية تناولنا لهذا الاتفاق كأنها صراع عابر بين الوطني والمعارضة وهي ليست كذلك» ولكن حتى يجعل لحديثه قاعدة وأرضية قوية على اعتبار ما سيكون قفز نافع إلى تفجير بعض الشظايا الحارقة في «الوثيقة» عندما كشف «بان هذا الاتفاق تم برعاية مباشرة وتمويل مباشر من السفارة الأمريكية ومن الاتحاد الأوروبي» ولولا أن المتحدث «نافع « لكانت هذه المعلومات وحدها كفيلة بان يحزم الصحفيون حقائبهم ويغادروا المنصة لكونها ضمنت لأغلبهم خبرا رئيسيا لوسائلهم...غير أن نافع لم يترك لهم مجالا لفعل ذلك لجهة انه واصل في بث ما تبقى من المعلومات، مشيرا إلى ان الوثيقة حدث فيها الكثير من الحوار والاختلاف بين الذين يمثلون تحالف الخرطوم والجبهة الثورية، تركز حول ان بعض الأحزاب ترى بان هذا الاتفاق إذا تم سيجلب عليها مصائب فأرادت أن تكون وثيقة غير ممضية». وإن عدتم عدنا ورغم ما أورده نافع من إشارات لكنه ترك باب الإثارة مفتوحا عندما قال «انا لا اذكر أسماء الذين ضلعوا في إخراج وتوقيع الوثيقة إلا لماما ولكن إذا تطاولت المعارضة وقالت بان الذي نقوله ليس هو سوف اذكر الأسماء» ومضى الرجل مسترسلا بقوله «ان الهيئة العامة للمعارضة مارست ضغطا على ممثليها بان لا يوقعوا على هذا الاتفاق بصورة نهائية، لكن كانت الإجابة على لسان القيادي بالحزب الشيوعي صديق يوسف «إننا وقعنا»، وهنا وضع نافع العبارات في قالب «الذم بما يشبه المدح» حيث قال « ان صديق يوسف هو صاحب نضال طويل لا يمكن ان يتطاول عليه الذين خرجوا وعادوا» ويبدو ان نافع قصد بذلك ان يفند ما ذهب إليه سكرتير الحزب الشيوعي الذي تبرأ من الوثيقة مثله والآخرين، وأضاف موضحا «صديق قال انا وقعت على هذا الاتفاق لأني وجدت ضغطا شديدا من ياسر عرمان لأنه قال بان السفارة الأمريكية قالت لهم اذا لم توقعوا على الوثيقة فلن يجدكم دعم بعد اليوم، فكان لابد ان يوقعوا عليها والآن ذهب عرمان فرحا بما أنجز» على حد تعبيره. الغاية والهدف وبعد كل ذلك دلف نافع إلى توضيح مآخذ الوثيقة وهدفها الأساسي، منوها إلى أن الاتفاق هو استمرار لفكرة السيطرة على السودان وتحريره، وطمس هويته وان يكون سوداناً لأهل الهامش، «العلمانيين منهم»، ولتدعيم حجته أورد نافع بعض المختطفات لتصريح نشرته صحيفة فرنسية من حوار مع السفير الفرنسي السابق في السودان، قال بان كلام السفير ليس له صلة مباشرة بالميثاق ولكن يحكي التآمر على السودان، وبحسب نافع ان السفير الفرنسي قال «ان الصحافة الغربية روجت للصراع في السودان على انه بين الإسلام والمسيحية بينما لم يكن كذلك بل كان مجرد ذريعة لتفكيك اكبر دولة افريقية، وان تطبيق الشريعة لم يكن سببا في انفصال الجنوب» وأضاف»هي ذات الأسباب التي تقول بها معارضة الغيبوبة في الداخل انه لابد من إلغاء الشريعة» منوها إلى ان الشريعة ليست ملكاً للمؤتمر الوطني او أي حزب آخر، لان لديها مرجعيات مجمع عليها. كتابكم مفتوح ولم ينسَ الرجل ان يذكر شيئا مما يتم داخل اجتماعات الأحزاب المغلقة، وهو أمر ربما أراد منه وضع رسائل محددة لتلك الأحزاب عنوانها»إنكم مخترقون» فبحسب نافع «ان المؤتمر الشعبي، في دوائره الخاصة قال بالحرف الواحد ان هذه الوثيقة التي تفصل بين الدين والدولة (نحمد له ذلك)- والحديث لنافع- هي من مجموعة من علماني اليسار والحركات المسلحة تريد من الأحزاب الكبيرة ان توقع عليها كغطاء سياسي لتحقيق أهدافها الجهوية كما يسعى عرمان لفرض نفسه كقائد جديد بدلا من جون قرنق لتنفيذ أجندة حركته، وأضاف نافع» الشعبي قال كذلك ان هذا الاتفاق به أخطاء جسيمة الا أن النظام لن يلتفت إليها نتيجة للمشاكل الكثيرة التي يمر بها، ولكنها ضربة كبيرة لحركات التمرد، وزاد»نحن قد التفتنا إليها»، وأشار نافع إلى ان هيئة التحالف المعارض عقدت اجتماعاً في 7 يناير حصل فيه اختلاف كبير، سيما من قبل الأمة والشعبي لرفضهم الصريح لبند فصل الدين عن الدولة، وأضاف»لابد ان نقول ذلك وهو موقف أصيل»، وكشف نافع عن ثلاثة مواقف دارت في ذاك الاجتماع أولها «ان هذه الوثيقة ما هي الا سلم يريد عقار الوصول به إلى هدفه ومن ثم التخلي عنها كما فعلت الحركة الشعبية بفصل الجنوب» والثاني»موافقة هذه الأحزاب تماما على الوثيقة ومباركتها بقيادة فاروق ابوعيسى والحزب الشيوعي» وهنا قال نافع «ان هناك دلائل كثيرة بوجود تحالف رئيسي بين الجبهة الثورية والحزب الشيوعي أبرزها ان قادة الجبهة شيوعيون معروفون، وان كل الذين حضروا كمبالا تحدثوا عن الدور المتميز ليوسف حسين في الوصول إلى هذه الوثيقة ، والدور الفاعل الذي كان يقول به» والموقف الثالث بحسب نافع» هو رأي الذين لا يحبون النور ويخافون الظلام، وهؤلاء دخلوا متذبذبون وأشاروا على أنهم يقبلون بالوثيقة كمشروع» منوها إلى الأمة رأيه كان واضحا ولكنه لا يستطيع ان يقوله بالصورة التي ينبغي ان يقال بها، مبينا ان اكبر نقاط الخلاف التي ظهرت في اجتماع المكتب السياسي لحزب الأمة هي «رفض استعمال السلاح ورفض النظام الرئاسي وتقرير المصير والوحدة الطوعية، لكن في النهاية تم تكوين لجنة لمناقشة القضايا المختلف فيها، واسترجاع النقاط لسكرتارية كمبالاة». صحفي سياسي وبطريقة أشبه بما يقوم به الصحفي في رصد الفعالية وكتابة المادة، حرص نافع على ذكر بعض المقتطفات من الكلمات التي قالها المشاركون في حفل التوقيع، مشيرا الى ان جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة شكر الدولة المستضيفة ولكنه شكر الدول الصديقة صاحبة المبادرة والتي ساعدت في تهيئة هذه الأجواء، لكنه لم يذكر أسماءها، وأضاف نافع معلقا»ساعدت في تهيئة الحفل بتكييفها يعني «، وبحسب نافع ان صديق يوسف قال «بان التحالفات السابقة منذ عبود كان هدفها إسقاط النظام لكن هذه الوثيقة هدفها إنسان السودان» بينما علق نافع أيضا «أظن ان يوسف يعرف ان إنسان السودان لا يريد الشريعة بل يريد العلمانية»، وأشار الى ان عقار قال بان هذه الوثيقة حلت مشكلة الدين والدولة والهوية ثم قدم شكراً خاصاً لصديق يوسف....كان واضحاً ان نافع خلال الفترة القليلة الماضية لا يكتفي بما يقول من تصريحات لينقلها الإعلام ولكنه كان ايضا متابعا جيدا لما تكتبه الصحف اليومية، حول القضية سيما تحليلات الكتاب وحوارات السياسيين، وهي رسالة أيضا للصحفيين على شاكلة»نحن لا نغفل ما تكتبونه»، فقال ان «احد الصحفيين أشار الى ان الضغط الذي مارسته الحكومة والرأي العام جعل قادة المعارضة ان يتبرأوا من الوثيقة كبحث عن مخرج طوارئ» مما يؤكد بان هذا ليس قناعة ولكنها ساتر، وأضاف» هذا الصحفي قال ان أسوأ إستراتيجية يمكن ان تتبناها الحكومة هي ان تقول من ليس معنا هو ليس ضدنا، والمطلوب ان توسع من مخارج الطوارئ» ووصف نافع حديث الصحفي بالملتوي، وأضاف»من هو الذي يقول من ليس منا هو ليس ضدنا، نحن الذين أدخلنا المعارضة في البرلمان بالتعيين لأنهم بغير التعيين لن يكونوا نواباً على الشعب وليس وزراء» وقال نافع ان واحداً من الصحفيين بالرغم من رأينا الطيب فيه لكنه قال كلام يستحق الذكر، لانه قال رغم الضجة التي أثارتها الحكومة وقومة نفس ، وأضاف»انا ما عارف انه يريد ان تمر الحكاية هكذا ساي» ولكن نافع رغم تلك الملاحظات الا انه قال «انا أؤكد بصدق ان جل الصحف تناولت الأمر بغاية من المسئولية وغاية من الوضوح وهذا موقف وطني نأمل ان يتواصل، وان عدداً كثيراً منهم كتبوا بصراحة، الا القليل منهم كتبوا بلحن القول» من منظور فكري فيما بدأ رئيس القطاع الفكري بالمؤتمر الوطني د.امين حسن عمر بعدد من الملاحظات اولها ان الوثيقة لم تكتب للشعب وانما كتبت للرعاة وأصحاب المبادر، إضافة الى انها كتبت في اوغندا للحديث عن الديمقراطية وأضاف» متى حكمت أوغندا بالديمقراطية فموسيفيني اول من دخل للحكم بجيش من الاطفال، ثم ان الوثيقة كتبها الشيوعي للحديث عن الديمقراطية وزاد»هل آمن الشيوعي بالديمقراطية والليبرالية عندما كان طرفاً فيها؟» ونوه امين الى ان المضمون العام للوثيقة هو تفكيك كل شئ قومي في السودان، «علاقة الدين بالسلطة وتفكيك النظام الفيدرالي وهو مكتسب كبير لأهل السودان، و تفكيك مؤسسات الدولة كلها، وتكوين جيش من قوات الجبهة الثورية، وتساءل امين قائلا «هل فعلا اراد عقار والحلو ان يكونا جزء من الدولة السودانية ام ان الفكرة هي فصل النيل الازرق وجنوب كردفان؟» واضاف»عندما كنا في المفاوضات السابقة كان هنالك اصرار كبير على ادخال تقرير المصير على المنطقتين» وقال امين ان الغرض الأساسي للوثيقة هو فصل الاقاليم وهذا لا يعني تفكيك الدولة كمؤسسات ولكن تفكيكها كتراب وطني، وزاد» هذا لا يعنيهم لان قلوبهم تهوى جوبا وليس الخرطوم»