سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطاب جوابي للحبيب إبراهيم منعم منصور
نشر في الصحافة يوم 20 - 02 - 2013

نشرت (الصحافة) أمس بصفحة الرأي مقالا للأستاذ إبراهيم منعم منصور بعنوان: (نداء إلى الإمام الحبيب). واليوم تنشر رد الإمام الصادق المهدي على ما نُشر.
لك مني جزيل الشكر على ندائك الظريف نهجاً، البليغ أسلوباً، الثقيل وزناً.
وصاياك مقبولة وهي من باب حث اليتم على البكاء، أو مقولة الحكيم: لقي المريد إلى المراد مريداً.
وسوف أذكر لك كم حاولنا أن ننصح صناع القرار فكانوا معنا كقوم نوح (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا* وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا)1.
ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع وخلاصته مدخله لذلك: لكل ظاهرة في الوجود سواء كانت طبيعية أو اجتماعية قوانين تحكمها.
القوى السياسية المشكوك في شرعيتها تحرص على نفي الآخر للانفراد بالشرعية الشكلية، لذلك صار النظام الحاكم في السودان حريصاً على استبعاد أية قوى وطنية تشاركه في اتخاذ القرارات المصيرية، ولكن هذه الحساسية لا توجد في إطار المداخلات الخارجية، لذلك نجدهم يفرون من مشاركة أهل الوطن ويرحبون بل يستدعون مشاركة الأجانب لسببين: الأول: هؤلاء لا يتقاسمون معهم الشرعية، والسبب الثاني: أنهم يرون في المداخلات الخارجية وسيلة لاكتساب شرعية دولية، ههنا أيضا فجوة الشرعية تفسر غياب الحساسية من المداخلات الأجنبية، ما جعل كل قضايا السودان الداخلية مدولة بدرجة غير معهودة في تاريخ السودان ولا في تاريخ الجيران.
الحقيقة إذن، النظام يتعمد ابعادنا عن أية مشاركة في حل مشاكل البلاد، حتى إذا أدرك أن لنا قدرات يمكن توظيفها في حل بعض تلك المشاكل، وحتى إذا أدرك أن موقفنا في بعض تلك القضايا ملتزم وطنياً.
1- عندما وقع الانقلاب في 30 يونيو 1989م كان هناك مشروع سلام جاهز ليبرمه مؤتمر قومي دستوري في 18/9/1989م. مشروع ليس فيه دور لأية جهة أجنبية، وليس فيه ذكر لتقرير المصير، وكل ما فيه مطالب الحركة الشعبية بنصيب عادل في السلطة والثروة، والمطالبة بالتخلي عن تحالف الدفاع المشترك، والمطالبة باستثناء غير المسلمين من أية أحكام إسلامية. ولولا «عقدة» الشرعية لكان أول ما يفعله النظام الجديد بعد الانقلاب هو أن يؤسس على ما سبق ويواصل، ولكنه حرص على هدم كل ما سبق، والبدء من المربع الأول. ولكن سياسات النظام الجديد ركزت على الحسم العسكري وشجعها على ذلك انهيار نظام منقستو وقيام نظام جديد صديق في أثيوبيا.
2- وفي مرحلة لاحقة استبعدنا تماماً من أي دور في عملية السلام، وعندما أبرمت اتفاقية السلام في يناير 2005م أصدرنا دراسة وافية وضعت الاتفاقية والدستور الجديد في الميزان وقلنا: إن هذه الاتفاقية ستجعل الانفصال جاذباً، وأن تعليق نقاط مهمة سيجعل تجديد الحرب وارداً، وأن استمرار الأجهزة والقوانين الشمولية إلى أن تستبدل دون وضع حد زمني سيحول دون التحول الديمقراطي. وقد كان.
3- وانتقدنا بروتوكول أبيي لأنه إذ جعل مصير المنطقة مترتبا على الاستفتاء ذكر الدينكا «نقوك» وآخرين فكان عدم ذكر المسيرية سبباً في اختلاف مستمر، ثم اسند الأمر للجنة وصفت بأنها لجنة خبراء محايدة، وقلنا إن رئيسها دونالد بيترسون ليس خبيراً ولا محايداً، والتقينا بممثلين للدينكا وللمسيرية بعد رحلة للمجلد، وكان رأينا واضحاً، وهو أن حل هذه القضية هو مهمة سكان المنطقة حصرياً، وينبغي أن يترك لهم الأمر لكيلا يكون سجالاً بين حزبي نيفاشا، وأدى السجال إلى الاحتكام لمحكمة لاهاي الدائمة للتحكيم، وقبل طرفا الاتفاقية تحكيم لاهاي، ولكن طرفاً من سكان المنطقة رفض ذلك التحكيم وعاد الأمر للمربع الأول. إن أمر أبيي الآن محتقن بعوامل الحرب، ولا يمنع اندلاعها إلا الحماية العسكرية الأثيوبية بتمويل دولي.
4- وقلنا إن العبارات التي صيغ بها بروتوكولا جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، هشة للغاية، ومع هذه الهشاشة أهمل أمر المشورة الشعبية، ومصير الفرقة (9)، والفرقة (10) على طوال الفترة الانتقالية، ومع هذا الموقف الهش زاد الأمر تعقيداً بانفصال الجنوب، وصار الموقف مأساويا؛ فدولة الجنوب تعتبر أن لها التزاماً بموجب البروتوكولين، والدولة السودانية تعتبر أن الجنوب بعد انفصاله صار دولة أجنبية لا يصح لها أن تتدخل في شئون السودان الداخلية. وكنا نرى ضرورة حسم أمر البروتوكولين قبل استفتاء الجنوب، ولكن هذا لم يحدث، واندفع طرفا اتفاقية السلام في انتخابات كنا نرى أنها ستقود لحرب لأن شعاري الطرفين هما:الأول «النجمة أو الهجمة»، والثاني «هارون أو القيامة تقوم».
لذلك كتبنا خطابا للسيدين عمر حسن أحمد البشير، وسلفا كير ميارديت ننصح بالاستمرار في ترتيبات انتقالية، وعدم إجراء انتخابات. أرسلنا الخطابين لهما في 15أبريل2011م ولكن مرة أخرى كان الباب مسدوداً.
هكذا دخلت الدولتان السودانيتان بسبب الإهمال والأخطاء في طريق مسدود، واندلعت الحرب الحالية، وواضح أن استمرارها وما صحبها من مأساة إنسانية سوف يجعلها مدخلاً للتدويل الذي وضع إطاره القرار الدولي رقم (2046).
5- فيما يتعلق بدارفور فقد قلنا إن نذر الأزمة الجديدة مختلفة عن مشاكل دارفور التقليدية لذلك دعونا لاجتماع كل عناصر دارفور في العاصمة من كل الأحزاب في دار الأمة في يونيو 2002م، واجتماع آخر لنفس الحضور بداري بالملازمين بعد تفجر الأزمة في 8 مارس 2003م. وقلنا إن الأمر ينذر بالويل والثبور وعظائم الأمور، ويتطلب حلاً سريعاً وقومياً. وكان موقف المؤتمر الوطني أن الأمر تحت السيطرة ولا حاجة لرأي الآخرين.
- وفي فبراير 2004م كون النظام لجنة برئاسة السيد عز الدين السيد شاركنا فيها فوجدناها لا تستمع لرأي فأعلنا انسحابنا منها،. وفي مايو 2004م توصلنا لاتفاق مع المؤتمر الوطني حول دارفور، ولكن كالعادة لم يتعامل مع الاتفاق بأية درجة من الالتزام، وفي يونيو 2004م عقدنا ورشة في جامعة الأحفاد وأشركنا فيها العناصر الدارفورية من كل الأحزاب، ولم يسمع النظام لنا، هذا بينما كان النظام يتبضع الحل في عواصم خارجية.
- ومباشرة بعد الورشة، في أواخر يونيو 2004م تمكنا من زيارة ولايات دارفور، وبعد العودة للعاصمة عقدنا مؤتمراً صحافياً في دار الأمة ونبهنا لخطورة الموقف وأعلنا عن تعديات على حقوق الإنسان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقلنا: ما لم يجر تحقيق ومساءلة فسوف تأتي مساءلة دولية، وقد كان بعد أربعة شهور مما قلنا، فأرسل مجلس الأمن بعثة تحري لدارفور وعلى ضوء تقرير تلك البعثة التي طابق تقريرها ملاحظاتنا التي أُهملت أصدر مجلس الأمن القرار (1593) وأحال أمر المساءلة للمحكمة الجنائية الدولية. وفي نوفمبر 2005م عقدنا لقاءاً للقوى السياسية والمدنية بدار الأمة بأم درمان وتم توقيع وثيقة دارفور التي احتوت على مطالب أهل الإقليم وإعلان مبادئ دارفور المقترح ووقع عليها طيف سياسي ومدني عريض، ولدى إبرام اتفاقية التراضي مع المؤتمر الوطني في مايو 2008م تم تضمين كافة تلك المطالب، ولكن الاتفاق أجهضه صقور النظام. وفي أكتوبر 2008م شاركنا في مبادرة أهل السودان (ملتقى كنانة) لحل قضية دارفور وقدمنا ذات الرؤى المعتمدة باتفاق التراضي، ولكن تم الالتفاف عليها من جديد. وحينما قدم السيد ثابو أمبيكي تقريره لحل المشكلة دعونا القوى السياسية كافة في 28 أكتوبر 2009م لاجتماع لمناقشة تقديم مذكرة جماعية للاتحاد الأفريقي بخصوص تأييد تقرير لجنة الحكماء، وقد كان.
- في أوائل عام 2006م مر بنا د. مجذوب الخليفة رحمه الله، واستشارنا في مهمته بصفة شخصية، وكان يفاوض فصائل دارفور المسلحة. قلنا له التزم بالآتي وسوف تتمكن من إبرام اتفاقية عادلة في دارفور:
{ فيما يتعلق بالمشاركة في رئاسة الدولة، وإدارة الحواكير، ووحدة إقليم دارفور، وحدود دارفور مع الأقاليم الأخرى تعود حقوق أهل دارفور كما كانت في عام 1989م.
{ فيما يتعلق بالنازحين واللاجئين حقهم أن يعودوا لمناطقهم آمنين وأن يعوضوا تعويضاً فردياً وجماعياً.
{ فيما يتعلق بحقوق أهل دارفور في السلطة والثروة يعترف لهم بنصيب يساوي نسبة السكان، على أن ينص على هذه الحقوق في الدستور.
قلت له هذه الأسس وحدها الكفيلة بتحقيق السلام العادل الشامل في دارفور. رفض الاقتراح لأنه في نظره يتناقض مع ثوابت «الإنقاذ» وثوابت اتفاقية نيفاشا. هذا العناد والانفراد هو السبب في استمرار أزمة دارفور وتعقيدها الراهن.
- وفي مايو 2010م وتعاوناً بين معهد ماكس بلانك للقانون المقارن والقانون الدولي في هايدلبريج بألمانيا، ومعهد أبحاث السلام في جامعة الخرطوم، وبعد تشاور واسع أصدرا وثيقة هايدلبرج، وثيقة اهتممنا بها اهتماماً خاصاً ودعونا كافة عناصر دارفور في الخرطوم وقمنا بتحليل ودراسة للوثيقة وأصدرنا توصيات اعتبرنا فيها أن هذه الوثيقة من أفضل المساهمات لدراسة وحل مشكلة دارفور مع تحفظات وإضافات رأيناها، وكان يمكن للوثيقة أن تصلح أساسا لحل المشكلة ومع ما قمنا به من مرافعة لصالحها رفضها المؤتمر الوطني ووأد وثيقة صالحة للحل.
- وفي 14 يوليو 2011م اتفق على وثيقة الدوحة وعقدنا ورشة عمل في أغسطس 2011م لدراسة الوثيقة ومع ما فيها من إيجابيات حددناها، فقد اشتملت على طائفة من السلبيات، ورأينا أنها لن تحقق السلام المنشود لأسباب فصلناها، وقد كان.
- وفي 22 يناير 2011م أصدرنا مشروع الخلاص الوطني، وحددنا فيه الإطار الصحيح لإنهاء الأزمات والتعامل مع جبهات الاحتراب الحالية عبر مؤتمر جامع وفق إعلان مبادئ للقضايا المختلفة. لاحقا فصلناه بتكوين لجنة مؤتمر السلام السوداني في مايو 2012م والتي فرغت من صياغة مشروع السلام الشامل والتحول الديمقراطي الكامل في 11 يوليو 2012م. ومنذ ذلك الحين قمنا بمخاطبة كل القوى السياسية لقبول مشروع الخلاص الوطني وفيه علاج لأزمة دارفور، والأزمات الأخرى. المؤتمر الوطني تمنع عن الاستجابة وهو ما زال يفضل طلب حلول المسائل الداخلية بتدخلات أجنبية، والمدهش أنه مع حرصه على تحويل كل قضايا السودان للخارج يشكو من التآمر الخارجي دغدغة لمشارع وطنية.
6- وستجد أننا حاولنا التوسط في كافة النزاعات القبلية التي صارت مختلفة من طبيعتها التقليدية:
- أ كان نزاع الموارد محدوداً بأرض الفلاحة وأرض الرعي، ولكن دخل عاملان جديدان أكثر بريقاً وأكثر إثارة هما البترول والذهب، وعامل ثالث هو استعانة النظام بعناصر قبلية من دول مجاورة لإحلالهم محل المجموعات المشكوك في ولائها للنظام.
ب- سياسات النظام إذ سيست الخدمة المدنية أضعفتها وجعلتها مهملة لواجبها الإداري وأكثر اهتماما بالمكاسب الحزبية.
ج- الإدارة الأهلية أخضعت للتعبية الحزبية ما أفقدها احترامها التقليدي وضمها في الغالب لزفة المطبلين للنظام بلا موضوعية.
د- سياسات النظام دربت أعداداً كبيرة من الشباب وسلحتهم دون ضبط حركاتهم، كما استقطبت الحركات المسلحة أعداداً كبيرة من الشباب، ونتيجة لانقسامات تلك الحركات صار عدد كبير من الشباب مدربين ومسلحين دون ارتباط بأية نظم.
هكذا انتشرت جماعات شبابية مسلحة ومدربة لا تخضع لأوامر الإدارة الأهلية ولا لأي شكل منظم، هؤلاء عززوا صفوف الخريجين العاطلين عن العمل الذين ما عادوا خاضعين لقيادة قبائلهم.
هذا الشباب المتعلم المدرب المسلح جذبته النزاعات القبلية للوقوف مع عشائرهم ما جعل الاحتراب القبلي الحالي يختلف نوعياً مما كان عليه الحال.
أخي الحبيب
في إحدى مذكرات الإمام عبد الرحمن قال: أغلبية أهل السودان الساحقة وقفت مع الإمام المهدي وقدمت في سبيل ذلك تضحيات جسيمة وأنا أشعر لهم بالدين على هذا التأييد. وهذا أحد أهم أسبابي للتعلق بشعار السودان للسودانيين وفي هذا المجال لا شك أن لأهل جبال النوبة نصيباً مهماً، لقد احتضنت الجبال المهدية في مهدها إذ توجه لها الإمام المهدي بعد واقعة أبا، وخرجت منها أقوى عوداً وانطلقت منها لتحرير السودان كافة من القبضة العثمانية المتقوية ببريطانيا، ولدى أفول شمس الدولة كانت جبال النوبة من جديد ملاذاً لخليفة المهدي ومن معه بعد كرري فظلوا فيها حوالي عام في ضيافة أهلها البواسل حتى غادروها طوعاً وتوجهوا قاصدين أم درمان، و»فرشوا» أخيراً في أم دبيكرات. وكان للجبال كذلك دورٌ مقدر في مساندة الحركة الاستقلالية من الاحتلال الثنائي.
وكانت الجبال بالنسبة لي المحطة الأهم في عملي السياسي الميداني في البداية، ما يزيد من الهمة للعمل على وضع حد لهذه المأساة السياسية والإنسانية التي جعلت المنطقة مسرحاً لعمليات حربية مستمرة، ومأساة إنسانية شردت مئات الآلاف، ومنعت المنظمات الدولية الإنسانية حتى الآن من تقديم العون المطلوب رغم قبول المبادرة الثلاثية.
كذلك هنالك دين خاص لأهل دارفور ليس للسبب العاطفي أن جدتنا منهم وأن أواصر الرحم ممتدة لكثير من قبائلهم، ولكن لأسباب موضوعية كذلك تؤكد أهمية دارفور في الكيان السوداني، وموقف أهلها القوي مع حركة الاستقلال الأول إبان الدعوة المهدية، ومع حركة الاستقلال الثاني مع الدعوة الاستقلالية، وما قدموا في سبيل ذلك من تضحيات وتأييد امتد في العهود الديمقراطية.
ومع اهتمامنا المكثف على نحو ما شرحنا هنا بالنصح والتوجيه لولاة الأمر الحاليين دون جدوى فإننا كما قد تعلم منذ 7 مايو 2012م شرعنا في اتصالات مباشرة مع القوى السياسية كافة، ومع أصحاب الشأن المحلي، والقبلي، والمدني، والمسلح في كافة الأقاليم التي حُمل فيها السلاح، بهدف الدعوة لمشروع سلام عادل وشامل، وفي هذا الصدد قمنا ونواصل النداء للقبائل وأهل الشأن في مناطق التجاور بين قبائل السودان ودولة الجنوب أن يبرموا اتفاقيات تعايش سلمي كما كان حالهم تاريخياً وألا يستجيبوا لسياسات التطبيل للحرب من الخرطوم وجوبا، بل يجتهدون في التعايش الأخوي بين جيران تجبرهم ظروفهم الحياتية أن يتعايشوا لأن بينهم مطالب حياتية ومصاهرة تغفلها الاعتبارات السياسية في المركز.
كذلك نحن ندعو لنظام جديد في البلاد حددنا معالمه بصورة واضحة يحقق للبلاد السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي بكل الوسائل ما عدا العنف وأهمها وسيلتان:
الأولى: ملتقى جامع لوضع خريطة طريق على نحو ما حدث في جنوب أفريقيا عام 1992م.
الثانية: بعد أن يبرم ميثاق النظام الجديد من القوى المتطلعة لنظام جديد نواصل التعبئة عبر الاعتصامات حتى الإضراب العام في سبيل إقامة النظام الجديد.
بعض السذج سياسياً يعدون تحركات حزب الأمة المحسوبة تعرضه لنوع من الاختراق. من يقرأ الأحداث بموضوعية قد يجد اختراقاً ولكن دور حزب الأمة فيه دور فاعل لا مفعول به. إن صح تعبير «مخترق» في أمرنا فهو بكسر الراء لا فتحها، ولكن (الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)2.
إن ليل الوطن حالك ولكن أكثر الليل سوادا هو الذي يسبق الفجر (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)3:
ولرُبٌّ نازلةٍ يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرجُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرجت وكان يظنها لا تُفرجُ
أخوك
الصادق المهدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.