٭ على مدى «91» تسعة عشر عاما طرح موضوع انضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية دون الوصول لنتيجة مفيدة لصالح أهل السودان بسبب «شخصنة» اتخاذ القرار حوله بل والتردد بدون اسباب واضحة لمجرد الوصول لقرار محدد حوله، وسوف احاول في حلقات التعرض بالتحليل العلمي للتجربتين التي مرت بهما محاولات انضمام السودان لهذه المنظمة وما قبلهما وما بعدهما في ظل المتغيرات الحالية التي فرضت على الساحة السودانية منذ انفصال الجنوب في يوليو 1102م وتحوله لدولتين..؟! ٭ كغيره من دول العالم أرسل بروتوكول مراكش بإنشاء هذه المنظمة للسودان وبالفعل كوّن وزير التجارة والصناعة في عام 4991م لجنة لدراسته وكانت مكونة من شخصيات لها صولات وجولات في المواقع الاقتصادية للانقاذ واوصت تلك اللجنة بالتوقيع والانضمام خلال الفترة المحددة لذلك دون الدخول في مفاوضات لتلك المنظمة ،ولم يؤخذ بذلك الرأي في ظل الحماس ضد الدول الغربية واضاعت السلطات المختصة تلك الفرصة التي كانت سوف تمكن السودان من الانضمام لتلك المنظمة دون مفاوضات وصرف المليارات من الأموال العامة الذي حدث بعد عام 2002م جرياً وراء الانضمام والصرف على جيوش المستشارين من مرتبات ومخصصات وبدلات وعربات وفوائد ما بعد الخدمة وتأجير عقارات وسفر لجيوش اعضاء الوفود المسافرة للتفاوض بجنيف وخلافه من الكثير الذي حدث خلال العشر سنوات الماضية..؟! ٭ بعد تضييع فرصة الانضمام لمنظمة التجارة العالمية بالتوقيع بالموافقة على بروتوكولاتها حتى عام 5991م فقط لا غير...؟! كونت وزارة التجارة الخارجية في اغسطس 8991م لجنة قومية لاعداد السودان للانضمام لمنظمة التجارة العالمية ضمت ممثلين لاغلبية الوزارات والقطاع الخاص والعمال والمزارعين. وعقدت تلك اللجنة عشرات الاجتماعات وكونت العديد من اللجان الفرعية لاعداد الوثيقة الاساسية لطلب انضمام السودان باللغة الانجليزية اضافة لاعداد مسودات قانوني مكافحة الاغراق وقواعد المنشأ. وكان العمل داخل اللجنة القومية بالتطوع دون مقابل او مكافآت لاعضائها بعكس ما حدث في ظل المفوضية لشؤون منظمة التجارة العالمية التي كونت بعد ذلك وصرفت مليارات الجنيهات كمرتبات وبدلات ومخصصات وفوائد ما بعد الخدمة للعديد من المستشارين في المدى الاول المخصص للوزراء السابقين وايجار عدة طوابق بأفخم المباني على شارع النيل بالخرطوم على مدى اثنى عشر عاماً دون ان تفعل شيئاً اكثر مما فعلته اللجنة القومية داخل وزارة التجارة الخارجية بالتطوع مجاناً ودون زخم اعلامي كما فعلت المفوضية..؟! ٭ قدم الاستاذ الاقتصادي عثمان الهادي وزير التجارة الخارجية الاسبق وثيقة الطلب الاساسي لانضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية لمجلس الوزراء في مطلع عام 9991م بالغة الانجليزية حسب المواصفات المحددة لاعدادها في المنظمة وبعد المناقشات المستفيضة لها جرت اجازتها والاشادة بها من قبل المجلس الذي وجه بان تقدم لرئاسة سكرتارية المنظمة في اقرب وقت. وقدمت ونالت الاشادة من المنظمة ووزعت على الدول الاعضاء بالمنظمة وكان عددهم وقت تقديمها «621» مائة وستة وعشرين دولة تجاوب حوالي ثلث تلك الدول وهي نسبة عالية بارسال حوالي «265» خمسمائة اثنين وستين سؤال اساسي وفرعي حول ما ورد بها من معلومات اساسية حول المعلومات الاساسية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والاحصائيات التي وردت بتلك الوثيقة، وهذا يعكس الاهتمام بما ورد بتلك الوثيقة من معلومات واحصائيات..؟! وشكلت اللجنة القومية عدة لجان فرعية قامت باعداد الاجابات على تلك الاسئلة والاستفسارات حيث ارسل العديد منها لرئاسة سكرتارية المنظمة. ٭ تبع ذلك ان اتاحت رئاسة المنظمة فرصة تدريب للوفد الذي اختير للتفاوض باسم السودان والذي ضم احد وزراء قطاع الخدمات السابقين في عهد الانقاذ اضافة لمجموعة من وكلاء الوزارات ونواب الوكلاء وسفراء من وزارة الخارجية والذين بلغ عددهم اثنين وعشرين فرداً حيث استمرت فترة التدريب لشهر كامل برئاسة المنظمة بجنيف اتيحت خلاله فرص لحلقات نقاش مع وفود الدول الكبرى كالولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا والمانيا واليابان ودول عديدة اخرى كالمغرب والهند وخلافهم، عرضوا تجاربهم ونصائحهم لوفد السودان المختار للتفاوض خاصة بالنسبة لطرق التفاوض في السلع الزراعية والصناعية والخدمات والملكية الفكرية ومكافحة الاغراق وقواعد المنشأ وتعديلات القوانين الوطنية وخلافه من العقبات والمشاكل المتوقع ان تقابل السودان خلال فترة التفاوض..؟! ٭ فور عودة الوفد المفاوض من فترة التدريب بجنيف بدأت اللجنة القومية في اتخاذ خطوات جادة تجاه عملية بدء التفاوض حيث قامت باختيار السيد شعلان المغربي الجنسية ليكون مستشاراً لها من المنظمة في عمليات التفاوض كما بدأت في اعداد برامجها لانعقاد مؤتمر المائدة المستديرة لمساعدة السودان في عمليات التفاوض لانضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية خلال عام 0002م..؟! ٭ خلال نفس العام صدر قرار بانشاء الامانة العامة لشؤون منظمة التجارة العالمية تتبع لوزير التجارة الخارجية وعين لها امين عام من المعاشيين بالقوات النظامية..؟! ثم بعد عامين صدر قرار آخر بالغاء اللجنة العليا الوزارية للاشراف على انضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية وأيلولة الامانة العامة بكافة اصولها ووظائفها ولجانها واختصاصاتها الى المفاوض القومي لانضمام السودان للمنظمة والتي عدلت بعد فترة لتصبح مفوضية بدلاً من امانة عامة داخل وزارة التجارة الخارجية كانت لديها لجنة قومية تعمل بالتطوع تحت اشراف وزارة التجارة الخارجية واللجنة الوزارية العليا..؟! ٭ داخل النظام الجديد وايلولة هذا العمل القومي لفرد واحد بدأت الصراعات والمشاكل التي نتجت عن الايلولة والانفراد بالسلطة لعمل قومي حيث خلال فترة اقل من عامين عُين إثنان من الامناء العامين من القوات النظامية جرى اعفاؤهم نتيجة لعدم رضائهم بالتهميش من صاحب الايلولة ثم جاءت الطامة الكبرى بتعيين الامين العام الثالث من الكوادر المؤهلة العلمية في هذه الوظيفة حيث ووجه تعيينه بالرفض منذ صدوره في نهاية عام 3002م بحجة انه لا توجد وظيفة في هيكل المفوضية باسم الامين العام، وبهذه الحجة ظل الرجل المؤهل مجمداً يتقاضى كافة حقوقه دون ان يسمح له بممارسة عمله كأمين عام وفقا للقرار السيادي الذي صدر بتعيينه؟! والغريب في هذا الموضوع ان فور اعفائه من منصبه بعد سبع سنوات مع صاحب الايلولة ظهرت تصريحات بالصحف لاحد الاشخاص الذين كانوا يقفون مع حجة عدم وجود امين عام بهيكل المفوضية الوظيفي موضحاً بعد اسمه لقب الامين العام للمفوضية بالانابة الامر الذي عكس كيفية «شخصنة» ادارة امر تلك المفوضية التي صرفت عشرات المليارات من الجنيهات كمرتبات وامتيازات وايجارات على مدى عشر سنوات دون ان تفعل شيئاًَ؟! ٭ في اكتوبر 4002م عين ثمانية اشخاص كخبراء وطنيين بالمفوضية في درجة رفيعة حسب نظام تعيين الخبراء الوطنيين تمنح فقط للوزراء الاتحاديين مع ان من بينهم لم يكن وزير اتحادي واحد وكان من بينهم وزير دولة واحد فقط؟! كما ان هنالك من منح درجة الدكتوراة امام اسمه في قرار التعيين والاعفاء مع انه لم يعرف عنه حصوله عليها رغم الانبهال الشديد في منح الدرجات الاكاديمية من عشرات الجامعات السودانية الجديدة في السنوات الأخيرة؟! ٭ خلاصة القول لتجربتي محاولات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية على مدى خمسة عشر عاماً منذ صدور المرسوم الجمهوري رقم «47» لسنة 8991م والخاص بتكوين اللجنة العليا للاشراف على انضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية ومروراً بالتطورات اللاحقة بصدور قرار بانشاء الامانة العامة لها ثم ايلولة تلك الامانة بكافة اصولها ولجانها والعاملين بها لفرد واحد هو المفاوض القومي،اضافة لصدور العديد من القرارات بتعيين الامناء العامين لها واعفائهم او تجميدهم دون اعباء كما حدث للامين العام رقم ثلاثة، ثم اعادتها مرة اخرى لامانة عامة داخل العديد من الوزارات ان كل تلك المجهودات سواء أكانت بالتطوع كما حدث في المرحلة داخل وزارة التجارة الخارجية في ظل اللجنة العليا واللجنة القومية التابعة لها أو كما حدث بعد ذلك على مدى ثلاثة عشر عاما وصرفت عليه الدولة عشرات المليارات بالدينار وبالجنيه لم تؤدِ لانضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية..؟! ٭ ومن المحزن جداً والذي كان بحق جارحاً جداً لكل الذين قاموا حقيقة بإعداد طلب الوثيقة الاساسي الذي قدم لانضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية الذي اجيز من مجلس الوزراء باشادة وايضاً وجد الترحيب والاشادة من سكرتارية المنظمة ان صاحب الايلولة الفريدة من نوعها والذي جلس على قمة عملية التفاوض لعشر سنوات قام كعادته باطلاق تصريحات قبيحة وغير مسؤولة بتاتاً حول تلك الوثيقة ووصف لغتها باللغة الانجليزية بالركاكة ووصفها بأقبح الالفاظ، وعندما تمت مواجهته من بعض الذين شاركوا في اعدادها بالتطوع دون ان يقبضوا قرشاً واحداً وكنت انا واحداً منهم حيث سئل عن لماذا لم يتعرض لها بالنقد عند مناقشتها واجازتها والاشادة بها ذكر بانه لا يقصد هذه الوثيقة انما وثيقة اخرى قدمت مع العلم ان السودان قدم وثيقة واحدة رسمية اجازها مجلس الوزراء في عام 9991م؟! ٭ وبالتالي ايضاً تحت خلاصة القول ان تجربتي محاولات السودان للانظمام لمنظمة التجارة العالمية للاسف الشديد باءت بالفشل بسبب «النرجسية» و«شخصنة» عملية الانضمام في شخص واحد بسبب «الايلولة» على مدى اكثر من عشر سنوات ملئت خلالها عدة مرات مخرجات من الشبكة العنكبوتية باللغة الانجليزية وجرت تعبئتها في شنط جلد فاخرة في مرات عديدة ارسلت للمسؤولين للايهام بان هنالك عمل كبير يحدث سوف يؤدي لانضمام السودان للمنظمة، صرفت في مقابله عشرات المليارات مرتبات ومخصصات وامتيازات وتكاليف سفر وفوائد ما بعد الخدمة وعربات.. الخ دون ان تحدث عملية الانضمام المنشودة كهدف اساسي. ودون شك فان المسؤولين شعروا بخيبة امل كبيرة من حصيلة هذا الصرف الملياري الذي اصدروا من اجل انجاحه العديد من القرارات والخطابات المفسرة لتلك القرارات ووافقوا على انتداب السفراء المؤهلين لادارة مكاتبه التنفيذية وقدموا له كل التسهيلات..؟! ٭ الآن وبعد ان تمخض كل ذلك الجهد فأراً..؟! وصار المطلوب من السودان ان يعيد شكل وثيقته المقدمة كطلب انضمام منذ عام 9991م لان كافة المعلومات والمؤشرات الاقتصادية عن السودان قد تغيرت وتعدلت شكلاً ومضموناً بعد انفصال جنوب السودان في المساحة وتعداد السكان وكافة المؤشرات الاقتصادية؟! وهذا يحتاج لعمل كبير جديد للجهة المناط بها اكمال عملية الانضمام..؟! ٭ المطلوب منذ البداية ثبات الآلية التنفيذية المناط بها الاشراف على عملية الانضمام ودون شك كما بدأت البداية الصحيحة في عام 8991م المطلوب ان تكون داخل وزارة التجارة وتحت الاشراف المباشر لوزيرها وان تكون لذلك لجنة قومية من كل القطاعات تعمل تحت اشرافه دون «شخصنة» لفرد او مجموعة كما ظل يحدث خلال العشر سنوات الماضية كسب منها البعض ثروة كبيرة حيث بعضهم خرج منها بحصيلة مليار ونصف المليار «جنيه بالقديم» كمرتبات ومكافآت دون ان يقدموا مقابلها شيئاً مفيداً لاهل السودان وكانوا يعملون «محلك سر»...؟!!! «نواصل إن شاء الله تعالى في الحلقة الثانية».