في السبعينيات من القرن الماضي اضطر كثير من السودانيين، للهجرة، لدواعٍ مختلفة، أهمها الضغوط الاقتصادية، واستقر نفر من هؤلاء في المملكة العربية السعودية، خاصة في المدن الكبيرة مثل جدة ومكة والمدينة. واحتضت الرياض عدداً كبيراً من أفراد الجالية السودانية، ولسبب أو لآخر آثر معظم هؤلاء السكن في بعض الأحياء الشعبية، ولذلك كان حي غبيرا في الرياض سكناً لكثير من العائلات السودانية المهاجرة. وقد طالت غربة السودانيين نظراً لظروف المعيشة في السودان والتقلبات السياسية والحروب التي حالت دون استقرار البلاد، وبالتالي منعت عودة المغتربين، حتى بعد أن حقق بعضهم شيئاً من طموحاته، مثل الزواج وتربية الأطفال وتعليمهم وبناء المنزل، وربما تأسيس بعض الموارد الاستثمارية، إلا أن معظم هؤلاء قد فشل في تحقيق شيء يذكر، حيث تحمَّل المغترب السوداني لفترة طويلة عبء مساعدة العائلة الممتدة في السودان، وبالتالي فشل في تحقيق مآربه الشخصية، مما زاد في أمد الاغتراب وترتبت على ذلك نتائج وخيمة للغاية، ذلك لأن ظروف المعيشة في بلاد المهجر قد تبدلت أيضاً لعوامل كثيرة منها الغلاء وندرة الوظائف وتدهور الحالة الاقتصادية بسبب الظروف التي ضربت المنطقة في السنوات الأخيرة، ولذلك فقَدَ كثير من السودانيين وظائفهم واضطروا للعمل في وظائف هامشية لا تلبي طموحاتهم ولا تكفي حتى مصاريف أسرهم، ناهيك عن تحقيق مدخرات. ومع ذلك بقيت بعض الأسر تعيش بذات الطريقة التي اعتادت عليها سابقاً، الأمر الذي أدى إلى تفكير بعض الأشخاص في العودة إلى أرض الوطن، ولكنهم فوجئوا بمعارضة قوية من الزوجات والأبناء أحياناً. ومن المؤكد أن سهولة العيش في المهجر، قد جعلت بعض النساء يعتقدن أن العودة إلى السودان تعني لهن الرجوع إلى الجحيم! ولذلك نجد كثيراً منهن يرفضن العودة حتى إذا تهيأت لها كل سبل الراحة من سكن ودخل لا بأس به، وغيرها من متطلبات الحياة. وليس هذا فحسب، بل إن بعضاً ممن توفي أزواجهن رفضن العودة، ولجأن إلى نقل كفالتهن على أكبر الأبناء الذي قد يكون أكمل تعليمه، وحصل على وظيفة في بلاد المهجر فيضطر الابن، خاصة بعد زواجه، إلى الصرف على أسرته الصغيرة واخوته وأمه، فيعيش في دوامة من الصرف تحول دون تحقيق أي هدف، علاوة على هذا تقوم بعض النساء بمزاولة أشغال تجعلهن عرضة للخروج من المنزل بدون رفقة آمنة، وهذا السلوك يؤدي لكثير من الحرج، وربما يؤدي إلى الانحراف الأخلاقي، تحت وطأة الإغراء من بعض ضعفاء النفوس، كما أنه سبب في ضياع الشباب من الجنسين، وقد يحرمون من التعليم خاصة الذين بلغوا المرحلة الجامعية. ومن جانبها ظلت البعثات الدبلوماسية تقدم بعض المساعدات لذوي الظروف الخاصة، وتسهل عودة الأسر التي انقطع بها السبيل أو فقدت من يعولها، بتوفير التذاكر من الصناديق الخيرية، ولكن لا يمكن أن توفر السفارة كل متطلبات تلك الأسر. ولعل هذا ما جعل بعض الإخوة يفكرون في قيام منظمة مجتمع مدني تعنى بمثل هذه الحالات إن استطاعت. وعموماً يحكى أن مغترباً سودانياً قد أكمل بناء المنزل وتأثيثه، في حي راقٍ في العاصمة الخرطوم، واتفق هو زوجته على أن تعود هي والأولاد أولاً، ريثما يقوم هو بترتيب بعض الأمور، ولكن بعض مضي أقل من شهر تلقى الرجل رسالة من زوجته تقول: «غبيرا ما في غيرا» [email protected]