أكد خالد الشيخ حاج محمود الباحث في مجال التاريخ والتراث والآداب والفنون في السودان عامة وكردفان ان الدلوكة كآلة شعبية هى بداية الغناء في السودان، وقال ل(الصحافة) التي إلتقته فى الأبيض وبصحبته بلبل الغرب عبدالرحمن عبد الله ، ان الدلوكة شكلت بداية حقيقية للغناء وللباحث دارسات كثيرة حول بدايات الغناء في السودان تثبت أن الغناء في كردفان بدأ باكراً وسابقاً لغيره، وقال لنا حاج محمود ان كردفان علامة في مجال الغناء وتشكل ارثاً ثقافياً وفنياً رهيباً لان كردفان إرتبطت ارتباطا وثيقا بالثقافة العربية والأفريقية والمفردات ارتبطت بحرفة الناس (زراعية أو رعوية) وهي متجذرة في كردفان مما جعلها مستودعاً ثقافياً متفرداً * من اين جاءت الدلوكة ؟ جاءت من بلاد النوبة «صعيد مصر» واختلطت مع آلة الكوشية في الشمال في منطقة شندي وكبوشية عند الجعليين حتى وصلت شمال كردفان وارتبطت بإيقاع مشية الجمل عند الابالة وأخذت قوتها لدى (الكبابيش ،الكواهلة ودار حامد) وللجمل مشيات مختلفة . * ابرز انواع مشيات الجمل؟ هي (16 ) نوعاً منها ( الكربته ، الاسترباع ، الخبب .. الخ) وعلى ذلك قيل إن الباحث الخليل بن أحمد الفراهيدي في الجزيرة العربية والذي وضع بحور الشعر العربي على مشية الجمل (16 ايقاع)، ومعلوم أن الايقاع أصله أما لنشاط رعوي أو زراعي حسب إرتباط الناس بذلك النشاط فالساقية مثلا فى شمال السودان حسب حرفة الناس وكذلك (الجراري ، المردوم ،الدرملي) كله مربوط بحركة الجمل أو الحصان عند البقارة في بادية كردفان والحياة لديهم ترحال ولذلك أخذت الدلوكة قوتها عندما وصلت كردفان وارتبطت بهذا الترحال مع ايقاع مشية الجمل . * ماذا عن الطنابرة والطمبارة ؟ الطنبور ليس من الآلات الوترية إنما هو صوت يخرج من الحلق ويقفل الاغنية مع إيقاع مشية الجمل وتعد فترة الطنابرة ( محمد ود الفكي، عبدالغفور وسرور) نموذجا لذلك الفن . * وكيف كانت بداية الطنبرة؟ الدكتور أحمد القرشي عبد الرحمن أهداني شريطا غنائيا بصوت سرور يعود تاريخه لعام 1927م يغني فيه قصيدة للشاعر العبادي : ببكي وبنوح وبصيح للشوفتن بتريح فرع النقي المييح منو المسك مفيح وكتين صباحنا يبيح بلبل قلوبنا يصيح الطمبارة أخذتهم الغيرة واختلفوا معه وقالوا ليه دا جبتو من وين قال سرور وجدته عندما بدأت الغناء عام 1915م عند قبائل دار حامد والحمر في ام درمان في العرضة وودنوباوي والبوستة وحى العرب وأنا ومعي ودالفكي نقلنا ذلك الغناء وبدأ يغني للجراري ويطمبر يصفق تماما كما في كرير الجراري والشيلة والايقاع يتمثل فى دقة الرجل والتي استعيض عنها بدقة الآلات كالبنقز وغيره، وكان ود أبوالجوخ وتوم دق العيش وبلال أبوكرد وسرور وعبدالله الماحي طمبروا ونقلوا ذلك في فترة ما يسمى بعصر الطمبرة اخذوه من الجراري ، والشريط موجود بحوزتي ويثبت تماما ماذهبت اليه ( أن التراث نقل من كردفان لمناطق أخرى) ويؤكد ذلك ايضا ان كردفان مستودع للغناء. والسيرة ؟ السيرة والدلوكة جاءت من كردفان إلا أن الدقات تغيرت لأنها مأخوذة من اكثر من مشية للجمل وهي أساس الجراري وعندما سألوا الفنان عبدالكريم الكابلي عن أول ما وجد من الغناء قال (الموزروا ) وهذا ليس صحيحاً، اذ يوجد تاريخ للغناء قبل المهدية ومؤرخ وموثق له منذ العهد التركي . * مثال ؟ (كاسر يا جرو الخلا ابساجور) حواء بت تندل غنتها ل(إمبدة أبوكندي) هو أمبدة تمساح امبدة ود عم سيماوى (ناظر دار حامد) عندما رفض دفع الطلبة للآتراك عام 1879م وقال للمندوب (دقيس) قول للأتراك أخو الناظر رفض يدفع الطلبة، وقال ليكم انتو أتراك أجانب أطلعوا من البلد فكانت جذوة نضال، فأرسل الأتراك اليه تجريدة في أم شديرة عام 1880م وقضت عليه ومنّح عليه أخوة الناظر سيماوي وقال فيه: كل ما هديتك قلت لى ما عوير وهاج فيك أم عطيف الفى الطينة متهير شالك قليل الموت وخلاني متحير (دليل على ان الكثرة غلبت الشجاعة) . وعندما سمعت ذلك حوة بت تندل قالت بعد ثلاثة سنوات عام 1883: لساني فيهو بقول (كاسر يا جرو الخلال ابساجور ) غني وشكريه يالثلاث أخوات لا رجفت لحمتو ولا لسانو لات السيف في يمينو بقدل على الدرقات والخزين أخوي مقنع الكاشفات الشدرة الضليلة المانقرها السوس فى راسها النمر وفوق ضلها الجاموس شن نمشى ونقول قرين مرشوش وهذا ايضاً يثبت ويؤكد أن الغناء في كردفان بدأ باكراً وسابقاً لغيره . * ماذا عن الاغنيات في عهد المهدية والانجليز؟ منها : (أحمر هوشو) عام 1882م قالتها الحكامة بحر النيل في النور عنقرة عندما هزم اللصوص في معركة القيقر ببارا : يا ناري لى المابقدرو... أحمر عين هوشو أحمر عين هز فيكم ... جرح الضحى وشاف جريكم... من شايبكم لصبيكم ... كان جريتو الموت راجيكم.... أحمر عين يا بلية .. وسايق الديش تلتميه... يوم جاكم بالبندقية .. وفناكم بيها فنية.... وكذلك (خال فاطنة) قالتها كلتوم بت جابرمحمد عبدالرازق فى الفارس نقدالله ود عمر الركابى عام 1881 . * من أين ومتى جاء ايقاع التم تم؟ ايقاع التم تم جاء الى السودان من زائير عبر سواقي اللواري وإنتشر بكوستي عام 1880 كبداية للغناء الهابط بدون قيمة وبدون مفردة أو كلمة وقد لعبتا التومات (ام بشاير وأم جباير) دوراً كبيراً في إنتشاره وسط الناس ، و عبد الرحمن الريح ،ودالرضى ،العبادي وسرور ذهبوا جميعهم لكوستي وقابلوا التومات واستمعوا لإيقاع التم تم عندهن رغم رفض ود الرضي والعبادي إلا أن عبد الرحمن الريح أصر على سماع ذلك وسمعوا ال( 12 ) ايقاعا عندهن فبدأ عبد الرحمن الريح بكتابة خمس قصائد للإيقاعات منها اغنية (مدلل سيب دلالك دا) وبعد شهر جاءوا كوستى بنفس الايقاعات ولكن بصورة جيدة ذات مفردة جميلة، فمنذ تلك اللحظات لم يسمع زول واحد للتومات، فإنتهت الظاهرة في تلك الفترة ، وللفضائيات اثر كبير فى إنتشار الغناء الهابط الموجود بالساحة الان . * الغناء احيانا يدعو للقبلية ويكون ضد التعايش السلمى ؟ تكونت لجنة للنصوص للتأصيل للذوق ولا يمكن ان يكون الغناء مكرساً للجهويات والعصبيات والقبليات او خادشا للذوق ولكن يجب ان تكون الكلمات بلاغية جيدة ، وعقدنا العديد من المؤتمرات والندوات والمحاضرات والبرامج الاذاعية والتلفزيونية دعونا عبرها اهل كردفان لنبذ الفرقة والشتات وكنا ندعو للوحدة والسلام عبر نسيج اجتماعي قوى ومترابط تشيع فيه روح الفضيلة والتكافل والتراحم والشجاعة والمروءة واغاثة الملهوف وكل ما ينفع الناس ،وكذلك الرياضة مع الغناء يستطيعان أن يحققا إنصهار المجتمع ومثال لذلك قصيدة ود الرضى التي شملت كافة بقاع السودان من الاسكلا وحلا .