٭ السودان وطن حباه الله بكل مقومات الحياة تنوع في الاعراق، تعدد في الثقافات تنوع في المناخ، سعة في الاراضي الزراعية. كثرة في الثروة الحيوانية، جودة في المعادن البترولية، رغم هذا كله ظل الوطن جريحا منذ أول رصاصة وجهت الى صدره في توريت عام 5591 ومن يومها لم يهنأ للوطن بال ولم تسكن جوارحه الباكية من ظلم ذوي القربى في الداخل. ومن أعدائه في الخارج، أكثر من خمسين سنة مضت والحال فى كل يوم يزداد سوءاً والمواطن يتجرع علقماً وكأنما الإرادة الغلابة قضت بذلك ولسان، الحال يقول: مشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها، لا استقرار سياسي ولا اقتصادي بل حتى النسيج الاجتماعي بدأ يتآكل من الداخل كأن الارض ضاقت بالبشر. في كل يوم نسمع أن قبيلة إعتدت على أخرى وان رتلاً من الأموات لقوا حتفهم جراء الصراع القبلي فمتى نتجاوز هذه الحال السيئة ومتى يستقر الوطن ويخطو خطوات ملموسة نحو التقدم والتنمية والازدهار؟. بنفس القدر نتساءل مالنا والعالم الخارجي لماذا العداء والتربص بوطن مريض لم يشفَ بعد من جراحاته المؤلمة، نحاول من خلال هذه الاسئلة المطروحة تحليل بعض الظواهر المتعلقة بوطننا والتي تشكل من ناحية تهديداً داخلياً ومن ناحية أخرى تهديداً خارجياً وكلا الأمرين يشكلان خطورة بالغة على مستقبل هذا البلد ان لم نتدارك مضاعفاتهما. أولاً نأخذ المهددات الداخلية وهى ذات بعدين البعد الاول بُعد سياسي يتمثل في بعض الاحزاب المعارضة ذات الأجندة المبهمة التي لا تستطيع التفريق بين الوطن والخيانة للوطن، فمعظم أحزابنا السياسية أو الطائفية أو الاسلامية المنشقة أو اليسارية المتوارية خجلاً من كسوف شمسها من مطلعها الاتحاد السوفيتي.. كل هذه الاحزاب مجتمعة تعمل ضد الوطن تتحالف في جوبا وكاودا وتضع يدها على أيدي الجبهة الثورية وتوقع في وثيقة الفجر الجديد (وتنط) هذه مواقف إن دلت على شيء فإنما تدل على ضبابية الرؤية وفقدان البوصلة على حد تعبير دكتور نافع، وليس لهذه الاحزاب مجتمعة رؤية واضحة اللهم إلا إتفاقهم على إسقاط النظام وهذه رؤية سالبة لأن ما يترتب على الإسقاط من فوضى أخطر من إستمرار النظام القائم، ثم إن المعارضة نفسها غير مؤهلة لقيادة وطن كالسودان تحيط به الاطماع من كل جهة وتحاك ضده المؤامرات وأصبح مجلس الأمن والأمم المتحدة مطبخا تجهز من خلاله الوجبات الدسمة وتقدم في طبق المعارضة، لهذا فالمعارضة لا يمكن أن نسميها معارضة بالمعنى المعروف المتفق عليه حزب حاكم وحزب معارض يقدم النصح والارشاد والتصويب للحزب الحاكم فيما فات أو غفل عنه وهذه الغفلات والهفوات للحزب الحاكم يستغلها الحزب المعارض ويجعل منها مادة للانتخابات المقبلة عسى ولعل أن يحكم، هذا هو النهج المعروف في العالم وفي الممارسات الديمقراطية عكس ما تمارسه أحزاب المعارضة التي تجعل من الوصول الى الحكم الهدف الاول والنهائي مهما كانت الوسائل المستخدمة في تحقيق ذلك. لذلك يمكن ان نحكم على المعارضة السودانية بأنها إحدى المهددات الداخلية الخطيرة لمواقفها السالبة والمترددة على الاقل في قضايا الاجماع الوطني، فليس من العقل أن تتحالف المعارضة مع الحركات المسلحة أياً كانت حركة شعبية قطاع شمال أو جبهة أو فجر جديد. البعد الثاني: الصراع القبلي يعتبر الصراع القبلي من المهددات الداخلية الخطيرة جداً للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد، ففي جو الصراع القبلي لا يمكن أن يحصل تقدم في أركان المجتمع الثلاثة السياسة، الاقتصاد، الاجتماع، لأنه في ظل الصراع تتجة كل جهود الدولة نحو تخفيف حدة الصراع. وشكل الصراع القبلي عندنا في السودان يحمل أيضاً بعدين، البعد الاول صراع حول الموارد، والبعد الثاني صراع سياسي، البعد الاول وهو الأكثر شيوعاً لطبيعة تركيبة المجتمع السوداني الريفي على وجه التحديد فالمجتمعات الريفية السودانية إما مجتمعات زراعية، أو مجتمعات رعوية وأضيف اليها اخيراً مجتمعات بترولية، وهى بطبيعة الحال مجتمعات متجاورة وطالما أنها متجاورة فلابد أن تكون متعاورة (المجاورات متعاورات) ويحصل التعاور نتيجة لعدم تقنين الاراضي الزراعية بشكل رسمي من الدولة وترسيم حدود كل قبيلة على حدة، وعدم وضع قوانين تضبط العلاقة بين الراعي والمزارع لهذا يمكن ان نقول ان القصور قصور حكومي من الدرجة الاولى لعدم سن قوانين تبين وتضبط العلاقات في كل مستوياتها الاجتماعية. أما بالنسبة للمجتمعات البترولية الريفية الحديثة والتي تقوم الحكومة أحياناً بتعويض أصحاب الارض المعنية دون ان تعلم علم اليقين أنهم أصحاب الارض الحقيقيون، فتظهر قبيلة أخرى تقول إن الارض تخصها هى ولابد أن تجد تعويضا من الحكومة وإلا فستأخذ من القبيلة الاولى بالقوة وهنا ينشأ الصراع فهذه نقطة تحتاج الى علاج ودراسة مسبقة قبل وضع العلاج المناسب حتى نستطيع طي ملف الصراع القبلي في وطن يسع الجميع. البعد الثاني وهو البعد السياسي لاشك أن القبائل السودانية منضوية تحت أحزاب سياسية حتى ان بعض الاحزاب قسمت القبائل بناءً على لون البشرة فمن كان أسودَ أو زنجياً ينبغي ان ينتمي للحزب الفلاني ومن كان أحمرَ أو عربياً ينبغي أن ينتمي للحزب العلاني وهكذا نأت بنا السياسة بعيداً عن الجادة ووفقاً لهذه التقسيمات أحياناً تنشأ الصراعات بين القبائل، ولأن قادة الاحزاب هدفهم النهائي هو كرسي الحكم فلا يهمهم بعد ذلك حتى ولو فنيت جميع القبائل. إذن هناك جملة من التقاطعات الاجتماعية والسياسية التي تهدد كيان هذا المجتمع وتماسكه، ولذلك وحتى نتجاوز هذه المرحلة لابد للحكومة ان تقوم بتنفيذ بعض السياسات التي تحد من هذه الظاهرة ونسوق بعض الامثلة البسيطة التي يمكن ان تساعدنا في هذا الاتجاه. أولاً لابد من سن قوانين وتشريعات تحدد وتبين العلاقة بين الراعي والمزارع وتضع عقوبات رادعة للرعاة الذين يعتدون على المزارع وهم في غالب الاحيان المبادرون بالمشاكل، كما تبين خطوط سير الرعاة في الحِل والترحال وتحديد مساراتهم بعيداً عن المزارع. ثانياً: لابد من التدخل الحكومي العاجل لاستقرار الرُحل وإجبارهم على تعليم اولادهم حتى لا ينشأوا مثلهم لأن أى تغيير لعنصر بشري لابد أن يسبقه تغيير في العقلية، ولابد من تكثيف التوعية لكبار الرُحل الذين هم أحياناً يكونون شرارة الصراع. فلكي نتجاوز هذا المهدد الخطير لابد من توسيع دائرة المعالجة، ولابد من تفعيل دور كل الاجهزة الحكومية إبتداء من وزارة الزراعة والثروة الحيوانية وإنتهاءً بأصغر وحدة حكومية أو مدنية يمكن ان تساعد في حل هذا الاشكال. ثالثاً: يجب إعادة النظر في التعويضات عن الاراضي البترولية خاصة وأن المعادن ثروة قومية ينبغي الا تخضع لموازنات القبيلة أو العشيرة إلا من باب الخدمات العامة كالمدارس والمستشفيات وغيرها، والتوظيف لأبناء المناطق المنتجة للبترول لكن تعويض قبيلة باعتبار أن البترول عابر بأراضيها فذلك نوع من العبث والترضيات السياسية ليس إلا، يمكن إستثناء أصحاب البساتين المنتجة في حال تأثرهم مباشرة بتعويضات تجبر الضرر وتزيل الغبن كما حصل لاصحاب النخيل الذين تأثروا بقيام سد مروي. تلك كانت قراءة سريعة لبعض التحديات الداخلية التي يعاني منها الوطن ولسوء الحظ والقدر المكتوب علينا داخلياً بعدم الاستقرار والاحتراب القبلي هنا وهناك، لم نسلم أيضاً من مكر الماكرين وحسد الحاسدين الذين يعجبهم عدم الاستقرار السياسي والذين يسعون لتقويض النظام القائم عبر دعم الحركات المسلحة وتحريش المعارضة والعقوبات الاقتصادية وغيرها من الوسائل التي ظلت تمارس على السودان منذ 9891م الى يومنا هذا، ولم تجدِ نفعاً لكن وكما يقول المثل السوداني (المودّر بفتح خشم البقرة) قدم السودان للمجتمع الدولي كل شيء واستجاب لأشياء وهو مكره، لكن رغم ذلك يظل الغرب يفتح فاهه ويقول هل من مزيد من التنازلات والغاية من ذلك كله تفتيت وتمزيق الوحدة السودانية وإضعاف حركة الدولة هذه هى التحديات الخارجية التي ما انفك السودان يعاني منها ولم تستوعبها المعارضة الداخلية التي كان ينبغي ان يكون موقفها مع هذه التحديات موقف المساند والمعاضد للوطن أياً كان من يحكمه طالماً أنه سوداني المولد والنشأة، أما أن تكون المعارضة بوصلة للعملاء فذلك امر مرفوض وخيانة عظمى للوطن دونها الموت الزعاف، فالتحديات الخارجية لا تنشط في ظل السند الداخلي من المعارضة التي انتظرت كثيراً دون جدوى فلا النظام انهار بعد ربع قرن من الزمان، ولا الحركات المسلحة التي تنمو كأنما الاعشاب الطفيلية استطاعت أن تخطو خطوة واحدة نحو الخرطوم على الاقل تبل ريقها، اللهم إلا الصيحات المتتالية من حين الى آخر جبهة ثورية ثم فجر جديد وهلم جرا. يجب أن يدرك أى وطني أن التدخل الخارجي لا يمكن أن ينشط مالم يجد مساندة وما لم يجد إشارة من الداخل. تظل التحديات الخارجية الهاجس الاخير الذي يمثل عقبة كؤود أمام السودان، وتظل الولاياتالمتحدةالامريكية هى حاملة الراية في هذا الاتجاه، فحتى كتابة هذه الاسطر تبدو السياسة الخارجية الامريكية تجاه السودان غير واضحة ويشوبها الكثير من الغموض، بل ان بعض المراقبين يرون أن كل الازمات السودانية سببها الولاياتالمتحدةالامريكية فهى الداعمة والراعية للحركات المسلحة، وهى المحرشة لدولة الجنوب خاصة في سياساتها الخارجية تجاه السودان التي لم تبارح محطة العداء منذ أن أنفصل الجنوب عن السودان في عام 2102م رغم الجهود السودانية التي بذلت من أجل تجاوز كثير من العقبات بين البلدين كقضية البترول وفك حظره من طرف الحركة الشعبية أو في ما يتعلق بالقضايا السياسية وقضية ترسيم الحدود وغير ذلك من القضايا، نأمل أن يكون الحراك الأخير بين البلدين فاتحة خير للعلاقات السودانية الجنوبية بما يخدم مصالح شعبي البلدين.