أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضربة الجزيرة أبا كانت مؤلمة بالنسبة لنا، والنظام كان قاسياً في معاملته واستعان بحسني مبارك
الشيخ/ أحمد عبد الرحمن رئيس مجلس الصداقة الشعبية القيادي بالحركة الإسلامية ل(مراجعات): (4)
نشر في الصحافة يوم 29 - 03 - 2013

خير من يؤرخ لمرحلة وحدث سياسي هو من عاش الحدث وصنع أحداثه، وأزعم أن ضيف (مراجعات) الشيخ/ أحمد عبد الرحمن، رئيس مجلس الصداقة الشعبية القيادي بالحركة الإسلامية، ممن عاشوا الأحداث الكبيرة في تاريخ البلاد وممن صنعوها نجلس إليه ليضع سهمه في كنانة التوثيق للتاريخ الذي عايشه وعاصره.
٭ واحدة من الاتصالات التي تمت بينكم وبين الإمام الهادي كان المطلوب منها أن تقود المواجهة مع نظام الرئيس جعفر نميري، ذكرت لنا أن الإمام الهادي اشترط أن تكون المواجهة داخل الأرض، ما هو دور الحركة الإسلامية وماذا كنتم تطرحون؟ وعلى ماذا أصر الإمام الهادي؟ وماذا الثمار العملية لهذا الإصرار؟
-كانت الجبهة الوطنية مكونة من الوطني الاتحادي والجبهة الإسلامية والإخوان والأنصار، وكان الأنصار هم الثقل بالنسبة للمقاتلين. نحن أعطينا تفويضاً كاملاً للجبهة الوطنية من الداخل، وكذلك أخذنا موافقة مفتوحة من الإمام الهادي بأن هذا النظام ينبغي أن يُواجَه عسكرياً. كانت الجزيرة أبا هي أول تجربة وجدنا فيها دعماً مفتوحاً. لم تكن لدينا مشكلة في الإمكانيات فقد توفرت لنا كل المتطلبات الضرورية، والخطة الإستراتيجية هي أن هنالك قوة مدربة، وقامت إثيوبيا بفتح أبوابها لهذه الجهة لأنهم -الإثيوبيون- لم يكونوا على وفاق مع نظام نميري، وقام الإخوان باستقطاب عدد من العناصر القيادية للتنظيم والقيام بأدوار كثيرة لا يستطيع الأنصار القيام بها.
وبكل أسف في مواجهة أبا كان الصادق المهدي في السجن بالداخل، وكانت هناك قوى في الداخل تنازع الصادق إلى أن يصالح وجعلته يقابل النميري، ونحن كنا نرغب في هذا، ولكن عرفنا أنه موافق ومبارك للعمل وافتقدناه باعتباره عنصرا مهما. كان وجود قيادات الأنصار ضعيفاً ما عدا عمر نور الدائم، وهذا كله في المرحلة التي كنا فيها بإثيوبيا. كانت قيادات الحركة الإسلامية عندها وجود أكبر حول الشريف الذي كان يمثل الرئاسة إلى حد كبير. في جدة كنت مسؤولا منهم وكنت أقوم بزيارات لهم لأني كنت مهتما بأن أكون في الصورة إذ كنت مهتما بالدعم اللوجستي.
٭ لماذا رفض الإمام؟
-الإمام بمجرد أن وصلته الشحنة الأولى من السلاح وحبكت الخطة جيدا اعتقد أنه كثيرا جدا وأعطى تعليمات أن لا يأتي سلاح ثانية. في الجزيرة أبا بدأ ناس يتحدثون بأن هناك سلاحاً في الجزيرة أبا وهذا من الأشياء الذي أخافت الإمام. وحول هذا الموضوع قمت بسؤال محمد صادق الكاروري الذي كان معه وكان معه أيضا محمد صالح عمر وعلمت منهم أن مقابلتهم للإمام لم تكن لصيقة، وكان لديه جماعة من أهله لا علاقة لهم بالسودان. وأذكر أن واحدا منهم كان في مصر، ولكن كان هؤلاء هم المحيطون به، ولم تكن قيادات الحركة الإسلامية على اتصال ووفاق، وأنا متأكد أن قرار رفضه لم يستشر فيه أحداً منهم وذلك حسب حديثي مع محمد صادق الكاروي الذي كان يقطن معه، ولكن هذا كله معناه أنه لا يمكن أن يملك التقدير السليم لوحده عن كل ما يحيط به ويحيط بالعمل في الخارج. قرار الإمام بعدم دخول سلاح مرة ثانية كان "قاصمة ظهر"، نسبة لأن كل الناس كانوا يعتمدون بشكل كبير على الأنصار بوجه الخصوص.
٭ إذن ما هو سبب رفض الإمام؟
-لا نعرف السبب، وهذا هو السؤال الذي لم نجد له إجابة، وكان أقرب رجل له هو الكاروري وكان لا يعلم وفوجئ به هو أيضا.
٭ ألم يكن راغبا ومتشجعا للعمل العسكري؟ أم أنه لم يكن مقدرا للمعركة؟
-لا لا، بعد أن وافق وعلى ضوء تلك الموافقة قمنا نحن بالتحرك، وقمنا باتصالات بالمسؤولين في الخليج وابنه ولي الدين أتى هناك وقابل الملك (فيصل)، وكنت أنا شاهدا على هذا، وكل الخطط كانت تسير بصورة جيدة، ولكن الإمام بدل رأيه ويأمر الأنصار بعدم إرسال سلاح. صدم الشريف بذلك القرار لجهة أن ذلك القرار قام بتعطيل الخطة أجمعها، والخبراء الذين أتينا بهم تم اعتقالهم في إثيوبيا، وهؤلاء الخبراء كانوا على استعداد بتدريب عدد كبير من الناس.
أعتقد أن الخطة كانت تسير بطريقة صحيحة، ولكن كل هذا أجهض عندما قام السيد الهادي بتغيير رأيه ورفض السماح بأي تدفُّق للسلاح في الداخل، إضافة إلى عدم ذهاب الأنصار إلى التدريب، وأصبحت إدارة التدريب داخل الجزيرة أبا مغامرة واضحة. وعندما ذهب نميري للنيل الأبيض حدث له استفزاز كبير بسبب المعلومات التي وصلت له من أقرب الناس للأنصار بوجود سلاح في الجزيرة أبا. أرسل نميري (أبو الدهب واللواء حسن أمين) لمخاطبة الإمام الهادي لكنهم دخلوا الجزيرة أبا بصعوبة كبيرة، وطلب الإمام شروطاً يتوجب أن يفعلها نظام نميري، ولكن هذه المذكرة في تقديري لم تصل إلى نميري وأمسك بها أناس لهم عداء للجزيرة أبا، ولم يعطوا نميري فرصة لقراءتها بأن الإمام مستعد للتفاوض على ضوء هذه المذكرة، وبكل أسف اشتعل المناخ بشدة، لأن العداء الذي ووجه به نميري في الجزيرة أبا أوضح له أنه ليس هنالك خيار غير المواجهة.
في ذلك الوقت أنشئ في الجزيرة أبا خندق بطريقة بدائية يتدرب فيه عدد من الأنصار بطريقة بدائية وواجهتهم قوة نميري الكبيرة الضاربة، وبعد يومين من ضرب الجزيرة أبا وصلني الخبر في جدة عبر مهدي إبراهيم، وقمت بتنظيم مؤتمر صحفي حضره علي عبد الله يعقوب. ولكن قبل ضرب الجزيرة أبا اتفق الأنصار بعمل انصرافي ليشغلوا به الجيش وحاولوا نسف الكهرباء في محلج القطن لصرف نظر القادم من أبا وتمكين الإمام من الخروج. في هذا الوقت أخذ الإمام "لوري" وخرج متوجها إلى إثيوبيا وفي الحدود عند الكرمك، قابلهم "لوري" وكشفهم أصحاب ذلك اللوري وقاموا بالتبليغ عنهم عند أقرب مركز شرطة، وقامت الشرطة بالتبليغ عنهم في الخرطوم، ووجدت الشرطة الإمام وجماعته وهم يمشون على أقدامهم فقاموا باستهداف الإمام لاعتقادهم أن الإمام يريد ضربهم، وقاموا باعتقال ابن الإمام وخاله وأخذوا الإمام وهو ينزف إلى الخرطوم، لكن لا أحد يعلم ماذا حدث بعد ذلك.
٭ ما كان تأثير غياب الإمام ومقتله على العمل المسلح؟ ولماذا فكرتم في يوليو 1976م؟
-لأن ضربة الجزيرة أبا كانت مؤلمة بالنسبة لنا، والنظام بالغ إلى حد كبير وكان قاسياً في معاملته واستعان بمصر (حسني مبارك). وأذكر أن نميري سئل عن متى قام بمقابلة حسني مبارك فقال "عند ضرب الجزيرة أبا"، وكان هناك شهود عيان قالوا إن الطائرات المصرية قامت بضرب الأنصار، وهذا الذي أجج صدورنا لمواجهة النظام ودفع بأعداد كبيرة من الأنصار في الهجرة إلى الجزيرة أبا بحثا عن الإمام.
٭ هذا يعني أن الدافع الكبير بالنسبة لكم هو الانتقام لما دار في أبا؟
-نعم هذا من الأسباب لأن ضرب الجزيرة أبا كان مؤلما بالنسبة لنا.
٭ ما هو دور الإسلاميين في الجزيرة أبا وكذلك دورهم في الثاني من يوليو؟ وهل كان هذا الدور محل ترحيب؟ أم كانت هناك مضايقات؟ يوجد حديث يقول إن الذين دفعوا الإمام لمواجهة عسكرية هم الإسلاميون، وأيضا في 2 يوليو كان هناك حديث أن الإسلاميين لم يكن مرحبا بهم لا من قبل الاتحاديين ولا حتى من قبل حزب الأمة؟
"والله الفي القلب في القلب" لكن في الظاهر كان مرحبا بنا، وكنا خائفين تماما من هيلا سلاسي (إمبراطور إثيوبيا) لجهة وجود عناصر تابعين لنا كانوا يكتبون في الصحف ضده وضد إثيوبيا على رأسهم زين العابدين الركابي، وهنا في الداخل لم نجد مضايقات لأن الإمام كان مرحبا بالحركة الإسلامية، وكنا بالقرب خاصة أثناء ضرب الحزب الشيوعي وكنا نستعين به.
ولكن في 2 يوليو كان مطلوباً من الإسلاميين الحضور للإذاعة، وهناك من يقول إنه صدرت أوامر بعدم دخول الإسلاميين للإذاعة من قبل حزب الأمة ومن قبل السيد الصادق المهدي، وهذا واحد من الشواهد على عدم الترحيب بالإسلاميين في العمل المسلح؟
أقول لك إنه بدت لنا الكثير من المؤشرات بأن القوة المضوية تحت الجبهة الوطنية بأسها بينها شديد لا يختصر الموضوع بأن رفاق الدرب الاثنين متفقان أن لا يكون للحركة الإسلامية دور خاصة بعد الانتصار في 1976م.
٭ لماذا؟
-هم يخشونه وأسألهم أنت والجواب ستجده عندهم، لأنهم يشعرون أننا نمثل المستقبل أكثر منهم، وإذا كانت هناك منافسة حقيقية فهي نحن وقد استطعنا أن نخترق أبناءهم الذين كانوا يأتون إلينا، وواضح أن موقفهم متناسق مع عملهم في السياسة.
٭ أعتقد أنه كان هناك توجيه لكوادركم بأن يتزوجوا من بناتهم؟
-لا هذا كله حدث عفويا، وربنا أراد هذا وعمل لنا حماية، وعندما نشطنا في أكتوبر لولا المصاهرة لكان وضعنا مختلفا.
٭ توترت العلاقة بينكم وحزب الأمة وظهر ذلك في عدم الترحيب بكم في الخرطوم خاصة في حادثة الإذاعة، ما هي الشواهد في هذه الغيرة أو هذه المجانبة؟
-هذه مسألة طبيعية عند أي أحزاب تتنافس على مستقبل السلطة في السودان، كان ضمن ضعفها بداية منافسة قوية بين الأحزاب، وقبل أن يتحقق الغرض بدأ كل طرف يشعر أنه عندما يقوم باستلام السلطة يريد أن يكون مرتاحا ويعتقد أن الناس لن تدعه، ولا أبرئ الشريف والسيد الصادق المهدي، ذلك لأنهم كانوا يخشون وجود الإسلاميين في السلطة حتى بعد مشاركتنا معهم للخلاص من نميري، كانوا يعتقدون أن الإسلاميين الخطر الحقيقي على السودان.
ونحن منذ أن قمنا بالتفكير في من يقود الحركة الإسلامية هم استأثروا بهذا، وآثروا أن يختاروا الشهيد محمد نور سعد. وفي المراحل الأخيرة ونحن داخلون على السودان حين كنا نريد أن نشرع في الحركة، اجتمعت به بوجود السيد الصادق في لندن قبل أن يغادر، وحضر الاجتماع أحد الأشخاص الذي قام بتبليغ جعفر نميري بأن هناك قوة قادمة لضرب الخرطوم عن طريق الجنوب والنيل الازرق، وأصبح النميري على علم أن هناك جماعة، ولكن محمد نور سعد لم يستطع أن يخفي عداءه للحركة الإسلامية.
أذكر أننا ذكرنا موضوع الإذاعة وقد قلت له إننا كحركة إسلامية لدينا إذاعة متجولة مسؤول عنها أشخاص محددون فالأفضل لك أن تكون (رسورسز) ولا يوجد وقت، ونحن نريد أن نوظفها لمصلحتكم وكان مهندس الإذاعة لديه علاقة بمبارك الفاضل، وقلنا إنه في حالة (فشل السيطرة على الإذاعة) لا قدر الله فإن إذاعتنا وإذاعة (سوبا) إذاعة متجولة (ستقوم بالمهمة)، فقام بالرد علي ب"أي شئ يتحرك سأضربه". استغربت هذا الذي سيقود لنا الحركة ونحن جزء منها. غضبت وحاولت الخروج ولكن السيد الصادق قام بإرجاعي.
وهذا ليس المؤشر الأول، فعندما قدمنا على أساس أننا نريد دخول الخطة، من جانبهم استأثروا بذلك واعتقدوا أن هناك أماكن هامشية يجب أن تسلم لأعضاء الحركة الإسلامية، وهم بكل المقاييس متقدمون جدا على كل القوى الموجودة، حتى أن الليبيين قالوا لنا إنهم أفضل من الضباط الذين لدينا ومعظمهم قياديون الآن موجودون في البلاد وبأعداد كبيرة، وهؤلاء قالوا كتابة إنهم لا يريدون أن يدخلوا السودان، وكان ذلك كتابنا، وقد أحضر لي إبراهيم السنوسي في جدة جوابا فحواه أنهم أعلنوا استغناءهم عنهم ولا يوجد داعٍ (للاستعانة بهم)، لأن هؤلاء لديهم أهل وسيبحثون عنهم ففضلوا الأنصار باعتبار أن ليس لديهم أهل وهذا هو المبرر الذي برروه. فأرسلت إلى إبراهيم السنوسي بأن ينتظر ما دام هذا قرارهم، واتصلت بالأخ عمر نور الدائم وأبلغته أن تلك الحكاية (شوبن)، واضطر بأن يذهب إليهم ويقنعهم بأن لا يستغنوا عن الذين تدربوا معهم لفترة طويلة، وأرسل لي جوابا بأنه قام بمراجعة الشريف والصادق، وأقنعهم بأن يدخل الجميع حتى غازي صلاح الدين العتباني نسبة لأنه أبيض (اللون) وكان مرفوضا من تلك القوى.
المهم أنه في ذلك الوقت لم تكن نيتهم صافية معنا، "بعد وافقوا يدخلونا قالوا لينا ما عندنا ليكم أي استعدادات عشان نسكنكم أو نحرككم وسلمونا مسائل هامشية جدا كالهاتف والمطار، ولكن هم ما عارفين إنو نميري في المطار والهدف الكبير هو المطار" وأتوا مؤخرا وقام واحد من إخواننا أسكنهم في "حوش مغلق في اللاماب بحر أبيض" فأتوا في السابعة صباحا للذهاب إلى المطار باعتباره أصبح هدفا كبيرا. ولسوء الحظ قام شخص بالتبليغ عنهم، وخرج نميري ببري من هناك، وغير هذا قيل إن أي أحد يتبع للحركة (الإسلامية) يأتي إلى الإذاعة فسيصفى. وفي ليلة التنفيذ أصبح الأمر مثل السوق ولا يوجد رجل ثانٍ للقائد محمد إبراهيم، ولكن كل الجماعة التي اشتركت كان من جماعة الأنصار وكانت جماعة الشريف محدودة وكانوا قليلين، ولكن كانوا يصيحون في الليل قبل أن يدخلوا إلى أم درمان، وطبعا ليس لديهم وعي كبير وكانوا يسألون: أين الإذاعة والقصر والمدرعات، ولم يكونوا يملكون أدنى فكرة، ولكنهم قاموا بعزل الإخوان القياديين الموجودين معهم في العاصمة، ولم يحضروا ليلة الإعداد والتنفيذ وتوزيع الأسلحة، "وأنا من هناك قلت ليهم إنتو حاتقعدوا تكوركوا تقولوا الإذاعة وين ومحمد نور ليس لديه مساعد".. وفعلا كانت بالنسبة لنا حكاية لا يتمناها أحد.
٭ ما تأثير هذا عليكم فيما بعد؟ هل بدأتم تشعرون بأنه ليس لديكم مكان آخر في الجبهة الوطنية، وحينها أصبحتم تتطلعون لمصالحة مع نميري وحدكم؟
-طبعا الذين باشروا تلك التصرفات التي حدثت والسلوكيات الأخيرة من الصعب أن يتم إقناعهم، وأصبح أمرا واقعا وشعرنا بحرج كبير بأن هذه النهاية. من جانبنا نبدأ المواجهة خاصة أننا وصلنا إلى قناعة أن جماهيرية القذافي آخر ما ترغب فيها الحركة الإسلامية وهذه لا تحتاج منا إلى دليل، وبكل أسف كانت الفاجعة أن حلفاءنا كانوا لا يظنون بنا خيرا، وكانوا منطوين على عدائنا، ورغم هذا لم نتعجل وحاولنا لملمة أطرافنا. في الحقيقة تلك الضربة كانت صعبة على حزب الأمة نسبة لوجود مجموعات كبيرة في معسكرات في إثيوبيا من جماعة الإمام الهادي على وجه الخصوص، "وهؤلاء أناس ربنا يجازيهم بنيتهم فقد خرجوا للجهاد، وليس لديهم غرض في الدنيا ودفعوا ثمناً كبيراً نتيجة للمواجهات التي عملوها ضد النظام، وربنا يبرينا نحن من مساهمتنا في الدماء التي أزهقت ويغفر لنا اشتراكنا في هذا، وهم مساكين دفنوا أحياء في الحزام الأخضر وامتلأت بهم السجون أكثر منا".
شعرنا أن الصادق المهدي بدأ يحس أن لديه مسؤولية أكبر منا جميعا تجاه الأنصار على وجه الخصوص وأنهم هم الضلع الكبير. ولاحظت أن الشريف (حسين الهندي) يعتقد أنه من الممكن أن تكون هناك محاولة ثالثة لأنه كان لا يزال بنفس القوى والديناميكية في الاستمرار في المواجهة، وهذا وجد استحساناً كبيراً من الليبيين، ولكن السيد الصادق عمل مبادرة قمتُ بتهنئته عليها دون أن يجمعنا مكتب قيادي في الحركة الوطنية الذي كنا فيه سبعة أشخاص، ولكن أعتقد أن ذلك كان قراراً سليماً.
٭ بعد فشل تجربة 1976 هل كنت شخصيا مقتنعاً بأن المواجهة مع النظام لها فائدة؟
-قلت لك "ما لقينا فرصة". فمن هول الضربة لم نقدر على الجلوس وتقييم الذي حدث ورؤية ما سيحدث. بدأنا بإعادة النظر "كنا دايشين إنو الحدث ده شنو".
٭ هل كنتم تشعرون بثقة تجاه الفرقاء؟
-لا بدأنا نتشكك جدا وأعدنا النظر في ذلك الأمر وبدأنا نقرأ الحدث بأثر رجعي وشعرنا أنه آن الأوان لعمل لقاء جامع نتفاكر فيه مع إخواننا في الداخل لتقييم الحدث وماذا بعده. ونحن في هذه المرحلة أطلق السيد الصادق المهدي مبادرة سمعنا بها من الوسيط الذي كان هو المرحوم فتح الرحمن البشير، رحبنا بها جدا نسبة لقراءتنا للأحداث وشعرنا أن أفضل شيء ليس مواصلة مواجهة النظام.
٭ مقاطعة: لكن كان هناك لوم كثير للصادق لأنه عمل المبادرة من وراء حلفائه وشركائه السابقين؟
-رغم هذا اللوم كنا راضين عنه من دواخلنا، وقمتُ بتهنئته، ولكن عثمان (خالد مضوي) لم يكن راضيا هو والشريف، وكذلك الليبيون كانوا غير راضين لأنهم يريدون أن يدخلوا بنا معركة ثانية. وقد قلت للترابي الذي كان في السجن إن الذي قام به الصادق يعتبر أفضل قرار. وأتى إلينا الشيخ علي عثمان ورتبنا الأمر بضرورة انتهاز تلك المبادرة وأن لا ندعها تنتكس. والحمد لله أنها أتت من السيد الصادق لجهة أننا لم نكن نقوى في خضم ذلك العداء والمواجهات بأن نبادر، وقواعدنا من الصعب أن تتقبل ذلك.
قمت باستدعاء ربيع حسن أحمد من أمريكا وقدم إليَّ في لندن وعملنا لقاءات في جدة وأوروبا وكل الأماكن التي بها عناصر إخوانية.
٭ لماذا أتيتم بالشيخ علي عثمان محمد طه؟
-أحضرناه ليتم تبصيره بما تم ورأينا ورأى الإخوان في الخارج أننا كنا نخشى من طلاب جامعة الخرطوم، لجهة أنهم من الصعب أن يتقبلوا ذلك الأمر فيقود إلى مواجهة وشهداء وهكذا، وأعتقد أنها قفزة كبيرة، وعندما أتى شيخ علي إلينا كانت هذه أول مرة أقابله فيها.
٭ مقاطعة: أين أتى شيخ علي إليكم؟
-في لندن. الحكاية دي كلها مدورة في لندن. بعد أن أتى الشيخ علي ثبتنا على المصالحة واستطعنا أن نلملم أطرافنا وأن نكون على كلمة رجل واحد، وأن خيارنا الأمثل هو السودان ونميري، وأصبحت الرؤية واضحة جدا. وبمجرد قدوم السيد الصادق إلى بورتسودان حكى لنا ما يحدث، تمت مواجهته بمقاومة قوية من الشريف حسين وعبد الرحمن خالد، ولكن الحق يقال إنه قال إن كنتم تعتقدون أن هذه ليست مصلحة السودان وأنا تصرفت تصرفا خاطئا وفرديا فسأذهب ل(بي بي سي) وأنسف كل شيء.
وعلى الفور فوجئنا جميعا أن الشريف دون غيره قال إن السيد الصادق المهدي مفوض "وطبعا الحكاية خلاص". كل الناس صمتوا لأنه (الشريف) أمس كان رافضاً، وقمنا نحن بسؤاله فقال لقد شعرت بأنه لا توجد طريقة أخرى غير أني أوافق على الخطوة التي عملها الصادق لأنه إن وقفنا ضده سيبعد ولن نجده أبدا، والأفضل أن نكون قريبين من بعضنا تفاديا لحدوث فجوات كبيرة ويغادرنا. لكن الشريف لم يكن مصالحاً، وبعد يومين اقترحت على فتح الرحمن البشير أن يخبر جعفر نميري أننا كحركة إسلامية موافقين كخط لوحدنا.
٭ لوحدكم؟.. هل أخبرتم الناس أو أخبرتم الشريف؟
-لا الشريف عرف بعد ما جينا هنا.
٭ لم تكلموه؟ عملتم نفس عملية السيد الصادق كل شخص اشتغل لوحده؟
-أتيت وربيع حسن أحمد ونزلنا في منزل فتح الرحمن البشير، وقال جعفري نميري خلال كلمة بأنه قابل الصادق المهدي وأعلن عن استعداده لمقابلة اثنين من الجبهة الوطنية، وقال "كان جاء الشيطان حأقابلو".
٭ الشيطان ده منو؟
-(ضحك) الشيطان ده الشريف بقى، نحن انتظرنا لمدة ستة أيام وعجز فتح الرحمن البشير في ترتيب مقابلة لنا مع نميري، مع أن نميري قال إنه سيقابلنا، ولكن كانت قوة نميري في ذلك الوقت شرسة جدا بسبب ما حادث في ذلك الوقت وليست على استعداد بقبول مصالحة. ونميري عملها معنا واحدة واحدة ونحن قلنا نذهب وليس بالضرورة أن نقابله، لأنه أرسل إلينا إشارات تقول إنه مع المصالحة 100%.
عدنا إلى لندن وأخبرنا بتجربتنا بعد أن قمنا هنا بمقابلة رجال الأمن وعلمنا كيف يفكرون. أنا ذهبت للسجن وقابلت إخواننا الذين كانوا معنا في الجبهة الوطنية من المعتقلين. كانت هناك جماعة قاطعوني ولم يقابلوني وجماعة أخرى قابلتني وقمت بشرح ما حدث لهم وما نفعله هناك، وقلنا لهم إننا نريد إغلاق صفحة المواجهة هذه تماما، "والسودان ليهو حق علينا ولازم نشفق عليهو لأنو تعب جدا".
٭ وما هي إستراتيجية الحركة الإسلامية مع مايو؟
-إستراتيجيتنا نضعها بوضوح. نحن كنا حريصين أن نرتاح وجماعاتنا تخرج من السجون فالفترات التي سجن فيها جماعاتنا فترات طويلة، "الجماعة الحاكمين ما قضوها، الترابي أخذ ليهو سبعة سنين من سجن لي سجن.. سجون السودان دي كلها كان حايم فيها". لذلك قلنا إن أول شيء هو استراحة نتنفس فيها، وبعد ذلك نفكر في ماذا نريد. الأمر الثاني وضعناه بشكل واضح هو أن الذي بيننا وبين جعفر نميري يجب أن لا يحول بيننا وتنفيذ برامجنا للشعب السوداني. لا نلحق إلى الأمن ولا غيره. وفعلا كان عند حسن الظن ووقف معنا وكان بالنسبة لنا صمام الأمان.
٭ أنت أتيت وزيراً للداخلية؟
-أنا جيت قبل الداخلية ودي كانت موافقة الشريف عملت عملية نفسية جدا وكنت رئيس اللجنة الفنية لمن شملهم العفو العام، فالعفو العام كلنا كتبنا أسماء غير مرضي عنها.. أقنعنا نميري بالعفو عنهم. كل الأسماء العاملة (في الجبهة الوطنية) أدرجناهم في العفو العام وكتبناهم غيابيا ومضينا عنهم وأرسلنا (القائمة) إلى نميري الذي عفى عنهم، ولو جينا شاورناهم أي واحد "يقول ليك لا ما يكتبوني ولا عايز عفو". فقمنا بالتمهيد لهذا الطريق وأتيت وكنت مسؤولا في لجنة في القصر للنظر في كل الذين أصابهم ضرر أثناء المواجهات مع نميري، ومكثت قرابة العام قابلت 1800 شخص كلهم ادعوا أنهم تضرروا، ولكن لا أعرف إن كانت دعاواهم صحيحة أم باطلة. لكن المهم كانت هذه مسألة نفسية. من بعدها اتفقنا أن لا نطالب نميري لمصالحته بوزارات وكان كافيا بالنسبة لنا أن لا يحول بيننا وبين الشعب السوداني وأن لا يتبعنا الذين يتبعون له، وقد أوفى بالتزامه. فترة نميري حصدنا فيها حصادا كبيرا جدا وأخذنا في تلك الفترة وزارتين الشؤون الداخلية والعدل.
٭ هل كنت في الوزارتين الإثنتين؟
-"اتنين هم"، العام الأول أدخلنا أنا ووزير العدل إلى مجلس الأمن القومي لأنهما كما قال "حسن سير وسلوك.. لأنو قالوا ديل ما مضمونين". مدير الجوازات ومدير السجون هم الذين أصبحوا يسألون، ولا يسألون وزيرا أبدا. والترابي كذلك. لكن بعد عام وجدتها عند الأخت بدرية سليمان وأطلعتني على كتابة تقول "نميري مات أما آن الأوان عشان وزير الداخلية ووزير العدل يدخلوا ويلحقوا بنا ما كفاية خلاص حسن سير وسلوك سنة". بعد أن دخلنا مجلس الأمن القومي وأصبحنا أعضاء رسميين فيه، أصبح الحديث عن الإخوان المسلمين، "وكانت شغلتهم كلها الإخوان المسلمين فعلوا وفعلوا ونحن ما بنعلّق بنعاين ليهم بس، لكن بعد شوية وقفوا بقوا يتكلموا عن قضايا السودان الأساسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.