مازلت اراهن على ان المؤتمر الوطنى لو استغل عشرة فى المائة من فهم وعلم ودراية وكفاءة منسوبيه وتجربته وخبرته فى الحكم، لو استغلها كما تقضى الشعارات والبرامج المرفوعة لادارة الدولة لما تورط وورط البلاد فى وحل الازمات السياسية والاقتصادية والامنية التى تعانى منها الآن، وليس هنالك ادل على بخل و«غتاتة» الحزب الحاكم سوى ما جرى فى الانتخابات الماضية بولاية كسلا. قبيل الانتخابات الماضية حضر الى كسلا وفد من امانة الإعلام بالحزب الحاكم فى مهمة غير معلنة تتعلق برصد اتجاهات الرأى العام بالولاية لاجراء استطلاع حول قائمة من ابناء كسلا كان الحزب ينوى الدفع باحدهم مرشحاً للحزب فى منصب الوالى، ولم يكن من بين تلك الاسماء الوالى الحالى محمد يوسف، وكانت الأوساط الشعبية تتداول اسم ادريس محمد عبد القادر الوزير برئاسة الجمهورية. وتعتقد ان الولاية فى حاجة الى شخصية نافذة مثل ادريس على مستوى المركز تستطيع انتشال كسلا من التردى والتدهور الذى اصاب الولاية جراء تأثرها بالحرب، وفى جانب الاحزاب الاخرى لم تكن تلك الاحزاب حينها مشغولة بقياس اتجاهات الرأى للاستعانة بها فى اختيار المرشحين والحملات والبرامج الانتخابية، وبعضها لم تكن لديها رؤية لخوض الانتخابات، والبعض الآخر مبيت النية لمقاطعة الانتخابات مبكراً، واخرى قررت الاعتماد على النفوذ التاريخى والولاء الطائفى واشارة «السيد»، ويبدو ان المؤتمر الوطنى عندما أدرك هذه الحقيقة ليس فى كسلا فحسب بل فى معظم الولايات، قرر ان يمد رجليه ليس على طريقة الإمام ابو حنيفة بل على طريقة حكاية حاج أبكر مع حكم المباراة، وهى طرفة تتداولها الاوساط الرياضية فى كسلا، ففى التسعينيات كان هنالك لاعب سريع ويجيد التسديد يلعب فى أحد فرق كسلا، وكانت مشكلة هذا اللاعب انه اما خرج بالكرة خارج المستطيل الاخضر او سبق الكرة الى مرمى الخصم، الامر الذى كان يجعله دائماً يقع فى مصيدة التسلل، وعندما تكرر نقض الحكم لاهداف هذا اللاعب فى احدى المباريات ضاق حاج أبكر ذرعاً من صافرة الحكم وصرخ باعلى صوته «يا ناس الاتحاد اما وسعوا الميدان او شيلوا الصفارة من الحكم، ودينى اللاعب ده لعاب لكن الميدان ضيق»، ويبدو ان المؤتمر الوطنى قرر خوض الانتخابات الماضية فى ذات الميدان الضيق المليء بالمطبات التنموية مع الاحتفاظ بصفارة الحكم، حيث القى بنتيجة استطلاعات وتطلعات اهل كسلا فى سلة المهملات، وحصر مهمة اختيار المرشحين فى دائرة ضيقة وهى مجلس شورى الحزب على مستوى الولاية، ثم اختار من القائمة ما يروقه، الأمر الذى ادى الى احراز اهداف كثيرة فى كسلا حتى الآن، ولكنها اهداف اما خارج الشبكة او اهداف مسجلة من تسلل، ومع كل هدف ضائع تتحسر الجماهير على الجهد والاموال المهدرة. فوالى كسلا الحالى منذ انتخابه ظل يفاجئ سنوياً سكان الولاية ببدعة جديدة تفزعهم فى كل مرة، ففى عامه الاول هدم مقار الوزارات وبيوت المسؤولين بوسط المدينة بدعوى اقامة مولات وحدائق ومنطقة سياحية، الامر الذى كلف خزينة الولاية اموالاً طائلة فى الصرف على ايجار مقار مؤقتة للوزارات وبيوت المسؤولين بما فيها منزل الوالى، وكذلك لجأت حكومة الولاية لبيع معظم الاراضى السكنية بمدينة كسلا لسد الفجوة بخزينة الولاية، فى وقت كان فيه كل من كرم الله عباس ومحمد طاهر إيلا يصرخان فى وجه المركز، أيضا تبنت حكومة الولاية العام الماضى مشروع اضاءة جبل التاكا، وفي هذه الايام حكومة الولاية مشغولة بمهرجان السياحة الثالث على غرار المهرجانات التى ظل ينظمها والى البحر الاحمر دون ان يرهق خزينة ولايته. هذه امور لم تكن فى حسبان سكان ولاية كسلا ولا تشغل بالهم ولا تأتى ضمن اولوياتهم واحتياجاتهم الملحة، كأن حكومة ولاية كسلا غير معنية بما يعانيه انسان الولاية من ارتفاع نسبة وفيات الامهات اثناء الولادة، وارتفاع معدلات الفقر وتردى الخدمات الصحية، وشح مياه الشرب فى معظم محليات الولاية، بالإضافة للأوضاع المعيشية الصعبة، وتفشى العطالة بين الشباب الذى يقضى يومه فى الجلوس في المقاهى والمطاعم على البنابر والكراسى الخشبية المهترئة، مقاهٍ تكاثرت فى سوق كسلا الكبير ونمت بجوارها محلات صيانة الموبايلات والاتصالات والتمباك والسجائر، وهى حالياً تمثل مجالات الاستثمار فى الولاية، حيث مازالت قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والصناعة مجالات غير مطروقة، وحكومة الولاية تعتمد على عائدات الاراضى والجبايات بعيداً عن تطوير القطاعات المنتجة. ويبدو أن الاوضاع التى تعيشها ولاية كسلا وانشغال حكومة الولاية بمشروعاتها المبتكرة مثل انارة جبل توتيل ومهرجانات السياحة التى تقام فى مساحة لا تزيد عن كليو متر واحد، يبدو ان هذا الامر يثير قلق قيادة الدولة، حيث كشف والى الولاية بنفسه فى مؤتمره الصحفى الذى عقده عشية افتتاح مهرجان السياحة الثالث، بحسب ما ورد بصحيفة «السودانى» يوم الثلاثاء الماضى الموافق 2 ابريل، كشف عن سؤال وجهه له رئيس الجمهورية عن المصادر التى تستمد منها الولاية ميزانيتها، وقال الوالى بحسب ما ورد بالصحيفة إنه اجاب الرئيس بالقول «من دقنو وافتلوا» فى اشارة منه الى اكتساب الولاية ميزانيتها من مصادرها الذاتية. واعتقد أن مجرد توجيه رئيس الجمهورية استفساراً حول مصادر تمويل هذه المناشط ربما يحمل قدراً من القلق والاستنكار والشفقة على حال المواطنين والاطمئنان إلى ان هذه المناشط لا تأتى خصماً على معاشهم. ففى ظل غياب شركات راعية لهذه المناشط واعتماد حكومة الولاية فى مواردها على الجبايات وبيع الاراضى، اخشى ان تكون الذقن التى تفتل منها الولاية هى ذقن المواطن المغلوب على امره، وأخيراً ندعو وفد الحزب الحاكم الذى زار كسلا قبل الانتخابات، ندعوه لزيارة كسلا هذه الايام، وإعادة اجراء استطلاع لاتجاهات الرأى العام بالولاية حول ما تشهده الولاية.