يقول كتاب أرقام وكلمات الذي أصدرته نقابة عمال السكة الحديد السودانية عام 1966 برئاسة محمد الحسن عبد الله وسكرتارية هاشم السعيد وهو عبارة عن دراسة احصائية تحليلية شاملة لمصلحة السكة الحديد (في ذاك الزمان) في مسألة الأجور فلقد وجهت الدراسة نقداً لكادر ويكيفلد في تقديراته لمأكل العمال وملبسهم وأنه ملئ بالحجج الباطلة والتوصيات التي لا تمثل مصالح العمال بل تمثل مصالح الحكومة الاستعمارية في ذلك الوقت. وتقول الدراسة بالرغم من كل هذه العيوب والنواقص لفئات الأجور كما وضعها ويكيفلد فلقد كان اصدار هذا القانون ضمن الانتصارات المهمة التي توصل إليها العمال عن طريق كفاحهم الطويل الشاق ولم يأت منحة من الدوائر الاستعمارية انتصار أمكن تحقيقه بفضل قوة ومنعة النقابات ووحدتها وتضامنها واتخاذها لطريق الكفاح الجماهيري القوي من أجل حقوقها وقد عملت الدراسة عدة مقارنات لتكاليف المعيشة في عام 1951 وعام 1966 وأخيراً يقول الكتاب الذي صدر عام 1966 وأخذت منه ما جاء حول الأجور للافادة منه في هذه المسألة التي تهم الفئات العاملة في القطاعين العام والخاص يقول هذا الكتاب (اننا نود هنا أن نؤكد اننا لا نضع في اعتبارنا فقط العمل من أجل زيادة الأجور النقدية للعمال بل يهمنا قبل هذا ان تتخذ الحكومة سياسة اقتصادية جذرية تمكنها من تركيز الأسعار في البلاد) لقد استفادت دراسة الجبهة النقابية من تجربة عمال السكة الحديد في نقدها لتقرير ويكيفلد وهيكله، فوضعت هيكلاً مماثلاً على واقع الحال في عام 1988 لرجل وأسرته المكونة من 4 أفراد وهذا الجدول (انظر الجدول 2) لا يتضمن مصاريف الثقافة والترفيه من صحف ومجلات وكتب وراديو وسينما ومسرح وتلفزيون بحيث يمكن اعتبار هذه الأسرة على هامش الحياة السياسية والثقافية ولا يتضمن بنوداً للفواكه والخضروات الطازجة والأرز والعدس والمعلبات واللحوم البيضاء مثل الدجاج والسمك، ولا يتضمن بنوداً كانت ضمن قائمة ويكيفلد مثل الذرة ودقيق القمح وأدوات الزينة والأكل والشرب والفرش والأثاث ولكنها تتضمن تكاليف تعليم الأطفال التي لم يضعها ويكيفلد في جدوله ويخلو الجدول (2) من مصاريف الأعياد الدينية والقومية كالأضحية ورمضان ومنصرفات الحمل والولادة والعلاج عند الاختصاصيين من الأطباء، ونخلص من هذه الدراسة عندما كان الجنيه السوداني سيد الموقف بقيمته الشرائية والحال كان أحسن من حالنا اليوم وإلى رأيها القائل «مهما زاد الحد الأدنى للأجور ليقارب تكاليف المعيشة فإن ذلك لن يحل القضية إلا إذا ارتبط بشعار تركيز الأسعار وتوفير السلع الضرورية وان تحقيق هذا الشعار يضع الحركة النقابية أمام مسؤوليات ومهام وطنية بعيداً عن النقابية الضيقة التي لا تنظر للأزمة الاقتصادية بمختلف جوانبها، حيث ان هذه المطالب تضع في اعتبارها مصالح الأغلبية الساحقة من الكادحين من الرعاة وصغار المزارعين والحرفيين وغيرهم ممن لا يعملون في جهاز الدولة والقطاع الخاص والذين لا تعفيهم أوضاعهم من التأثر المباشر بزيادة الأسعار التي تعقب كل زيادة طفيفة في الأجور وبهذا يتقدم شعار التخفيض والتركيز على شعار زيادة الأجور والحديث عن زيادة ومعالجات الأجور يشمل كل الذين مازالوا في الخدمة يبذلون عرقهم في مؤسسات القطاعين العام والخاص، أما الذين أفنوا زهرة أعمارهم في خدمة القطاعين العام والخاص وبلغوا سن التقاعد القانوني فيأتي ذكرهم عند زيادة الأجور من باب المجاملة فتتصدق عليهم الدولة بزيادة طفيفة على معاشات شهرية لم يتعد أقصاها المئة ألف جنيه (في عام 2003 عندما كان الجنيه يسمى ألفاً) هذا بعد التحسن وكثرة المطالبات والتي لا تغطي منصرفات معاشي فرد (على رقبتو) بلا أسرة وبلا سكن وبلا مصاريف ضرورية أخرى واذا كنت خلال الجداول المصاحبة لهذا المقال التي توضح الاحتياجات الضرورية للعامل بالدولة والقطاع الخاص وأسرته الصغيرة والتي لا أظن لجان الأجور المتعددة قد وضعتها أمام ناظريها وبنت على أساسها الحد الأدنى للأجور الحالي، فإنني أرجو أن تكون هناك دراسة دقيقة لمعاشيي الخدمة المدنية والتأمين الاجتماعي. والمعاشيون بشقيهم يختلفون في أوضاعهم من معاشي لآخر فمنهم الذي ليست له زوجة أو أولاد يساعدونه في خريف عمره ولم يتمكن لأسباب خاصة من امتلاك منزل طيلة مدة حياته العملية ولا أهل محسنون يساعدونه فكيف بهذا المعاش الضئيل يستطيع أن يواجه غلاء المعيشة وارتفاع الايجارات وهذه الدراسة عبء يقوم به اتحاد معاشيي الخدمة المدنية والاتحاد الطوعي لمعاشيي التأمين الاجتماعي وأن تكون محور نضالهم لتحسين أوضاع عضويتهم وختاماً أقول ان وزير المالية كان صادقاً مع نفسه وكذا الذين ساعدوه في وضع الميزانية من العاملين تحت امرته فهي خالية من أية زيادة في الأجور ان لم تكن اجمالياً معجزة وليس فيها مبلغ فائض تتصدق به على العاملين، ولا أظن ان البروفيسور غندور بحكم مركزه القيادي في النظام والحزب الحاكم لا يعلم ذلك ولكنها كانت معركة برلمانية دنكشوتية تصارع طواحين الهواء ونواب البرلمان (المجلس الوطني) شارك بعضهم في هذه المعركة أو المسرحية التي ظللنا نتابعها ونعلم نهايتها فقد شهدناها ثلاثة وعشرين عاماً ولم يسقطوها لأن اسقاطها في زمن الديمقراطية يساوي اقالة حكومة حزب المؤتمر الوطني الذي جاء بهم عبر انتخابات مشكوك في نزاهتها فقد اجازوها خالية من زيادة الأجور، ولولا تدخل السيد رئيس الجمهورية ارضاءً للبروفيسور غندور وتجميلاً لوجه اتحاد العمال أمام قاعدته ان كانت هذه الزيادة تجمله لما جاءت فوق المقرر «يعني يشوفوا ليها تغطية من أية جهة لترفع الميزانية المجازة» وهؤلاء النواب جاءوا بأصوات هؤلاء الكادحين الذين يطحنهم الغلاء ولم يسألوا أنفسهم عندما يخلدون إلى أسرة نومهم ان الزيادة إذا أجازوها حسب مقترح البروفيسور غندور 425 جنيها تساوي مرتب يومين بالنسبة لهم على أقل تقدير، ليعيش بها عامل بسيط شهراً كاملاً ولا تساوي ربع مرتب ومخصصات بروفيسور غندور ووزير المالية كل على حدة وما طمحت إليه دراسة الجبهة النقابية في عام 1988 ولجنة الأجور الحالية لا يمكن تحقيقه في ظل هذا النظام الحاكم ، إذ لا يستقيم الظل والعود أعوج ولكن على جماهير القوى العاملة النضال من أجل تحقيقه واجبار ممثليهم للتمسك به. ٭ عضو اللجنة المركزية لموظفي السكة الحديد حتى 30 يونيو 1989