: لم التقي بالدكتور غازي صلاح الدين أبداً إلا المشاهدة من بعيد، وقد قدرته عندما رد على خطاباتي الثلاثة في قضية دارفور عندما كان مستشاراً لها برئاسة الجمهورية، وكان رده كتابةً في خطابات مطبوعة عكس الآخرين الذي لا يخطرونك حتى باستلام الرسالة. والآن أود أن أرد عليه في ما كتب بعنوان من يحكم السودان؟ أولاً: نعم قد تساءل الرئيس نميري في أحد لقاءاته السرية التلفزيونية قائلاً: ويسألونك عن البديل؟ ورد على هذا التساؤل بأن البديل هو الفوضى. وأعتقد أن تساؤله كان منصباً حول النظام الذي وضعته ثورة مايو وهو تنظيم الاتحاد الاشتراكي القائم على تحالف قوى الشعب العامل الخمس بما فيها قوات الشعب المسلحة ليكون بديلاً عن الأحزاب التي تمزقت ولم يعد فيها حزب غالب. ولم يكن يقصد شخصه بل التنظيم الذي مكن لدولاب الحكم أن يستقر لستة عشر عاماً تمت فيها انجازات تنموية. وبالفعل حدثت الفوضى بعد انتفاضة أبريل كما حدثت بعد ثورة أكتوبر 1964م، إذ غاب الحزب الغالب في الانتخابات التي جرت في عام 1965 و1986م. ثانياً: ما هي أسباب هذه الفوضى؟ لقد حدثت الفوضى بعدم استقرار دولاب الحكم في السودان بانشقاق حزب الوطني الاتحادي بعد عام واحد من استقلال السودان، وما عاد يحكم وحده بوصفه حزباً غالباً بل دخل في حكومات مؤتلفة متشاكسة مع الأحزاب الأخرى مما استدعى تدخل القوات المسلحة في 17 نوفمبر 1958م لإيقاف الفوضى تلبية لتوجيه رئيس الوزراء آنذاك المرحوم عبد الله بك خليل سكرتير حزب الأمة. ثم كانت ثورة أكتوبر الشعبية عام 1964م، وكان الأمل أن يكون حزب الأمة هو الحزب الغالب بعد الانتخابات التي جرت عام 1965م ولكنه انشق أيضاً ودخلت البلاد في فوضى الأحزاب الصغيرة المؤتلفة، مما اضطر القوات المسلحة للتدخل في ثورة مايو 1969م. ثالثاً: لقد هدمت الديمقراطية في البلاد وسادت الفوضى في عهود حكم المدنيين الذين ثبت أنهم لا يرضون ببعضهم البعض، وكان يمكن أن تكون بالسودان أرقى الديمقراطيات لو تمسك الحزبان الكبيران الوطني الاتحادي والأمة بوحدتهما، ولكن خرج بعض السياسيين في وقت مبكر من الاستقلال على السيد علي الميرغني فقوضوا الوطني الاتحادي غير مراعين بأن الحزب قوامه من طائفة الختمية ودون مراعاة للمصلحة العليا للبلاد. وكذلك فعل بعض السياسيين في عام 1965 بخروجهم على الإمام الهادي المهدي زعيم طائفة الأنصار قوام حزب الأمة رغم نصيحة أبو الديمقراطية المرحوم محمد أحمد المحجوب الذي بقى مع الإمام الهادي. لقد هدم الحزبان الكبيران وعمت الفوضى وعدم الاستقرار دولاب الحكم في عهود الأحزاب الصغيرة التي ليس فيها حزب غالب، مما اضطر القوات المسلحة للتدخل ثلاث مرات. رابعاً: ثم جاءت ثورة الانقاذ الوطني في يونيو 1989م في مزيج من العسكريين والمدنيين الأشداء من ذوي العزيمة والارادة. وهي لم تكن ثورة عشوائية بل برنامج واضح لإصلاح النظام السياسي، فكان المؤتمر الوطني الذي اكتسح الانتخابات التعددية في ابريل 2010م، وشهد لها المراقبون بالحيدة والنزاهة، فعاد الحزب الغالب الذي يمكن وحده، وأعيد السودان إلى مجده في السني الأولى من الاستقلال عندما كان الحزب الوطني الاتحادي يحكم وحده. خامساً: سردت هذه المعلومات وهي معلومة لدى الكثيرين، ولكن للذكرى والاعتبار بما حدث للأحزاب الكبرى، والذي أضر بالبلاد كثيراً حتى سمي السودان برجل افريقيا المريض. وقد عاد لعافيته بعد فوز المؤتمر الوطني دون أن يحجب المشاركة في الحكم عن الأحزاب الأخرى. والآن المطلوب يا أخي غازي هو التمسك بوحدة المؤتمر الوطني ولا خروج عليه لأي سبب من الأسباب، لأن المصلحة العليا للبلاد تتطلب ذلك. سادساً: إذا سئلت عن كيف ومن يحكم السودان؟ لقلت هي السلطة الشعبية القائمة على الشراكة بين القوات المسلحة والمدنيين على المستوى المركزي «القوات المسلحة أو من ينتسب إليها برئاسة الجمهورية»، ثم تتنافس الأحزاب على الحكومة برئيس وزراء يكلفه رئيس الجمهورية من الحزب الغالب بتشكيل الحكومة. وذلك لضمان الاستقرار والاستمرارية حتى يجيء الوقت الذي نطمئن فيه إلى الحزب الغالب المتمكن في الحكم. لقد ثبت وبلا شك أن القوات المسلحة هي عنصر استقرار في ظروف السودان المستهدف بالمؤامرات، وهي توفر القيادة والانضباط في الحكم، وبودي لو كانت مشاركة في الحكم في الدستور القادم. كما حدث في دستور عام 1973 الدائم. إن الذين يتحدثون عن خلافة المشير البشير في رئاسة الجمهورية في هذا الوقت المبكر، كأنما يريدون إبعاد القوات المسلحة عن المشاركة في الحكم كما حدث في 1999م بين أنصار د. الترابي وغالبية أعضاء المؤتمر الوطني الذين أيدوا استمرار البشير في رئاسة الدولة. فلنحذر جميعاً يا أخ غازي من الخوض في هذا الحديث، ولنترك الأمر لما يقرره المؤتمر الوطني في مؤتمره القادم. وفي النهاية أقول وحدة الحزب فوق كل شيء حتى لا تضار البلاد.. والسلام عليكم.