حوار: إخلاص نمر : ٭ البروفيسور حسن عبد العزيز يشغل منصب مدير الادارة العامة للجودة والتطوير بوزارة الصحة الاتحادية، وهو يفتخر بعضويته فى الحركة الاسلامية، اضافة الى مستواه العلمى المرموق وتخصصه النادر الذى حصل عليه، وكنت حريصة وانا اتلمس خطواتى للوزارة لإجراء حوار معه على استجماع افكارى وقراءاتى حول شخصية الرجل العلمية والعملية والسياسية، فدارت فى خلدى عدد من التساؤلات فى ما يتعلق بعضويته بالحركة الاسلامية وبرجالها وخاصة رموزها الحاليين وعلاقته بالشيخ الترابى ورأيه فى اسلوبه السياسى...الخ.. ولم تتوقف افكارى فى هذا المحيط فقط، بل ذهبت الى وزارة الصحة واحوالها التى يعلمها الجميع واسباب اتهامات التردى واضرابات الاطباء وغيرها من التساؤلات، ولكن بعد اجراء هذا الحوار كانت المخرجات مدهشة، فالرجل يحمل كثيراً من الهموم والحسرة، فاتحاً نيرانه فى كل الاتجهات.. وهو حوار مطول من حلقتين ندعو القارئ للوقوف على مفرداته وما بين السطور. ٭ عهدت اليك الوزارة إدارة الطب العلاجى ماذا قدمت؟ من منطلق خبرتى ومؤهلاتى عكفت على وضع نظام هيكلى سليم للمستشفيات، وشرعت فى الاشراف على المجالس الاستشارية لعمل العديد من البروتكولات العلاجية، واعداد برامج تدريبية وتوعوية عن جودة الرعاية الصحية ومكافحة العدوى وتطبيق سلامة المرضى والحرص على تقليل الاخطاء الطبية، اضافة الى دلائل وسياسات العمل المهنى والصحى، وكان هذا كله فى عهد تابيتا بطرس وأبو عائشة، واعترف بأن هذا العهد شهد استقراراً غير مسبوق فى وزارة الصحة. ٭ قبل هذا التاريخ ماذا واين كانت علة الوزارة؟ قبل هذا التاريخ لم أكن موجوداً، ولكن على حسب معرفتى كانت الصراعات موجودة، وقد ادت الى تغيير الطاقم الوزارى، وبعد انتهاء فترة تابيتا تم اسناد الوزارة للحركة الشعبية، وتم تكليف حسب الرسول وزير دولة، وبعد تكليفه مباشرة بدأت الحرب ضدى، اذ صدر قرار بتكليف طبيب اختصاصى جراحة اطفال ليتولى الادارة العامة للطب العلاجى، رغم انه ليس من منسوبى الوزارة وليس من اختصاصه ادارة النظام الصحى. ٭ هل اصطدمت معه؟ لا.. لم اصطدم معه، والغريب فى الأمر أن القرار صدر باتفاق المتشاكسين ووزير الدولة والوكيل. ٭ ماذا كان ردك حينها؟ اعترضت على القرار طبعاً، فصدر قرار بتكليفى مساعداً للوكيل للجودة والاعتماد، وهو قرار ترضية فقط وليس رؤية استراتيجية للوزارة، لأن الجودة ترتبط بتقديم الخدمة. ٭ يعنى «طبطبوا»عليك؟ نعم.. وواصلت العمل رغم ذلك فى الادارة العامة للجودة، ووضعت نظاماً هيكلياً متكاملاً وخطة استراتيجية لم تجد اى دعم او التزام من قيادة الوزارة، او دعماً مالياً الا قليلاً من منظمة الصحة العالمية وجهودي الشخصية، فالادارة تعانى من نقص تام فى الموارد البشرية واللوجستية. ٭ ما هو تعليقك على اتفاق الوكيل والوزير بعد الصراع؟ ربما كان لحاجة فى نفس يعقوب!! ٭ هل تعرضت لمضايقات بعد ذلك؟ نعم تعرضت لعملية اغتيال مهنى ووظيفى متعمد منذ عودتى من الاغتراب. ٭ ما هو السبب من وجهة نظرك؟ استخفاف بمقدراتى ومؤهلاتى من أناس منحوا مواقع لا يستحقونها أبداً بسبب الشللية والانتقائية، اذ كنا نتوقع بعد اعفاء الوكيل السابق ان يتم اختيار الوكيل وفق لوائح وموجهات الخدمة المدنية والاستحقاق والاسبقية والخبرة الوظيفية، لكننا فوجئنا وللأسف بقلب الهرم الوظيفى واختيار وكيل بترشيح من امين امانة العاملين السابق فى المؤتمر الوطنى صلاح قوش ووزير الدولة السابق الصادق قسم الله، ولم يخضع لمعايير مهنية أو وظيفية، مما يعنى أنه اختيار ظالم تجاوز أكثر من «15» دفعة مستحقة، حيث أننى اسبق الوكيل الحالى وظيفياً بحوالى «15» دفعة، فهل يعقل ان يقبل احد بتجاوزه بهذه الصورة غير المقبولة؟ وبفضل الله اننى خلال فترة وجودى خارج الوطن قدمت الكثير لهذا البلد، ولكنى قوبلت بجزاء سنمار، وفوق ذلك وقبل عودتى تعرضت ومازلت اتعرض لممارسة ازدواجية غير اخلاقية من قبل المجلس الطبى الحالى، وذلك لرفضهم تسجيلى طبيباً اختصاصياً فى التخصص الذى احمله باكثر من شهادة دكتوراة مكتملة العناصر العلمية والمهنية والعملية، فالمجلس الطبى يقدم تبريرات وحججاً واهية للرفض، بينما تتم معالجة الكثير من الشهادات «الاقل مستوى»، وهنا اقول لن اتراجع عن حقى المهنى، وساظل ادافع عنه بكل السبل القانونية المشروعة، حيث اننى احمل تخصصاً فى الطب غير مسبوق فى هذا البلد، وحصلت عليه بجدارة بعد مثابرة وجهد. ٭ ما هو الوضع الحالى لوزارة الصحة فى رأيك؟ الوضع فى وزارة الصحة مقلوب تماماً، وحديثى هنا مظلمة أرفعها الى الله اختصم اليه بشأنها فى الدنيا والآخرة، وهو الناصر ولو بعد حين، فالوضع متهالك ومتردٍ، ومرجع ذلك الشللية والمحسوبية والصمت على الاخطاء الفادحة مثل الإخفاق الذى صاحب توطين العلاج بالداخل وغياب الشفافية والمساءلة حوله وحول كثير من الأخطاء والتجاوزات التى حدثت فى جسد النظام الصحى دون اتهام لاحد، اضافة الى اقصاء منسوبى الوزارة وسيطرة الاطباء المعارين من الجامعات والقوات النظامية، فكل ذلك ادى الى السخط والملل الذى يستوجب المعالجة والاصلاح قبل فوات الأوان، ففى داخل الوزارة العديد من المتسلقين والمستجدين فى ما تعرف بالدائرة الصحية الذين يحاولون عزلى عن العمل التنظيمى والسياسى رغم تاريخى الناصغ فى هذا المجال، والدليل على ذلك التجاوز المتكرر فى كل اجتماعات ولقاءات الدائرة الصحية، على الرغم من اننى الممثل الوحيد للقطاع المهنى الصحى فى مجلس الشورى القومى!! ٭ أنت اذن مسجل فى مجلس التخصصات الطبية؟ نعم بوصفي ممارساً عاماً، لكن المجلس يرفض تسجيلى اختصاصياً فى جودة الرعاية الصحية والصحة العامة، على الرغم من اننى احمل المؤهلات بوصفي معتمداً ومستشاراً من الجامعات الامريكية التى منحتنى هذه الدرجة العلمية. ٭ المجلس الطبى .. هل هو احد الدوافع لهجرة الاطباء؟ أنا أعتقد أن المجلس بهيئته الحالية يحتاج الى اعادة هيكلة وتصحيح مفاهيمه، لأنه بوضعه الحالى وضع نفسه فى الدوائر التخصصية التقليدية، بينما اتجه العالم الى التخصص الدقيق قبل سنوات عديدة، واصبحت التخصصات الدقيقة لا تحصى ولا تعد، وسوف ألجأ للجهات العدلية لكشف ازدواجية التعامل داخل المجلس الطبى مع الاطباء. ٭ ماذا تعنى بازدواجية التعامل؟ معالجة أمر بعض الشهادات، بينما يمتنع عن الأخرى. ٭ لماذا ذلك فى نظرك؟ لأسباب شخصية بحتة. ٭ هل هنالك تداخل فى العمل بينك بصفتك مساعد الوكيل للجودة وبين مدير إدارة الجودة فى وزارة الصحة الولائية؟ حسب النظام يجب ألا يكون هنالك تداخل، لأن وزارة الصحة الاتحادية بصفة عامة وبموجب قانون الصحة العامة لسنة 2007م هى صاحبة الولاية على امر الصحة فى كل انحاء السودان، وتقوم بالإشراف ووضع السياسات والمعايير ومراقبة وتقييم أداء العمل الصحى بكل الولايات، وهنالك مهام وانشطة اتحادية ليست من شأن الولائية مثل المجلس القومى للادوية والسموم والهيئة العامة للامدادات الطبية والهيئة القومية لاعتماد المؤسسات الصحية، وهى هيئة وطنية مستقلة أنشأتها وزارة الصحة الاتحادية، وهى الآن فى طور الاعداد بدعم من منظمة الصحة العالمية، ومهمة الولايات هو إعداد مؤسساتها الصحية بمختلف المستويات لنظام الاعتماد، ولكن لا يحق لها القيام باعتماد مؤسساتها، لأن ذلك شأن اتحادى بحت. ٭ أنت الآن مع الانقاذ فى خندق واحد.. ما هي رؤيتكم حول عدم ترشح الرئيس واختيار خلف له؟ أنا جزء لا يتجزأ من الانقاذ منذ قيامها، وانا ابنها وصادق فى ذلك بتوجهى ومنهجى، واؤمن بالمنهج وصدقه وصحته، والمنهج يبقى والاشخاض ذاهبون، والمنهج الاسلامى بطبيعته يعتمد على الجماعة وليس الافراد، فمسيرة الاسلام منذ الرسالة فقدت الكثير من القيادات مثل الرسول صلى الله عليه وسلم وحمزة والخلفاء والصحابة، فهم ذهبوا وبقى المنهج، ومهما حدث من تغيرات فلن تتغير الرسالة ولا المنهج، ولكن يتميز الاشخاص كثيراً، فالرئيس صديق شخصى منذ ان كنا طلاباً، وهو رجل ملتزم وصادق ومنضبط وقيادى وسياسى، وسيظل رمزاً إن بقى او ذهب، والانقاذ بها العديد من القيادات الصادقة الوفية التى تستطيع قيادة المسيرة.. وأنا اؤمن بتوحيد الجهود واصطحاب الآخرين، وقد عملت بصدق خلال قيادتى للإخوة المغتربين فى السعودية، ولا أؤمن بعزل الناس الا من أبى، والانقاذ قدمت انجازات غير مسبوقة، ولا انفى وجود اخفاقات تحتاج الى تصحيح وإصلاح. ٭ ودعت الرجل وعلى لسانه سؤال ينتظر الاجابة عن كل ما ذكر ووثقته الصحافة، بجانب سؤال آخر لمبادرة جمع الاموال لمرضى الكلى والقلب فى السودان، والتى تمت فعلاً بمعاملة رمزية خمسة ريالات مع كل جواز، ولكن الاموال ومنذ ذلك الوقت ابان فترة وجوده فى الخارج لم يأت ذ كرها ثانية، وهنا تأخذ أمنيات الرجل منحى التحرى والتحقيق فى ما ذهبت اليه هذه الاموال!! ٭ مرارات كثيرة تسكن قلب الرجل الذى ما انفك يؤكد ان الادارة التنفيذية لوزارة الصحة الآن «الوكيل الحالى لوزارة الصحة» ليست موقعاً سياسياً أو دستورياً حتى يسند بالموازنات او المعالجات الحسبية لأية شخص مهما كان!! ودعت البروفيسور حسن عبد العزيز وفى داخلى امنية الجلوس ثانية معه فى لقاء قريب، فصراحة البروفيسور فى تحليل الوضع الصحى وادارة العمل بوزارة الصحة الاتحادية وكراسى الوزارة والجالسون عليها، تشدنى ثانية لمحاورته، ففى حقيبته الكثير الذى لم يخرجه بعد، والذى يشكل جلسة اخرى مع البروف الذى يردد دائماً إن مبادراته حمد بها «الذين يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا».