حوار: إخلاص نمر: ٭ البروفيسور حسن عبد العزيز يشغل منصب مدير الادارة العامة للجودة والتطوير بوزارة الصحة الاتحادية، وهو يفتخر بعضويته فى الحركة الاسلامية، اضافة الى مستواه العلمى المرموق وتخصصه النادر الذى حصل عليه.. وكنت حريصة وانا اتلمس خطواتى للوزارة لاجراء حوار معه، على استجماع افكارى وقراءاتى حول شخصية الرجل العلمية والعملية والسياسية، فدار فى خلدى عدد من التساؤلات فى ما يتعلق بعضويته بالحركة الاسلامية وبرجالها وخاصة رموزها الحاليين وعلاقته بالشيخ الترابى ورأيه فى اسلوبه السياسى...الخ.. ولم تتوقف افكارى عند هذا المحيط فقط بل ذهبت الى وزارة الصحة واحوالها التى يعلمها الجميع واسباب اتهامات التردى واضرابات الاطباء، وغيرها من التساؤلات، ولكن بعد اجراء الحوار كانت المخرجات مدهشة، فالرجل يحمل كثيراً من الهموم والحسرة، فاتحاً نيرانه فى كل الاتجهات.. وكل ذلك في حوار مطول من حلقتين ندعو القارئ للوقوف على مفرداته وما بين السطور. ٭ بداية سألناه.. هل أنت عضو فى الحركة الاسلامية؟ «مقاطعاً».. نعم انا عضو اصيل فى الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطنى، فقد نشأت فى بيت الاسرة الكبير الذى كان يقوده صهرنا الراحل التيجانى محمد على المحامى، وخالنا الراحل الشيخ يوسف محمد على رجل الاعمال وصاحب المصانع المعروفة، بجانب والدى المرحوم عبد العزيز، ففى ذلك الوقت وعقب ثورة اكتوبر ومع بداية اعلان الجبهة النسائية الوطنية التى كانت تقودها سعاد الفاتح، كانت الزيارة الاولى لمدينة الابيض، حيث اقيمت ندوة جاذبة داخل منزل الاسرة الكبير، فكانت هذه بداية تعلقى بالحركة الاسلامية. ٭ ماذا يعنى قولك تعلقى بالحركة الاسلامية؟ كنا فى ذلك الزمان نتلقى دروساً فى دار الثقافة الاسلامية على يد رئيسها المحامى التيجانى محمد على فى فترة الستينيات، كما كنت اواظب على حضور حلقات النقاش بانتظام، لكن لم يكتب لهذه المواظبة التواصل، اذ جاءت مايو وتعرضت الاحزاب جميعها للحل، وأنا حينها كنت طالباً بالثانوى، اذ توقف النشاط إلا من جانب محدود ومقتصر على حلقات التلاوة ودروس الفقه والجمعيات الطلابية، وجاءت بعد ذلك دراستى بكلية الطب التى تخرجت فيها عام 1979م، وعدت لاقليم كردفان الكبرى طبيباً وسكرتيراً عاماً لنقابة الاطباء وممثلاً لها فى نقابة الاطباء المركزية. ٭ هل كانت النقابة فى ذلك الوقت تحت إدارة الحركة الاسلامية؟ كان النقيب فى ذلك الوقت الدكتور الحارث حمد، وكان محسوباً على التيار اليسارى، واختلف مع اليسار وقدم استقالته في عام 1980م، وتمت دعوة الجمعية العمومية، وكان التنسيق ما بين الاطباء المنضوين تحت لواء الحركة الاسلامية فى وزارة الصحة واطباء القطاع الخاص بقيادة طه طلعت، إذ قاد التنسيق الدكتور غازى صلاح الدين وآخرون، ومن نقابة اطباء كردفان الدكتور عثمان غندور وأبو سلب وشخصى بوصفي سكرتيراً عاماً، حيث قمنا باسقاط التيار اليسارى لأول مرة بعد مرور سنوات عديدة، وسجلنا فوزاً ملحوظاً للتيار الاسلامى، وبذلك تمت تكملت دورة الحارث حمد باختيار طه طلعت نقيباً للاطباء عام 1982م، وكان هذا الحدث هو نواة التحول لإسقاط نظام مايو الذى قادته نقابة الاطباء بقيادة الجزولى دفع الله التى اعقبت دورة طه طلعت التكميلية. ٭ هل الحركة الإسلامية هي التى مهدت لك للاغتراب والهجرة؟ لا..لا إنما هو قرار شخصى اتخذته عام 1987م نتيجة لتردى الاوضاع جميعها فى حكومة الاحزاب بعد الانتفاضة، حيث كنت اعمل مساعد مدير الخدمات الصحية باقليم كردفان الكبرى، كما كان دافعى كذلك للهجرة فقدانى فرصة التخصص فى طب الاسرة كاول اعلان له فى تخصص منفصل عام 1985م، فبعد حصولى على المركز الاول بين «65» طبيبا من مختلف انحاء السودان تم الغاء المنحة نتيجة توقف المعونة الامريكية بسبب حادثة فندق الأكروبول المعروفة. ٭ وهل حافظت على التواصل مع الحركة الإسلامية وانت خارج الوطن؟ وكيف كانت شكل التواصل؟ نعم.. كان لدى المزيد من الاتصالات فى قوالب مختلفة، اذ كان نشاطى الاجتماعى عبر الجاليات واضحاً وملموساً، وكان على اشده قبل عام 1989م، ودورى كان واضحاً جداً ودعمه مجيء الإنقاذ. ٭ ماذا عن علاقتك بالدكتور حسن الترابى زعيم الحركة الاسلامية آنذاك؟ لم تكن لى علاقة مباشرة معه، وان كنت احضر سنوياً مؤتمر قادة العمل الاسلامى بالخارج الذى يعقد بالخرطوم سنوياً تحت اشراف دكتور الترابى، لكن علاقتى كانت بمساعديه أكثر مثل علي عثمان والدكتور مجذوب الخليفة والسنوسى والفضل، وبعض العلاقات الوسيطة، ومن الغرائب ومنذ كنت طالباً فى جامعة الخرطوم كان لدى رأي بأن الشيخ الترابى يمارس نوعاً من الانتقائية فى اختياره القيادات الطلابية، وأسررت بها للاخ مجذوب الذى نصحنى بعدم الافصاح عن ذلك. ٭ ماذا تعنى بالانتقائية؟ أعني بها انتقاء القيادات دون الرجوع للمؤسسية وهذا يتم وفق رؤيته الشخصية. ٭ حدثنى قليلاً عن المفاصلة الشهيرة عام 1999م ورأيك فيها؟ هل تصدقين اذا قلت لك اننى رأيت هذه المفاصلة فى رؤيا منامية عام 1994م، وفسر لى الرؤية كاملة احد الشيوخ بأن الترابى لن يكمل مسيرته فى قيادة الحركة الإسلامية. ٭ ما هى تفاصيل الرؤيا التى ذكرتها؟ رأيت فى منامى ان هنالك بصاً كبيراً يحمل فى جوفه «سيرة عرس» تتجه لمكان ما، ويكتظ البص بقيادات الحركة الاسلامية، وكان عريس السيرة المتوج الرئيس عمر البشير، وكان ذلك عام 1994م، واذكر ان هذه السيرة بكل حمولتها كانت على وشك التحرك، فسألت عن وجهتها، فرد أحدهما بأنها متجهة الى الحرم النبوى الشريف، وقد رأيته اى المسجد منوراً واضحاً باهراً، بيد أننى وعند التفاتتي نحو الجهة الاخرى وجدت الترابى يقف على الارض ملوحاً بيده مودعاً السيرة.. كما رأيت أيضاً تفاصيل أخرى مفادها أن الإنقاذ ستتعرض لكثير من الاختبارات والمصاعب، ولكنها ستمضى لدولة المدينة إن صدقت النوايا وصلح قادتها، وهذا ما اتى به تفسير الشيخ الوقور الذى لجأت اليه وقصصتها عليه، وفى حينها أفصحت عن رؤيتى لإخوانى المقربين وهم موجودون الآن، بل وذكرتها فى أحد مؤتمرات الحركة الإسلامية لكنها لم تلفت انتباه أحد!! ٭ مازلنا عند محطة وجودك خارج الوطن؟ «مقاطعاً» أحب أن أضيف فخرى باجتذاب واستقطاب معظم المغتربين لتأييد ودعم الإنقاذ بصحبة قيادات اخرى فى السعودية وقطر، فأنا أمين عام مجلس تنسيق الجاليات بالسعوية وممثل عام المغتربين فى مؤتمرى المغتربين الرابع والخامس، حيث قدمت خطاباً ضافياً أمام رئيس الجمهورية بقاعة الصداقة. ٭ الجاليات «لازم » تكون تحت مظلة الحركة الإسلامية؟ لا أبداً.. ولكن لعلاقاتى الجميلة مع الناس، وما قدمته مازال شاهداً، فأنا مؤسس الصندوق الخيرى للسودانيين بالمملكة العربية السعودية ومقره الرياضوجدة.. وأنا أحد أصحاب مبادرة جامعة المغتربين وعضو مجلس الأمناء بها، وواحد من سبعة قيادات فى العمل الاجتماعى والسياسى فى المنطقة الغربية الذين قدموا دعم بناء السودان والجهد الحربى الذى قاده الشهيد محمد المحبوب رئيس الجالية بمنطقة مكة ونائباه عوض غرشون وصديق محمد أحمد، وقدمت المبادرة ملايين الدولارات ومازالت مستمرة لدعم وبناء الوطن. ٭ كانت نهاية التعاقد معكم والعودة للسودان؟ لا.. لا أنا قدمت استقالتى من وزارة الصحة السعودية بناءً على دعوة من رئاسة مجلس الوزراء فى بداية عام 2009م، ولم يتم انهاء عقدى أبداً أبداً. ٭ من الذى قدم لك الدعوة للحضور واتصل بك.. وبماذا ابلغك؟ اتصل بى مكتب شؤون رئاسة مجلس الوزراء، وابلغونى انه تم التفاهم مع الدكتور كمال عبد القادر للانضمام والعمل معه بوزارة الصحة السودانية، وكنت آنذاك بتبوك، وسارعت إلى الاتصال بالدكتور كمال، علماً بأنه لم تكن لدي رغبة فى ذلك الوقت في أن انضم للوزارة. ٭ لماذا لم ترغب فى الانضمام للوزارة؟ لعلمى بالصراعات داخلها التى اقعدت النظام الصحى، ولكن رغم ذلك عدت استجابةً لنداء الوطن للاستفادة من خبراتى، فانا احمل شهادة الدكتوراة فى جودة الرعاية الصحية والصحة العامة من الجامعة الامريكية فى لندن، وشهادة الدكتوراة المعادلة لها من جامعة كالفورنيا الامريكية، ثم حصلت أخيراً على عضوية وزمالة الجمعية الامريكية للتعليم العالى والاعتماد مع درجة التميز فى التعليم. ٭ ما هى الصراعات التى كانت فى الوزارة وعلى أي شيء كان الصراع؟ الصراعات كانت بين مجموعتين، وكان ضحيته أصحاب الحق والشرعية، اذ تمكن فيه حديثو الخبرة والاستحقاق، وتم اقصاء من كان قلبه على البلد، وكانت تتحكم فى الصراع «الشللية» والمحسوبية. ٭ من هم أصحاب الحق والشرعية؟ من لهم الحق بالاقدمية، وتولى الوظائف التنفيذية القيادية وفق قانون الخدمة المدنية الذى يؤكد على الاستحقاق بالاقدمية والكفاءة والخبرة، والصراع كان من أجل تمكين هذه «الشللية» على حساب صحة الشعب السودانى، إذ دمر هذا الصراع النظام الصحى بالكامل. ٭ ماذا حدث لك جراء ذلك؟ تم انتزاع حقى الوظيفى وحق غيرى من الحقوق المهنية والوظيفية والمخصصات، وتم نقل الصراع بالمكشوف للإعلام، وكانت نهايته إقالة الوزير والوكيل معاً ٭ نعود لعام 2009م ووصولك للخرطوم وتسلمك مكتباً بالوزارة؟ نعم .. تم تكليفى مديراً عاماً للطب العلاجى، حيث بدأنا برنامجاً طموحاً لتطوير الخدمات العلاجية بالمستشفيات بالولايات، وعملت على احداث تغيير حقيقى بجودة الخدمات، ولم تمض اشهر على ذلك حتى بدأت بؤر الصراع عقب الانتخابات الرئاسية البرلمانية عام 2110م بين وزير الدولة حسب الرسول بابكر وكمال عبد القادر، وكنت أنا اول ضحايا هذا الصراع. ٭ هل كان لإضراب الاطباء الشهير دور فى هذا الصراع؟ لا.. بل كانت لهم مطالب لم تخل من بعض الأجندة، كما أن الاختلاف فى وجهات النظر حول كيفية ادارة النظام الصحى كان أحد مسببات الصراع. ٭ أية أجندة تقصد؟ كانت هنالك أجندة سياسية، إذ قرر الاطباء الاضراب عن معالجة الحالات الطارئة، وهذا ما ينافى الاصول الأخلاقية المهنية. ٭ كيف كان النظام الصحى عندما استلمت مهامك الصحية؟ كان الصراع على اشده حول كيفية ادارة الموارد، وتم تبادل الاتهامات على المكشوف. ٭ هل تعتقد أن مشكلة الاطباء فى ذلك الزمان وجدت حلاً سليماً؟ كان هنالك الكثير من المطالب تم الاستجابة لها بتدخل قيادة الدولة، رغم انها لم تصل لطموحاتهم بالكامل، وحدث سوء فهم كبير لمواقف الناس. ٭ ماذا تقصد بعبارة سوء فهم لمواقف الناس؟ أقصد أن موقف رفض الاضراب عن معالجة الحالات الطارئة كان موقفاً اخلاقياً وسليماً، ولكن تم فهمه كأنه موقف ضد الاطباء انفسهم من قبل بعض الاداريين والاطباء. ٭ هل هم الأطباء داخل الوزارة؟ نعم داخل الوزارة وخارجها. ٭ هل أنت مع الأطباء أم ضدهم؟ أنا مع مطالبهم، ولكن ضد الاضراب، وموقفى هذا تم فهمه بطريقة خطأ تماماً. ٭ يعنى بالعامية كده «صنفوك»؟ نعم صنفت على اننى ضد الاطباء. ٭ كيف كان رد الفعل من الأطباء؟ لم أجد من الاطباء أية مواقف مسيئة الا بعض المناوشات فى الاعلام الالكترونى، وكان هجوماً عاماً على كل قيادات الصحة وليس عليَّ انا وحدى.