تابع الجميع وعلى مدار الأربعة أشهر الماضية مسلسل الانتخابات السودانية بشغف وروية- إنها الانتخابات المنتظرة التي يعول عليها الشعب السوداني كثيرا في رسم وجدولة خارطة طريق جديدة تمثل في مجملها نهضة حقيقية للسودان والسودانيين في كل النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكما هو معروف فإن هذه الانتخابات تعد النسخة الديمقراطية الثانية من نوعها على مدى العشرين عاما الماضية من تاريخ السودان السياسي، مما يعنى أن اغلب المشاركين في هذه الانتخابات من مرشحين أو منتخبين يعتبرون من المعاصرين لهذه الظاهرة الديمقراطية في السودان، الشىء الذي جعل من وجه المقارنة بانتخابات 2010م من أهم التحديات الموضوعة على طاولة المفوضية وعلى القائمين بأمر إنجاح هذه الانتخابات. وكما هو معروف ومنذ إن نال السودان استقلاله في عام 1956م، تناوبت على كرسي القيادة السودانية العديد من الحكومات العسكرية والمدنية، حتى أتت الحكومة الحالية في 1989م باسم الإنقاذ الوطني، مثلها مثل كل حكومات دول العالم الثالث تحمل مشاعل الأمل والإشراق لشعوبها الفقيرة، والمؤملة والطامحة دوما في تغير معايير حالة الفرد وأسلوب حياته ومعيشته، ورفع كاهل ضغوط الحياة، وظل الجميع في متابعة المشهد السوداني لحكومة الإنقاذ الوطني لأكثر من عشرين عاما، حملت في طياتها الكثير من القضايا الرئيسة كما تمت من خلالها معالجة بعض القضايا الأساسية التي ما كان أن يكتب لها النجاح لولا فاتورة الصبر والمعاناة الكبيرة التي دفعها الشعب السوداني داخل السودان وخارجه، متمثلة في حالة الاحتقان الاقتصادي المتزايد والدائم الذي أضرَّ بحياة المجتمع السوداني اقتصاديا واجتماعيا، أضف إلى ذلك أزمة دارفور التي لم ينفض سامرها حتى اليوم أملاً في الوصول إلى كلمة سواء. وما يهمنا هنا ماهية وحقيقة هذه الانتخابات الحالية، وهل حقا إن هذه الانتخابات تمثل رغبة الشعب السوداني المغلوب على أمره والطامح كغيره من بني البشر للعيش في كنف الطمأنينة والسلام ؟؟ أم هل هي أحد ألوان السياسة المتعددة التي أريد منها بمعنى خفي رسم وتدوين المعالم الجديدة لخارطة السياسة السودانية، ومحو كل آثار ومقومات البنية السياسية القديمة ممثلة في الأحزاب المعروفة التي شكل غيابها وعدم مشاركتها وتفاعلها في هذه الانتخابات علامة استفهام كبيرة، مبينة أن الحكومة القادمة أوجدت نفسها في مفترق طرق ما بين الوفاق الوطني من جهة وإصلاح ذات البين أو السعي لإزالة الغشاوة مع المجتمع السياسي رغم الاختلافات الأيديولوجية المتأصلة من جهة أخرى، في بلد بلغ فيه عدد الأحزاب السياسية «52» حزباً، وللخروج من عنق الزجاجة ينبغي ابتكار منهجية توافقية ترضي جميع الأطراف بدايةً عبر تسخير الآليات والمناهج القومية والوطنية المتاحة، وإظهار الحس القومي عن طريق جذب أطراف المعارضة إلى طاولة التوازن الفكري والسياسي من أجل مصلحة الجميع، وفى مقدمتهم الوطن، آملين في أن تساعد ريح الممارسة الديمقراطية الحالية في انقشاع سحابات الاختناق السياسي الراهن وبزوغ فجر الأمل المنشود، وإلا سيظل الجميع أمام سؤال كبير، وهو إلى متى تظل السياسة السودانية مصدر قلق وخوف يؤرق مستقبل هذا البلد الكبير بكل ألوانه الدينية والعرقية لفترات طويلة، ولسان حال الجميع يقول «إذا كانت الغلبة للحزب الواحد، فمتى ستكون الغلبة للمواطن».. متى..؟! الدوحة [email protected]