هذه الكلمة مأخوذة من مشروع كتاب بدأته قبل ثلاث سنوات، وبالتحديد من قسم الملاحق منه «ملحق رقم 7». لم ييسر الله نشره حتى الآن لسببين: الأول طبيعة موضوع الكتاب، والآخر طبيعة المناخ الاجتماعي المركوز في طبع السودانيين، كما لاحظ د. محمد عبد الله الريح، وعلل بجريدة الرائد أيام د. ياسر محجوب الحسين، ورصيفه د. أبو القاسم قور بجريدة الرأي العام قبله. كان بودي ان يطلع د. تاج السر عليه رحمة الله ولكن أبى الاجل المحتوم الا ان يكون رثاء، وسيرة للشاعر، وذكرى طيبة عطرة، وتاريخ ادب لمعلقته هذه وقد كانت وفاة الشاعر في يوم الاحد 2 رجب 4341ه الموافق 21/5/3102م، أقول هذا للتوثيق «فرخيص الليلة غالي بابكر»، كما كان يقول كبارنا كثيراً، عليه الرحمة والرضوان آمين.. وبعد: صلتي التاريخية بمعلقة آسيا وأفريقيا: بدا لي ان يكون عنوان هذه الفقرة «نطفة أغنية آسيا وافريقيا» وهو ادق في المعنى لما أعني الا انني عدلت عنه الي هذا لتميز المعلقة في ديوان كل شاعر ولشهرة المعلقات في التراث قاطبة وبعد: لا أخلو من ملكة الشعر ولكن لم احاوله لغلبة النثر فالشعر عاطفة ووجدان والنثر تفكير وعقل فاذا تساويا جمع الشخص بين الاثنين الا انه أقل من المتنبي وشوقي في الشعر والجبرتي والجاحظ في النثر. حاولت مرة قرض الشعر وانا بالطريق ماشياً الى المعهد العلمي بسن 41 وكان الموضوع «الاسلام» انشأت فيه 4 أبيات اتذكر منها «هو البحر لمن اراد سباحة» وهو الميدان لمن اراد قتيلاً» المعنى على بساطته الجمع بين القوة والحرب ان دعت الحال والرحمة والسلام في كل الاحوال، السلام في الشارع تحية وفي الصلاة عبادة، صلتي بالشاعرين تاج السر الحسن الحسين «بفتح الحاء وكسر ثقيل على السين وياء مد» وعمه عوض الحسين وثيقة منذ أن كان بأم درمان ثم القاهرة. في اكتوبر من عام 65 حدث الاعتداء الثلاثي على مصر رداً على تأميم مصر لقناة السويس فتآمرت انجلترا واسرائيل وفرنسا على احتلال القناة بالقوة، الا ان الشعب المصري هزمهم لا لان عبد الناصر كان قائدهم ولكن لالتقاء تطلعاته والبقاء في الحكم مع ارادة الشعب المصري المزيفة عبر القرون عدا ايام صلاح الدين الايوبي، والمماليك، صلاح الدين هزم الصليبيين وبيبرس هزم المغول بعين جالوت عام 0621. واليوم عبر ارادته الحرة بثورة 52 يناير 2102 لاول مرة منذ عام 0621م وبالاحصاء بعد هذه الثورة اخذ رأي الشعب في استفتاء فكانت النتيجة 41 مليونا في جانب و4 ملايين فقط في جانب آخر هم الاقباط وأمثالهم من المزيفين، وما تزال المحاولات جارية لتزييف الارادة بسرقة الثورة. ومما يؤكد صحة هذا التحليل والتعليل في عام 7691 أصر عبد الناصر على رد ضربة اسرائيل الاولى بدل المبادرة بالاولى مخالفاً بذلك رأي عبد الحكيم عامر وزير الحربية واركان حربه، فضربت اسرائيل 002 طائرة ودمرت 52 مطارا والطيارون في حفل ساهر يشربون وام كلثوم تمط صوتها وتطربهم. والنتيجة هزيمة ساحقة سماها ناصر «النكسة» ليسهل ابتلاعها. كان الاعتداء الثلاثي اعظم حدث حرك موهبة الشعر المطبونة في النفس فقلت «سيتلقون الضرب الشديد» «من اياد من حديد» «بزنود مؤمنة» «من روسيا العتيدة» «والصين العميقة» «سيصل الرجال والتعاد» «لمصر العتيقة وسوريا الصديقة». عند هذا انتهى الامر ولم ازد فكأنما كان الامر شحنة من الاحساس كان لا بد من افراغها لترتاح النفس وقد كان. في عام 75/8591م زارني بالمنزل الاخ تاج السر قبل تخرجه وسعدت بزيارته وأنسه بلا مداراة فحكى لي عن الاعتداء الثلاثي وكيف كانت مقاومة الشعب المصري الباسلة، فقلت له قرأت لاحسان عبد القدوس كلمة ب «روز اليوسف» لفت نظري فيها قوله «انه لا ينسى أيام الاعتداء الثلاثي، ان عربات الجيش بميدان التحرير واقفة توزع السلاح للشعب دون ان تسأل الآخذ عن اسمه»، لم يقل لماذا؟ لان الموقف فرض على ناصر ان يعبر عن ارادة الشعب المصري المعطلة او المزيفة، كما قلت آنفاً وقد سمعت منك الآن الكثير، وليس من رأى كمن سمع. وبالمناسبة ذكرت له أبياتي آنفة الذكر «سيتلقون الضرب الشديد».. الخ، ثم افترقنا فذهب هو الى القاهرة ثم الى موسكو وأنا الى كسلا الوسطى عام 1950، ثم بورتسودان الثانوية عام 0691م، وبذات العام سمعت فنان التراث عبد الكريم الكابلي يغني «آسيا وافريقيا» فاصغيت اليه كالعادة لطابعه المعهود لدي، ولفت نظري طابع الأغنية الاشبه بطابع أبياتي اليتيمة، فكأنما هي مجاراة أو تطوير فكرة أبياتي. أبديت هذه الملاحظة لصديقي الصدوق وزميلي بالثانوية الأستاذ نقد الله طيفور، فقال: لك فضل بذر الفكرة وله فضل التطوير لولاك لما كانت، ولولا هو لما كان التطوير. قلت: أنصفت بعدها لم أكلم أحداً ولم أكتب كلمة على كثرة ما كتبت، الآن بعد تفكير رأيت أن أوثق لهذه التجربة علها تفيد كتاب تاريخ الأدب السوداني ونقده بصورة أو أخرى في المستقبل. أقول هذا صراحة لئلا يلتبس الأمر إن تركته ليفهم ضمناً. والله من وراء القصد