الخرطوم:ولاء جعفر : حالة من التماسك الاجتماعي ميزت الشعب السوداني طوال تاريخه وانتقلت من جيل لآخر دون توقف في حالة من التمدد ما بين كافة الافراد خصوصاً فيما يتعلق بعلاقات الطيبة بين الجيران والاسر الممتدة التى لا تفصل بينهم حوائط خرصانية فكانت المعبر والابواب السر الصغيرة بين الجيران صلة وصل بينهم لتتم من خلاله الزيارات البعض دون تكلّف عناء الدخول من الباب الرئيسي، وتبادل الأطعمة والمشاركة في الأفراح والأتراح لتمثل الفتحة طولية التى تتسع بالكاد للعبور دليلا واضحا على تحدي الحدود والفواصل ، إلا ان ظروف التغيير التي بدأت تهب رياحها على كل الاشياء ضربت قواعد الالفة وباب النفاج (باب السر ) الذي بدأ يتراجع الى ان اختفي تماما في المدن بينما احتفظت به القرى ببساطته وبمودة خالية من عقد الحضارة والمدنية. دار النعيم، امرأة في عقدها السادس بدأت حديثها بحسرة ظهرت على تقاطيع وجهها بشكل واضح لتقول يا بتي حليل باب السر ما خلاص راح وراحت أيامه وواصلت ببساطة (النفاج او الطاقة هو باب صغير اشبة بنافذة كبيرة ليكون صلة وصل بين البيوت ) صمتت فترة وهي تعود بذاكرتها لتلك الايام لتقول(كنت انا و جاراتى نتناول الثوم أو الشطة أو وطرقات الكسرة وغيرها عبر النفاج وكل صباح نتفقد احوال بعض عن طريق النفاج وغالبا ما يكون فتحة في الجدار فقط ، لنتفقد بعضنا كل صباح بعبارات (كيف اصبحتوا يا نفسية وانتى يابخيتة ) وياتى الرد الحنين (بالعافية يا دار النعيم كيفكم وكيف عيالك اتفضلوا شاي معانا ) وتقول الحاجة دارالنعيم وهى تسترسل الصورة تلو الاخري( واول ما بيوتنا تفضي من الرجال ندخل بين البيوت كأنها بيوتنا ، والعيال يتجاروا بين البيوت دخلين مارقين ). (منو القال اقفلو النفاج وقطع حبل الوداد والحن وعلاه الجدار يا حلوة عاد تانى الوصال كيفن....حليلك يا صباح الخير وكت ورد الجنينة يفوح متعود عليه وعليكى يا لشوفتك ترد الروح) هكذا بدأت الحاجة علوية حديثها وهي تدندن بأغنية لود النصري وبعد الدندنة بعذوبة اجتاحت علامات العبوس وجهها وهو يقول ( قلبتى مواجع ذلك الزمان الجميل زمن الباب السرى (باب السر) وكذلك يسمى النفاج والأسم دا بعرفوا العجايز زينا )لتطلق عنان ابتساماتها التى تحولت الى ضحكات وبعد سلسلة من القهقهات مضت في القول(الباب السرى زمان كان يكون بين الجيران ويكون مفتوح 24 ساعة وعلى طول ويتخيل ليك إنه البيت واحد وكان الجيران فى ذلك الزمن تسود بينهم الموده والإلفه والرحم، .أحيانا تلقى الجارة تقيف عند باب السري وتنادى جارتها ياهنايه عليك الله أدينى شوية عجين مخمّر أو شطة أو شوية كسرة مرة وهكذا). وعلى نفس طريقة حاجة عبد النعيم وعلوية جاء حديث الحاج عبدالقيوم بعد الصمت والتحسر ليشير الى انه في السابق كان يسود نظام الاسر الممتدة بمعني أن هنالك البيت الكبير ويكون عبارة عن سور كبير يسع لبناء عدة بيوت وعندما يكبر الابناء والبنات ويتزوجون غالباً ما يسكنون داخل البيت الكبير فتجد أن اغلب ساكني هذا المنزل من المحارم وبالتالي لم يكون هنالك حرج كبير في التعامل"بالنفاج" في ذلك الوقت ماضيا في القول : اما الان فقد تبدل الحال وفقد نظام الأسر الممتدة سيطرته فكل أسرة صغيرة قذفت بها ظروف الحياة الي مدينة او بلد بعيد كل الذين يجاورونه أغراب عليه لا يصح ان ينفتح عليهم بهذا الشكل المثير للمشاكل والفتن لذلك اندثرت ابواب النفاج .