تقرير:فاطمة رابح : كأنما هو حجر القي في بحار ساكنة ليربك العلاقات الهادئة بين ثلاث دول «السودان ، مصر واثيوبيا » ظلت علاقتها حتي وقت قريب «سمن علي عسل» وذلك حينما اعلنت اثيوبيا قيام مشروعها الكهربائي المسمي بسد النهضة او الالفية علي النيل الأزرق والذي يبعد 40 كيلو مترا من الحدود السودانية ، فقد تلقت الخرطوم شتائم المصريين من جهة ووجه بعض المعارضين في المواقع الاسفيرية سيلا من الانتقادات للمصريين من الجهة الثانية بينما حاز الاثيوبيون على جل التهديدات المصرية. ارتباك سياسي واجتماعي وصل مرحلة القلق العارم شمل اوساط الدول الثلاث جاءت بين مؤيد ومعارض لقيام السد لكن اكثر عنفوانه ما وقع علي السودان هجوم المعارضة المصرية التي وصفت موقفه بانه «مقرف»، الامر الذي رفضه الشعب السوداني باطيافه الساسية المختلفة ، واعتبروه اهانة غير مقبولة علي الرغم من تنكرالرئيس المصري محمدمرسي الذي تبرأ من تصريحات صدرت من بعض قادة الاحزاب في اجتماعه معهم ، وقال انها لاتعبر عن الموقف المصري الرسمي، بينما طالبت المعارضة السودانية بالتصدي لتلك الاساءات بقوة غض النظر عن متانة العلاقات التاريخية الازلية مع مصر. الموقف الرسمي لحكومة السودان من قيام سد النهضة حسب ما اعلنته وزارة الخارجية انه « لا يوجد ضرر » كما ان وزيرالاعلام الدكتورأحمد بلال اوضح ايجابياته للسودان، مشيرا الى الحصول على الامداد الكهربائي وتنظيم مياه النيل الأزرق طوال العام ناصحا جارته مصرالتنسيق مع السودان، معتبرا انه بمثابة السد العالي لمصر،واعتبر الوزير أن الحرب القادمة هي حرب المياه مابين دول الحوض ال 11 . اما المعارضة السودانية فهي مع قيام سد النهضة الاثيوبي للمصلحة الوطنية فوق كل اعتبارات أخري وهو ما اكده لنا رئيس البعث السوداني محمد علي جادين والامين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر عبدالسلام والقيادي بالاتحادي الديمقراطي الاصل علي السيد، لكن اللافت في الامر هو ماذهب اليه علي السيد و اتهامه صراحة امريكا واسرائيل بقيادتهما لمؤامرة دولية لنشوب حرب المياه، لافتا الي ان السودان دولة هشة لا تحتمل الهزات . و تزايدت بعض المخاوف لدى بعض احزاب المعارضة من اندلاع صراع عربي افريقي حال ان تم تحويل ملف سد النهضة الاثيوبي الي جامعة الدول العربية ، فقد حذر نائب رئيس حزب الامة القومي اللواء فضل الله برمه ناصر والقيادي الاتحادي علي السيد من حرب المياه القادمة، وابان برمه ان التكتلات بين الدول الثلاث تضر كثيرا ونصح السودان ومصر بعدم التكتل او اللجوء الي المواجهات العسكرية في التعامل مع اثيوبيا وان الامر سيقود الي صراع خطير بين العرب والافارقة ، حاثا علي التعاون والاتجاه للجوانب العلمية والقانونية في هذا الخصوص. اما خبير قانون المياه دكتور سليمان محمد سلمان يشدد علي ضرورة التعاون والتفاوض مع اثيوبيا وبقية دول حوض النيل بحسن نية وصدق حول حقوق هذه الدول تحت مظلة اتفاقية عنتبي لحوض النيل باعتبارها الضمان الوحيد للاستفادة القصوي من مياه الحوض وان مصر والسودان لن يحافظا علي حقوقهما بالاستعلاء والاقصاء والهتافات والاراء القانونية التي تعتمد علي العنتريات اكثر من اعتمادها علي القانون،. بينما الخبير في مجال المياه دكتور أحمد المفتي يوضح انه ليس من حق احد ان يعترض علي استفادة اثيوبيا من الموارد المائية لنهر النيل لكن بشرط ان تكون تلك الاستفادة بمنظور قانوني واضح يتمثل في عدم تسبيب ضرر والاعتراف بالاتفاقيات السابقة علي نحو ما ورد في المادة الثالثة من اتفاقيات الاممالمتحدة لقانون استخدام المجاري المائي في الاغراض غير الملاحية. ويري المفتي ان مناقشة سد الالفية عبر الاطار التفاوضي الحالي عن طريق لجنة فنية ثلاثية بين مصر - السودان واثيوبيا فانه منظور سياسي يعتبر في تقديره من اكبر المهددات للأمن المائي السوداني لان اللجنة ليس لها اية صلاحيات حسب المفتي وانما لجنة صورية لاستيفاء متطلبات القانون الدولي لصالح اثيوبيا ، ويري ضرورة تشكيل لجنة قانونية للوصول الي اتفاق رباعي بين السودان ومصر واثيوبيا وجنوب السودان لتحديد الاطار القانوني والمؤسسي والفني للسد علي ضوء اتفاقية 1902م بحيث يكون ذلك التعاون الرباعي جزءا من القانون مع دول حوض النيل كافة. و يؤكد كمال عمر الامين السياسي للمؤتمر الشعبي والناطق الرسمي باسم التحالف المعارض ان المصلحة الوطنية تعلو فوق كل شئ رافضا بشدة الاساءات والاهانات التي تفوه بها المصريون ووصفهم للموقف السوداني بالمقرف. وابدي عمر اشمئزازه من تلك التصريحات ، مؤكدا انها غير مقبولة علي الاطلاق . ورأي عمر انه من الناحية السياسية فانهم لن ينجروا وراء مصر او ان يكونوا اتباعها لها كما يعتقد المصريون ذلك واعتقادها الراسخ بانها مستعمرة السودان. وقال ان المصلحة تقتضي ان نقف مع اثيوبيا ومن حق اثيوبيا قيام مشروع تنموي تراعي فيه الحقوق السودانية ، مشيرا الي ان هناك بيوت خبرة سودانية تسدي في الامر. وبنفس الوتيرة يرفض علي السيد القيادي بالاتحادي الديمقراطي الاصل التقليل او الاستهانة بالسودان من المصريين بل يرونه بالدولة المتخلفة وهو مايؤثر سلبا في العلاقة بينهما، بل يذهب الي ان هناك مؤامرة دوليه تقودها اسرائيل وامريكا لجر دول حوض النيل الي حرب المياه ، لكنه يري ان الحل يكمن في ضرورة معالجات ودعوة دول حوض النيل لحصر الاثار السالبة لسد الالفية وصولا الي حل عادل، مبينا ان الأزمة كانت موقتة لجهة ان فكرة السد قديمة وعقدت بخصوصها العديد من المؤتمرات ولم يتوصلوا الي اتفاق ، مشيرا الي ان اعتراض السودان علي دخول اتفاقية عنتبي هو منظور قانوني ظل صامدا طوال السنوات المنصرمة. علي نحو اخر يري رئيس حزب البعث السوداني محمد علي جادين في ان اثيوبيا لها الحق وفقا للقانون الدولي الانساني من اقامة المشروع وانه غير معترض علي مثل تلك المشاريع التنموية وفقا للمصلحة الوطنية السودانية والتي تحقق اهدافا منشوده تعود بالنفع علي الشعوب. ويقر جادين باحقية الدول المستفيدة بعدم ضررها وينصح جادين القوي السياسية الداخلية ان تبتعد عن النظرات الضيقة في التعامل مع القضية لجهة انها غير المبنية علي حسابات تاريخية تربطها بمصر او اثيوبيا وان المصلحة الوطنية تقتضي ان نبتعد عن تلك الحسابات، داعيا جميع دول حوض النيل الي التعاون للاتفاق حول الاستفاده من مياه النيل الأزرق والابيض معا ، لافتا الي ان اثيوبيا اقامت السد لتقصير من الادارة المصرية والحكومة السودانية في انهما ابتعدا من محاولات دول حوض النيل واتفاقية عنتبي للاستفاده من حوض النيل وتخوفهما باعتذارات غير مقبولة. السودان ليس وحده المتململ من تصريحات مصر فقد جاهرت أديس أبابا ايضا بانزعاجها لتصريحات المصريين خلال لقائهم بالرئيس المصري، وصل بها الامر ان تدين تلك التصريحات لكنها ابدت في الوقت نفسه حرصها على اقامة علاقات تعاون مع القاهرة لفائدة الطرفين باعتبار انهما لن يستفيدا من العداء مبدية املها في ان تصحح الامورالخاطئة تجاه قيام السد مع مرور الزمن . وقد زار السودان رئيس المخابرات المصري محمد رأفت برفقته وفد عالي المستوي الى الخرطوم ، ولم تستبعد مصادر انه قدم في اطارالتشاور والتباحث حول سد الألفية الأثيوبي والتداعيات التي صاحبته،مشيرة الى أن الجانب المصري يولي اهتماماً كبيراً لقضية مياه النيل وخاصة في هذا الشأن باعتبار أنه يعلق آمالاً كبيرة على موقف السودان في الملف ... وتقول ذات المصادر ان مصر ربما تريد الضغط علي اثيوبيا بهدف تحقيق مصالحها.