إنه حقا يا صاح العهد المواسيري الثاني على وزن العصر الجليدي الثاني المتوقع مع تنامي ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي، فالذي حدث في الفاشر تحت عنوان «سوق المواسير» اتضح انه لم يكن إلا عنوان فرعي داخل مجلد كبير عنوانه الرئيس هو «العهد المواسيري الثاني» الذي كان احد الافرازات الاقتصادية السالبة «للعهد المواسيري الاول» الذي حرر التجارة من كل ضابط ورابط وفتح الاسواق على مصراعيها للسماسرة والمضاربين والمرابين والباحثين عن الثراء في اسرع وقت وبأقل جهد ودون تعب او انتاج حقيقي، ووقفت الحكومة من كل ذلك بعيدة تتفرج على صراع الافيال التي تسحق تحتها الضعفاء والفقراء وربما تشجع اللعبة الحلوة، هذا إن لم يكن بعض اعضائها بين زمرة الفيلة، كما فعل والي شمال دارفور الذي بارك سوق مواسير الفاشر وشجعه اول عهده وفاخر وتنبر بمنشئيه الذين اعلن ابوته لهم وكافأهم جزاء ووفاقا على «مواسيرهم» بأن رشحهم لمقاعد مجلس الولاية التشريعي الذي دخلوه محمولين على ظهر المواسير، لم يبدأ النشاط المواسيري الطفيلي الربوي بالفاشر ولن ينتهي بها ما ظلت فينا الحقبة المواسيرية الثانية التي ضربت البلاد كنتاج طبيعي للحقبة المواسيرية الاولى بمواسيرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل وحتى الثقافية والفنية والرياضية، ما من مجال الا وكان «ماسورة» فالمواسير لم تكن وقفا على الاسواق الماسورية المنتشرة بطول البلاد وعرضها، ففي الرياضة كذلك تنتشر المواسير وفي الفن هناك مواسير وفي الثقافة ايضا، اما الانتخابات الاخيرة فقد كانت أكبر ماسورة لن تقدم أو تغير من الحال شيئاً حتى على مستوى الشكل وانتظروا التشكيل الوزاري القادم لتروا ذات الاشكال «الما بتغباكم» والتي ظلت تتبادل المواقع الوزارية خلال عقدين كاملين، من الولاية إلى الوزارة أو العكس، ومن وزير دولة إلى وزير، ومن وزير على وزارة ذات تخصص معين إلى وزارة أخرى بينها وبين اختصاص الوزارة السابقة بعد المشرقين، وكما اجزل والي شمال دارفور الوعود لمضروبي ومنهوبي سوق المواسير اثناء الانتخابات ثم راغ عنهم بعد نهايتها، وبعد ان حقق مراده، كما يروغ الثعلب، فإن الآخرين كانوا أيضا ثعالب إذ سرعان ما عادت الامور بعد الانتخابات إلى الحال الذي كانت عليه قبلها بل اشد واقسى، الحكومة ظلت هي الحكومة والشعب ظل هو الشعب وبينهما الجبايات والكشات. ليست ماسورة الفاشر وحدها التي تحتاج إلى وقفة تزيل عن المخدوعين الظلم الذي وقع عليهم وتسوى حقوقهم المنهوبة، إن البلد كلها من اقصاها إلى اقصاها تحتاج إلى إجراء تسوية شاملة تزيل الظلم أين ما وقع والتهميش أين ما كان والغبن من كل من مسه سوء، وقفة للحقيقة والمصارحة والمصالحة، فالذي حدث في الفاشر لم يكن سوى عرض لمرض يخص الاقتصاد، فما بالكم ببقية الأمراض في المناحي الأخرى التي لا تزال تنهش جسد البلد وتنهك أهلها وأفتكها الانفصال، الأمر يحتاج إلى معالجة شاملة تقضي على الشمولية أنّى وجدت.