٭ بالأمس أعلنت مفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات المالية عن توزيع «كيمان المرارة» على الولايات، وكالعادة وجدت قسمتها الضيزى اعتراضاً واحتجاجاً من الولايات على المفارقة المالية البائنة بين ما هو مخصص للمركز من نصيب، وما هو ملقى من فتات للولايات، وفي الإطار ذاته أيضاً أعربت وزيرتان، هما وزيرة التربية والتعليم سعاد عبد الرازق وتهاني عبد الله وزيرة الدولة بالاتصالات، عن شكواهما من ضعف التمويل الحكومي للتعليم الأساسي والثانوي والبحث العلمي، والمؤكد أن الصحة ليست أحسن حالاً ولطالما شكا المعنيون بأمرها من شُح الصرف والتمويل الذي كان من الأسباب الرئيسة في تدني الأداء الصحي والطبي، بل أن هذا ما تعانيه وزارات ومؤسسات القطاع الخدمي عامة، ليس على مستوى الولايات فحسب وإنما في المركز بالدرجة الأولى الذي يذهب فيه أهل الدثور ممن يطلق عليهم «الوزارات والقطاعات السيادية» بالتمويل والصرف المعتبر و «يقبضوا السمينة» على رأى الساخرين الذين حين يجدون زميلاً لهم قد فتح الله عليه بمبلغ محترم يقولون عنه «فلان الليلة قابض السمينة»، وهكذا تقبض هذه الوزارات السيادية والسيادة لله السمينة وتترك للبقية التنازع على «الجلافيط والكدارين»، هذا غير ما يمكن أن تحوزه بعض أو كل هذه القطاعات السيادية من أموال جانبية مجنَّبة أو صفقات تجارية من شركاتها التي لازال بعضها قائماً رغم القرارات الرئاسية الآمرة بتصفيتها، وظلت هذه القسمة المعتلة والمختلة هي السمة التي تسم أداء كل الموازنات عبر السنين بلا أى تغيير ولو طفيف يحسب لصالح الوزارات الخدمية ومؤسسات الدعم الاجتماعي ولجم غلواء الفقر، وإنما دائماً ما تأتي القسمة على حسابها لدرجة يمكننا معها القول، ما اقتنت جهة سيادية من مال إلا بما افتقرت به جهة خدمية أو مؤسسة خدمة اجتماعية، ومهما كانت المبررات والأسباب التي تمنح الوزارات السيادية هذه الحظوة المالية إلا أنه لا يعقل أن تصل بها إلى هذه الدرجة من المفارقة والفروق بينها وبين الأخريات اللائي لا يجدن سوى الفتات. هذه المفارقة ذكرتني بقسمة الإعرابي الذي حل ضيفاً على رجل من أهل الحضر، وكان عند الرجل دجاج كثير وله امرأة وابنان وبنتان، والإعرابي في حالتنا هذه هو «وزارات القطاع السياسي»... قال الأعرابي لزوجة الرجل: أشوي دجاجة وقدميها لنا نتغدى بها، فلما أحضر الغداء جلس الجميع، الرجل وامرأته وابناه وبنتاه والأعرابي، فدفع الرجل للأعرابي بالدجاجة، وقال له: اقسمها بيننا، قال الأعرابي: لا أحسن القسمة، فإن رضيتم بقسمتي قسمت بينكم، قالوا: نرضى بقسمتك. فأخذ الأعرابي الدجاجة وقطع رأسها ثم ناوله للرجل، وقال الرأس للرئيس، ثم قطع الجناحين وقال: والجناحان للابنين، ثم قطع الساقين وقال: الساقان للابنتين، ثم قطع المؤخرة وقال: العجز للعجوز، ثم قال:الزور للزائر، فأخذ باقي الدجاجة بأكمله! فلما كان الغد قال الرجل لامرأته اشوي لنا خمس دجاجات، وعندما احضر الغداء قالوا للأعرابي: اقسم بيننا، فرد: أظنكم غضبتم من قسمتي أمس، قالوا:لا والله، لم نغضب، فاقسم بيننا، قال: شفعاً أو وتراً؟ قالوا : وتراً، قال: مخاطباً الرجل أنت وامرأتك ودجاجة تصبحون ثلاثة، ورمى اليهم بدجاجة، ثم أضاف قائلا: وابناك ودجاجة يصيرون ثلاثة، ورمى الثانية، ثم قال: وابنتاك ودجاجة ثلاثة، ورمى الثالثة، ثم قال: وأنا ودجاجتان ثلاثة، ففاز بدجاجتين. لاحظ الأعرابي أن الكل ينظر إلى دجاجتيه من طرف خفي بحنق كبير، فقال: لماذا تنظرون؟ لعلكم كرهتم قسمتي؟ ولكن الوتر ما تجيء إلا هكذا، قالوا:اذن فاقسمها شفعاً، فأعاد الخمس دجاجات إليه ثم قال للرجل: أنت وابناك ودجاجة أربعة، ورمى إليهم دجاجة، والعجوز وابنتاها ودجاجة أربعة، ورمى إليهن بدجاجة ثم قال: وأنا و ثلاث دجاجات أربعة، وضم إليه الثلاث دجاجات ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: الحمد لله. وهكذا تحمد وزارات السيادة ربها على الرزق الذي يسوقه اليها..