حوار: بلة علي عمر: ٭ يعتبر البروفيسور مأمون حميدة وزير الصحة بولاية الخرطوم أحد أبرز الشخصيات المثيرة للجدل منذ توليه إدارة جامعة الخرطوم، وعقب تحوله للقطاع الخاص وإنشاء جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا ومستشفى الزيتونة وتوليه أعباء وزارة الصحة بولاية الخرطوم.. اتخذ الرجل من التوجهات والسياسات ما اعتبره البعض انقلاباً على دور الدولة الخادمة، وصارت سياسات وزارة الصحة تعني لدى الكثيرين تجفيف المستشفيات القومية وترك الباب مفتوحاً أمام القطاع الخاص.. «الصحافة» سعت بقوة من أجل الجلوس مع الرجل ووضع كل الاستفهامات والشكوك حول سياساته ومخرجاتها.. فإلى مضابط حوار العصر مع بروفيسور مأمون حميدة. ٭ تتبنون استراتيجية واضحة نحو تجفيف المستشفيات المرجعية التي آلت للولاية؟ حتى الذين كابروا في بداية هذا العمل لا يتحدثون الآن عن التجفيف.. ليس هنالك تجفيف لأي مستشفى.. ولكنها إعادة وظائف لهذه المستشفيات بما يتماشى مع خريطة صحية مدروسة ومتفق عليها بين علماء التخطيط بالادارة الصحية والسياسسين.. ثم لم تكن هنالك مستشفيات مرجعية، ولكن كانت هنالك مستشفيات عامة تقوم في جزء كبير من عملها بما يقوم به اي مركز صحي بأقاصي امبدة ٭ الأمر ليس على ذلك النحو؟ بل هو كذلك.. خذ مثلاً مستشفى جعفر بن عوف الذي أسس لأن يكون مستشفى مرجعياً، ولكن باتت نسبة «70%» من عمله استقبال حالات العناية الصحية الأولية من اسهالات وحميات والتهابات رئوية، وهي امراض يمكن علاجها في المراكز الصحية او المستشفيات الطرفية، فقد تم تحويل هذا المستشفى لمستشفى مرجعي يستقبل المرضى الذين يصعب تشخيصهم وعلاجهم بالمستشفيات الطرفية، وما قام بشأنه من حملة أُريد به أشياء أخرى تخص الذين قادوها. ٭ نقل جراحة المخ والأعصاب لمستشفى إبراهيم مالك قرار عديم الجدوى؟ نقل جراحة المخ والأعصاب لإبراهيم مالك اقتضته الضرورة، فقد تزاحمت تخصصات القلب والصدر والمخ والأعصاب بمستشفى الشعب مع ضيق غرف العمليات والعناية المكثفة، حتى أن مريضاً بورم في المخ ربما ينتظر ما بين ستة الى تسعة شهور لتلقي العلاج الجراحي، وبعد نقل القسم الى مستشفى ابراهيم مالك وإفساح الإمكانات وتطوير العناية المكثفة أصبح المريض لا ينتظر الا شهراً واحداً، ونسعى إلى زيادة عدد الاختصاصيين حتى تكون فترة الانتظار أقل من أسبوعين، مع وجود قسم كامل للأبحاث في أمرض المخ والأعصاب بمستشفى إبراهيم مالك، كما تم تزويد المستشفى بجهاز أشعة مقطعية لتتكامل خدمات مرضى المخ والأعصاب في مكان واحد، كل ذلك ولا يبعد مستشفى إبراهيم مالك عن مستشفى الشعب إلا بضعة كيلومترات. ٭ إذن لم يكن هنالك تجفيف وإنما ترتيب للخدمات الطبية حسب حاجة المريض وراحته. ودرج الناس على تلقي العلاج في المستشفيات الكبيرة مثل مستشفى الخرطوم التي أنشئت قبل اكثر مئة عام، وبمرور الوقت ضاقت المستشفى بالاعداد الكبيرة من المرضى مما اثقل كاهل المباني والخدمات وعجزت عن أن تقوم بما كانت تقوم به سابقاً، ورغم وجود «48» مستشفى بالولاية فقد ظل الثقل على مستشفى الخرطوم، ويؤدي هذا التزاحم لحدوث اختلال في النوع وجودة الخدمات. ٭ تحدثت عما سميته الارتباط العاطفي للمستشفيات المرجعية، وقلت انها كانت موئلاً للبكتريا الضارة؟ ما ذكرته أن قسم النساء والتوليد بمستشفى الخرطوم موبوء ببكتريا تصيب النساء والاطفال حديثي الولادة، وقد ثبت ذلك بالفحص المعملي، ويكفي ان المنهولات تقع بالقرب من غرف الولادة والعمليات، حتى بات الاطباء يتعففون من العمل داخل القسم، ووجدت دراسات يعود تاريخها الى قبل عشرة اعوام قضت بازالة هذ المبنى لعدم صلاحيته وعدم ملاءمته للاستخدام الإنساني، ولكن لم يحدث اي تحرك عملي في هذا الشأن، فأوجدنا بديلاً ممتازاً ومهيأً في مستشفى سعد أبو العلا الذي يمكنه استقبال نفس العدد من المرضى الذين كانوا يترددون على قسم الولادة بالخرطوم، وما حدث في مستشفى ابراهيم مالك حدث في مستشفى حاج الصافي، وسيتم افتتاح حوادث مستشفى النو قريباً بإذن الله. ٭ مديونيات المستشفيات والقضايا المتلاحقة والحجز على حسابات وممتلكات المستشفيات مؤشر خطير يحكي حالة من اللامبالاة؟ الوزارة ورثت هذه المستشفيات وهي مديونة، وكان هنالك وعد قاطع بأن تتولى الحكومة الاتحادية مستحقات ما قبل الأيلولة، والمديونيات كانت أمامي وقد بلغت «43» مليار جنيه، وجلسنا مع المالية الاتحادية ووجدنا أن الرقم لا تسنده الوثائق والمستندات، وتمخض المبلغ حتى وقف عند «13» مليار جنيه موزعة على المستشفيات. ونستطيع إن نقول إننا منذ استلام هذه المستشفيات لم نضف لديونها أية ديون جديدة ورغم التزام المالية الاتحادية إلا انها لم تفي بدعمها، وتمت جدولة هذه التركة الثقيلة، وبدأنا في دفع ما نستطيع، وجاءت المديونية نتيجة تجربة استقلالية المستشفيات التي انتهجت قبل الأيلولة، الأمر الذي أدخل المستشفيات في ديون لعدم وجود خطط في طريقة الشراء والمتابعة، وكانت تفتقر إلى سبل التضييق على منافذ التسريب، والآن يمكننا تسديد كل المديونيات حال استرداد استحقاقات المستشفيات على الآخرين. ٭ من أين تأتي هذه الاستحقاقات؟ هنالك مستشفيات خاصة وأجنحة خاصة داخل المستشفيات الكبرى مثل الجنوبي «الخرطوم» والبقعة «ام درمان» والخاص «بحري»، وتم تأهيل وتأسيس هذه المستشفيات، وهذه التجربة فشلت فشلاً ذريعاً ليس فقط قي دفع قيمة الايجار الضعيفة، بل زاد الامر سوءاً عجز الشركات عن دفع الايجارات وصيانة المعدات عالية الجودة التي اشترتها الدولة. واستحقاقات مستشفى أم درمان تبلغ «2.6» مليار جنيه على مستشفى البقعة، ولمستشفى بحري استحقاقات تبلغ «3» مليارات جنيه. ٭ للوزارة تجربة في إدارة هذه المستشفيات الخاصة.. ما هي مخرجات هذه التجرية؟ يعلم الكثيرون ان ايجار المستشفى الجنوبي للقطاع الخاص كان في حدود «220» مليون جنيه، وخفض على مراحل مختلفة إلى «160» مليون جنيه مع فترة سماح «6» شهور، ولم يتم الدفع. والآن دخل الجنوبي في ادارة مستشفى الخرطوم وباتت ارباحه تزيد عن «340» مليون جنيه. ٭ هل يعني هذا أنكم ستعلمون على تعميم التجربة؟ أصدر النائب العام قراره النهائي الذي يقضي بإخلاء مستشفى البقعة والجناح الخاص بمستشفى بحري، وإجراءات تنفيذ القرار لدى شرطة الولاية، وعند التنفيذ ستتنفس هذه المستشفيات الصعداء. ٭ كيف ترى شعار توطين العلاج؟ تقع مسؤولية تقديم العلاج بمستوياته الثلاثة على الدولة، مع التركيز على المستويين الاول والثاني، والآن شهدت الولاية توسعاً في المستوى الأول عبر المراكز الصحية، اضافة إلى تقدم ممتاز في المستوى الثاني بما يكفل العلاج بصورة جيدة في المستويين، وتسعى الوزارة لترفيع العلاج المرجعي، وقد تم شراء قسطرة قلب بتكلفة «5.3» مليار جنيه لمستشفى أحمد قاسم، اضافة لشراء الأشعة المقطعية لمستشفى ابراهيم مالك، كما تم تطوير جراحة الأطفال بمستشفى بشائر. ونعتقد أن هذه المعطيات تقلل من احتياج المرضى للتوجه للقطاع الخاص، ونسعى مع احترامنا للقطاع الخاص ودوره الحيوي إلى ان يكون القطاع الخاص خياراً للمرضى وليس إجباراً أو ضرورة، ونعترف بأن القطاع الخاص أكثر قدرة في بعض التخصصات، ونحن نشجع القطاع الخاص على الدخول في استثمارات بهذه التخصصات، وبوجودها يمكن للدولة عبر الصناديق الاجتماعية من زكاة وتأمين صحي شراء هذه الخدمات للمرضى. وقد تراجع عدد المسافرين للخارج بهدف العلاج لاسباب عدة ربما ابرزها ارتفاع سعر الصرف، وقد اسهم وجود بدائل طبية داخل البلاد في القطاعين العام والخاص، فمثلاً في مجال العظام لا يحتاج مرضى تغيير الركب وجراحة السلسلة الفقرية للعلاج بالخارج، كذلك تتوفر بالبلاد مقومات تشخيص وعلاج امراض القلب بالقسطرة والجراحة وغيره من هذه التخصصات. ونعترف بأن هنالك بعض التخصصات تتطلب سفر المواطنين للخارج مثل جراحة القلب للأطفال أقل من عشرة كيلوجرامات، وبعض الجراحات التجميلية والتشوهات الخلقية. وستظل هناك شريحة من المواطنين يسافرون للعلاج بالخارج، وان توفرت الخدمات بالداخل وذلك لدواعٍ اجتماعية. ٭ مازالت شخصية المستثمر توجه سياسات الوزير مأمون حميدة؟ لقب الوزير المستثمر لقب حبيب إلى نفسي، إذ يؤشر إلى النظرة العملية والضبط الإداري المعروف عن القطاع الخاص. ومن المعلوم عالمياً أن العمل بطريقة الربح والخسارة هو الأقرب للنجاح، وربما احتاجت دماء الدولة الى التلقيح بين ما عرفت به وما تميز به القطاع الخاص، وقد استفدت من تجربتي في القطاع الخاص في كيفية الاستفادة القصوى من الجنيه، وهناك المتابعة الدقيقة التي عرف بها القطاع الخاص. ٭ هل تستهدي بتجارب رجال أعمال استوزروا؟ هنالك تجارب عالمية في استوزار رجال الأعمال بالوزارات الحكومية، وأرى أن تجربة أحمد عز في مصر مبارك كانت فاشلة تماماً، فيما صادفت التجارب الامريكية والبريطانية نجاحاً بالغاً، وسر النجاح والفشل في هذه التجارب يكمن في الالتزام الأخلاقي والأمانة لدى الاشخاص. ٭ أراك قد «سردبت» بقوة في مواجهة الحملة الإعلامية المضرية التي استهدفت توجهاتك في الوزارة؟ التغيير في بلدان العالم الثالث دائماً ما يواجه بعناد مضاد لأسباب كثيرة، أبرزها الجهل بمقاصد التغيير، والشكوك الدائمة لدى البعض في نوايا الحكومات، وهنالك الحملات الشخصية التي وقودها الكراهية والحسد. إن الخريطة الصحية التي بدأنا في تنفيذها جاءت بعد ركود طويل في الخدمات الصحية التي لم تشهد عبر تاريخها تغييراً ملموساً، فقد أنهكت الخلافات بين الكوادر الصحية جسم الخدمة، وتمترست أعداد من الكوادر الطبية في مواقعها التي اعتادت عليها، لكن بعد اتضاح المقاصد الطبية وظهور النتائج الإيجابية ورأى الناس رأي العين ما حققته من تقدم، غير الكثيرون موقفهم ولم يبق إلا الذين في قلوبهم مرض. لقد عاد نفر كريم من الاختصاصيين وباتوا سنداً للخدمة الصحية بعد انتقالها للأطراف. ويكفي القول إن جميع استشاريي جراحة المخ والأعصاب والجراحة والباطنية قد انتقلوا برضاء وقبول لمستشفى إبراهيم مالك عدا اثنين، أحدهما في طريقه للمعاش فيما انتقل الثاني للقطاع الخاص. ٭ كيف تقيم موقف الإعلام قبل وبعد ظهور مخرجات الخريطة الصحية؟ أنا أكن للإعلام كل تقدير واحترام، وأرى أن هنالك ثلاث فرق من أهل الإعلام، فهنالك غالبية أمينة نظرت للخريطة الصحية وأدلت بدلوها في الأمر تقديراً وإبرازاً للسلبيات، وهؤلاء استفدنا من نقدهم وتجاوبنا معهم، وهناك فئة لم تكن لديها المعلومة الكافية ولا الاستعداد لتلقي المعلومة، وهؤلاء ظلوا بين هذا وذاك، وإن كنا نرى أن عدداً من الإخوة الإعلاميين بدأوا يتحسسون أن هنالك جهداً قد بذل. وهنالك الفئة الثالثة فهؤلاء يهاجمون شخص الوزير من غير حيثيات، ولا تثنيهم أية مخرجات سواء أكانت إيجابية أم سلبية.. فقد بلغ الأمر بهؤلاء أن أبرزوا حالات وفيات في أحد المستشفيات، وأبرزوا تقريراً مزوراً أعقبته مقالات متتالية لا تتحدث عن الحدث الكاذب ولكنها تربط الفشل بشخص الوزير، وهذه القضية أمام القضاء، فقد ظلوا يكتبون على مدى خمسين يوماً ويعيدون ذات الأسطوانة المشروخة، وأهداف هؤلاء واضحة ولا تمت للإعلام الهادف بشيء. ٭ ماذا عن الصعوبات البالغة التي يعانيها مرضى الفشل الكلوي؟ مراكز غسيل وعلاج أمراض الفشل الكلوى لا تتبع للوزارة، وإنما تتبع للوزارة الاتحادية.