جعفر حسن محمد أحمد 1- لا يبدو من الاحداث الجارية الآن في مصر والعالم العربي، ان الثورات والانتفاضات العربية قد حققت النتائج المأمولة التي قامت من أجلها. ما هو واضح في الحقيقة ان مصر والعالم العربي دخل في حالة من عدم الاستقرار وتنازع الشرعيات، وغموض المستقبل، فالنظام القديم لم يرحل ولم تتقوض اركانه بالفعل، كما اننا لا نستطيع القول ان نظاماً سياسياً عربياً جديداً مختلفاً بدأ في التشكل، ان النظام القديم يعيد ترتيب اوراقه حتى في غياب رأسه ورموزه، وانه يصارع للبقاء بالحديد والنار أو الدهاء والحيلة او تقديم تنازل هنا أو تنازل هنالك في محاولة لتجنب خسارة كاملة، هنالك بالطبع عوامل داخلية تتصل بطبيعة النظام المصري والعربي ووجوهه المحلية والاقليمية كما تتصل بلعبة الامم وعاملي الضغط واسرائيل، وهي جميعاً تؤثر سلباً في عملية انتقال الشعوب العربية الى ما بعد الانتفاضات او ما بعد الثورات، للتوصل الى عقد اجتماعي سياسي جديد يقوم بين السلطة والشعب. ولكن حال المراوحة هذه او التوتر العميق الذي ينذر بانفجارات متجددة وانتفاضات وثورات تلي الانتفاضات، والثورات التي حدثت لا تعني ان العالم العربي ما زال مقيماً في ماضي النظام العربي وآليات اشتغاله. ثمة نقلة واسعة حدثت سوف تؤثر مستقبلاً في الحياة السياسية والاجتماعية العربية وتعيد السلطة للناس بحيث يكون الحاكم من الناس وفي خدمتهم ويحكم عليه من خلال تطبيقه للقانون واحترام الدستور والتزامه بالعقد الاجتماعي المتفق عليه. 2- لقد حققت الثورات والانتفاضات العربية انعطافة جذرية على صعيد السياسة والمجتمع، خصوصا فيما يتعلق بمفهوم تداول السلطة والديمقراطية السياسية ومسألة الحريات، صحيح ان هذه المفاهيم لم ترسخ بعد وكان ما تحقق هو ان هذه العناوين اساسية في الحياة السياسية العربية، ولا مجال لتجاوزها ولا عيش بدون ديمقراطية او عدالة اجتماعية أو كرامة ومواطنة فعلية أو حرية. ولتحقيق هذه العناوين يجب التحشد حولها والتمسك بها، حتى لا تحل سلطة محل سلطة أو نظام محل نظام فنقع في احضان استبداد جديد يرفع شعارات مختلفة لكنه يخنق في نفس الوقت انفاس الناس ويغتصب حرياتهم وما يحمي من هذا المصير المفجع للثورات هو التمسك بما تحقق والبناء على النتائج التي ادى اليها الحراك الجماهيري الذي نقل العالم العربي من ضفة الى ضفة، ومن زمن الاستبداد الى وعد الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية. 3- ولكن ولكي لا يتحول الربيع المصري والربيع العربي الى شتاء قارس علينا ان نؤمن ان الحال لا يتغير بين يوم وليلة ولا يحصل الناس على ما يتمنون بمجرد التمني. تجارب البشر على مدار العصور تدل على ان التاريخ تراكم وان العمل هو الذي يجعل هذا التراكم ممكناً وان البشر هم من يصنعون تاريخهم بأنفسهم. ان التراكم هو الذي يكفل التقدم الى الامام، رغم ان التاريخ ماكر ويتسم بعودات وانتكاسات تفرض نفسها على حركة التقدم وسوف يعاني الناس في دول الربيع العربي في الفترات الانتقالية من الحيرة والارباك والبحث عن صيغ العيش التي يتوافقون عليها، كما انهم سوف يعانون من سوء الاوضاع الاقتصادية والبلبلة السياسية وتناقض البرامج السياسية لانهم طالعون من بئر الطغيان العميقة يتصارعون فيما بينهم على شكل النظام السياسي الذي يعتقدون انه الامثل. تلك هي ضريبة الثورات والتحولات العاصفة التي تضرب المجتمعات وتغير واقعها السياسي والاجتماعي والثقافي كما تغير الافكار والقناعات، ومع ذلك لا شك ان الجميع سوف يتغيرون «اليمين واليسار والاشتراكيين والليبراليين والسلفيين والاسلاميين الوسطيين والمتطرفين» سيحصل ذلك غض النظر عن اتجاهات هذا التغيير وسيكون ذلك لصالح المجتمعات العربية في المستقبل. لان العطالة التاريخية وتردي العالم العربي من قاع الى قاع خلال السنوات الماضية عطل عجلة التقدم في الوطن العربي وافسد الحياة السياسية والثقافية واعاق فرص النمو الاقتصادي وشوّه البنى التحتية الاجتماعية، كل ذلك أحدث تشوهات تهدد لا المجتمعات فقط بل تهدد وجود الدول نفسها التي أوهمت الناس أنها قامت على أساس من التعاقد الاجتماعي الذي يحفظ كيان الدولة ويحقق استقرار المجتمعات في الوقت نفسه. وما يحتاجه الاخوة المصريون والثورة المصرية والربيع العربي وكل العرب، الآن هو التمتع ببصيرة تاريخية، فلا تتصارع التيارات السياسية والفئات الاجتماعية والطوائف والمذاهب والعقائد الفكرية للاستئثار بالسلطة، بل تسعى هذه المكونات المختلفة للوصول الى ديمقراطيات توافقية تأخذ في الحسبان الحاجات السياسية للمجتمعات ووواقع السياسة الدولية وضرورة التوصل الى نوع من الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يضمن حقوق جميع الفئات التي تكوِّن المجتمع. 4- استطاعت تيارات الاسلام السياسي ان تستفيد من أحداث الربيع العربي لتمسك بمقاليد السلطة في مصر وعدد من دول الربيع العربي، ولقد كانت الخارطة السياسية في مصر والدول العربية ودول الربيع العربي مهيأة لاستقبال الاحزاب الاسلامية والتي عملت في غياب التيارات السياسية العلمانية واليسارية والليبرالية في الشارع السياسي، عملت الاحزاب الاسلامية على استقطاب القواعد الشعبية المتدنية بالاساس، والتي انتهكتها سياسات الليبراليين الجدد الذين باعوا القطاع العام لصالح طبقة فاسدة شرهة ناشئة من الاغنياء الجدد، لقد هيأت السلطة المصرية والعربية المستبدة والفاسدة المسرح لصعود الاسلاميين وتسلمهم مقاليد السلطة عبر انتخابات شرعية نزيهة شهد بها كل العالم في الداخل والخارج. وقد تحقق بذلك هدف الثورة الكبير والذي يتمثل في اعادة السلطة للشعب وان يصبح المصري قادراً على اختيار الحاكم بحرية تامة وارادة مطلقة وقد تحقق هذا الهدف وتم انجازه بنجاح واستطاع الشعب المصري ان ينتخب رئيس الدولة لاول مرة في تاريخ مصر القديم والحديث، ومن خلال معركة تنافسية حقيقية محمومة وشرسة وحادة ودقيقة، لا يجوز التقليل من هذا الانجاز ولا يجوز ان يتجرأ أحد يملك ذرة من عقل ومنطق ووطنية أن يحط من شأن هذا الهدف التاريخي العظيم الذي يبعث على الفخر والاعتزاز والتسامي الذي يصل الى مدارات نجوم أفقاً وعلواً وانطلاقاً في سماء الحرية والغارقون في العبودية وحدهم الذين لا يدركون عظمة هذا الانجاز وسمو الهدف. هذا الانجاز وضع مصر على عتبة جديدة ونقلها نحو مرحلة مختلفة جذرياً تتيح المجال للشعب المصري القدرة على استبدال الحاكم بعد انتهاء دورته عبر انتخابات عامة قادمة من خلال تكرار معركة التنافس ذاتها بين القوى السياسية والمكونات الفعلية للشعب المصري، بعيداً عن منطق الفوضى والعنف والثورة والتمرد. 5- عندما انحصر التنافس الرئاسي بين الدكتور مرسي مرشح الاخوان المسلمين والفريق شفيق مرشح القوى السياسية والفلول، بات واضحاً ان المجتمع السياسي المصري انقسم على نفسه بعد ما كان موحداً ايام الثورة، انقسم الى فريقين فريق «الدكتور مرسي» واصطف معه معظم القوى الاسلامية والكثير من شباب الثورة والكارهين لعودة النظام القديم في شخص «الفريق شفيق»، بينما اصطف مع «الفريق شفيق» كل القوى الليبرالية واليسارية والاشتراكية وكل أصحاب المصالح الذين تضرروا بقيام الثورة ومعهم كل الفلول وجهات خارجية عربية وغربية كارهة للاخوان خائفة من انتقال العدوة لاوطانهم، وقدموا المال والدعم المادي والمعنوي مما مكن الفريق شفيق من الاستناد على دعم اعلامي كبير سواء أكان مرئيا أو سمعيا أو مكتوبا مكن الفريق شفيق من منافسة الاسلاميين منافسة قوية وان كانت الغلبة الاخيرة للتيار الاسلامي، وجلس الدكتور مرسي على كرسي رئاسة مصر لاربع سنوات قادمة. ومنذ تلك اللحظة اتحدت القوى المعارضة مع فلول النظام القديم واصحاب المصالح المتضررة من زوال النظام السابق، واجماع المعارضة هذا الممزوج بالعداء الفكري والآيديولوجي سعى منذ اللحظة الاولى على إفشال التجربة الديمقراطية وعلى اسقاط الرئيس المنتخب وفي أيامه وأسابيعه الاولى، فخرجت المسيرات والمظاهرات والاعتصامات في كل شوارع وميادين مصر يساند مطالبها اعلام قوي مؤثر في الرأي العام وبمعاونة ومساندة خارجية مادية ومعنوية ووقف الرئيس مرسي ومن معه من القوى الاسلامية في خنادق الدفاع والمدافعة، في الايام الأخيرة من شهر يونيو المنصرم احنشدت المعارضة تحت لافتة حركة «تمرد» مع المطالبة برحيل الرئيس وقيام انتخابات رئاسية مبكرة، بينما احتشد الاسلاميون في ميادين ومدن مصر تحت لافتة «مع الشرعية» ودعماً للرئيس. ما ان حلّ يوم الثلاثين «03 يونيو» وصل الطرفان المتناحران الى طريق مسدود يؤدي الى نفق مظلم، اما «علي» أو «معاوية». 6- ولكن يبقى السؤال المهم هو؟: ما الذي دفع هؤلاء الى الانقلاب وقيادة التمرد على نظام انتجته الثورة وافرزته صناديق الانتخاب بطريقة ديمقراطية شهد لها الكل؟ وهل هي الخصومة السياسية التي جمعت «الخاسرين» في الانتخابات مع ما تبقى من اركان النظام السابق دفعتهم الى تصفية حساباتهم مع «الاخوان» تحديداً ومع الاسلاميين عموماً. ام ان اخطاء مرسي «وقد اعترف ببعضها» وجماعته هي التي أحبطت ابناء الثورة وحركتهم للدفاع عنها واعادتها الى السكة الصحيحة. ام ان وراء هذا الحشد «جبهة» من الداخل والخارج هدفها اجهاض الثورة وتحطيم مصر واقصائها من مكانتها ودورها واعادتها الى الوراء؟ والاجابة على هذا كل ذلك وارد. ولكن الثغرة الاساسية التي سمحت لحركة «غزو» ان تتعلق وسط الناس وتحشدهم لمواجهة «مرسي» في عيد رئاسته الاولى، ربما تعود لاخطاء النظام الجديد وعدم قدرته على حمل حلم الثورة وانجاز ما يطمئن المصريين على انها ما تزال بخير. والاخطاء هذه يتحملها أولاً: الرئيس وطاقم رئاسته. ثانياً: جماعة الاخوان المسلمين التي يفترض ان تكون مرجعيته. وثالثاً: عناد المعارضة وتهورها واستعجالها المفاصلة مع «الاخوان» على حساب مصلحة مصر وثورتها. ولكن وبما ان «مرسي» جاء في لحظة خاصة اكتشف فيها المصريون ان ساعة التغيير دقت وان شرعيتهم التي منحوها لمن سبقه سقطت وان ارادتهم وحدها يجب ان تكون الحاكمة، وربما غاب عن «الاخوان» ورئيسهم ان يتعاملوا مع هذه «اللحظة» كما يجب أو أن يقدروا حساباتها بعيداً عن الاستحواذ بالسلطة والارتباك في الاجراءات والمقررات والعجز عن قراءة الصورة بعيون الجماعة الوطنية لا بعيون جماعة الاخوان فقط. ولكن ومع كل ذلك كان من المنطق والعقل اعطاء الرئيس المنتخب الفرصة التامة والكاملة وان يعمل على تحقيق برنامجه المعلن لمرحلة التأسيس الاولى وان يمنح كل الصلاحيات الدستورية والقانونية على التنفيذ. فضلاً عن المنطق الذي يفرض التعاون واسداء النصيحة المخلصة والمشورة الصادقة نحو تحقيق المصلحة العامة وترسيخ جذور الديمقراطية الوليدة. وكما أنه ليس سهلاً عندما يتمكن الشعب من الاختيار ان ينقل الى مصاف الدول الكبرى دفعة واحدة وان يكون قادراً على التخلص من الفقر والبؤس والترهل والعجز والامية، بل يمكن القول ان انتخاب الرئيس عبر صناديق الاقتراع وضع مصر في بداية الطريق نحو البناء والانجاز وسوف تكون البداية صعبة وشاقة وقاسية وبطيئة ومملة لان سنن الكون تقول ان معركة البناء ليست كمعركة الهدم من حيث السرعة واستهلاك الوقت. ومع ذلك علينا الاخذ في الاعتبار المهمة الصعبة والقاسية التي وضع فيها الرئيس المنتخب في ظل تراث الدولة العميقة الباقية بمؤسساتها وكادرها الوظيفي وفي ظل غياب النظام المؤسسي المكتمل البناء وفقاً لفلسفة موحدة ومنهجية واضحة تحظى بالاجماع، وفي ظل طموحات الجماهير الواسعة وآمالها العريضة بحلول سريعة لا تقبل الانتظار. 7- ان قيام ثورات الربيع العربي مثل انقلاباً مضاداً ضد الاستراتيجيات الاسرائيلية والاميركية في منطقة الشرق الاوسط، فكان الخاسر الأول من الربيع العربي هو دولة اسرائيل والخاسر الثاني الولاياتالمتحدة الاميركية التي تزعم انها تساند هذه الثورات. واما على مستوى الافراد فهنالك الكثير من الحكام ورجال المال والصناعة الذين ظلوا يحظون بدعم الولاياتالمتحدة والدول الغربية لهم مالياً وسياسياً واقتصادياً، واما بالنسبة لدولة اسرائيل فقد كانت الخاسر الاكبر في كل ذلك ولا شك ان نتائج هذه الثورات اثرت عليها وستؤثر في المستقبل تأثيراً شديداً سيجر بها الى دفع ثمن الجمود السياسي خلال العقود الماضية وسياستها المتشددة مع كل مبادرة من قبل القيادات العربية دونما اي حساب لردة فعل الشارع العربي. وقد يسبب ذلك الغاء شبه فوري لاتفاقية السلام «كامب ديفيد» مع مصر والاردن ووقف تام لكل شراكة اسرائيلية فلسطينية في الامن والاقتصاد ما يستوجب نفقات امنية هائلة مع وجود شباب يطالب بحقه في الرفاهية. وقد اصدر مركز دراسات الامن القومي في جامعة «تل آبيب» تقريره الاستراتيجي لعام 1102م والذي تناول تقريباً كل جوانب «الحياة» في اسرائيل، وقد ورد في هذا التقرير «ان مسيرة نزع الشرعية مستمرة وتفضي لاضعاف ملحوظ لمكانة اسرائيل السياسية والى قيود شديدة على حرية الجيش الاسرائيلي في عملياته وذلك لضعف مكانة اميركا في الشرق الاوسط، ما يؤدي الى سلب اسرائيل عنصراً رئيساً من صورتها الردعية». ويوضح التقرير ايضاً «ان فراغا عظيما نشأ في الشرق الاوسط نتاج ثلاثة ظواهر: الربيع العربي الذي حدث على خلفية انهيار مسار السلام الاسرائيلي، العربية وضعف اميركا الشديد وان التأليف بين الثلاثة سوف يؤدي باسرائيل الى كارثة عظيمة». وأما الخاسر الثاني من قيام ثورات الربيع العربي فهي اميركا، ومن نافلة القول ان المصالح الاستراتيجية والاقتصادية للولايات المتحدة تظل غالباً ثابتة بينما يتغير وفقا لظروف المتطلبات هي السياسية التي تصل من خلالها الى هذه الاستراتيجيات، واما الاهداف الاستراتيجية الاميركية تجاه الشرق الاوسط فتتمثل في شيئين: أولاً: حماية أمن اسرائيل وضمان تفوقها على من حولها. ثانياً: المحافظة على تدفق امدادات النفط والذي هو بمثابة الحياة لاميركا. وفي مصر وبعد تسلم الاسلاميين للسلطة برز واضحاً سعيهم لاستقلالية القرار المصري بعيداً عن الضغوط الخارجية، وانه اصبح هنالك تقارب بين الاسلاميين المصريين وايران وحماس في جهة اخرى. في ظروف وايام الثورة الاولي كانت اميركا لا تستطيع المواجهة مع الانظمة العربية الثورية ولا تستطيع تغيير رياح الديمقراطية ولكنها تحاول ان تتشكل مع هذا التغيير لكي تخدم مصالحها. وايقنت اميركا ان اسلوبها في كسب الشارع العربي العام والاسلامي من خلال ثورات تنادي بمحاربة الطغيان والفساد قد يكون مدخلاً لشعبية اميركا. فخيرت لها «قطر» التي تملك المقومات قوتها الاعلامية التي تتجاوز الحدود وطغيان المال الذي يذلل كل المواقف وكأنها وقعت في فخ عودة الاسلام المتشدد وظهور توجه اسلامي عالمي نحو اقامة دولة اسلامية وسط مناخ عربي واسلامي شعبي ملائم صنعه الظلم والازدواجية والفقر والحرمان وغياب العدالة وعدم المساواة، فكانت الازمة «السورية» مثالاً واضحاً على تكاتف الاسلاميين. خاصة ان مصالحها تلتقي مع اقطار الهلال الشيعي وتطلعات حركة السلفيين الوهابيين في السعودية والحوثيين في اليمن والشيعة في البحرين وقطر وحزب الله في لبنان. والاسرائيليون كذلك ما آلت اليه الاوضاع في الشرق الاوسط وخاصة سوريا وانها اصبحت ولاول مرة وسط بحر من الاسلاميين يحيطون بها من كل اتجاه، ولا يؤمنون الا بالخلاص من الصهيونية والقضاء على دولة اسرائيل واصبحت اسرائيل تتمنى نار «الاسد» ولا جنة الاخوان والمتشددين الاسلاميين. واصبحت اميركا قلقة من التحولات الدراماتيكية في منطقة الشرق، كما ذكرت «واشنطن بوست» وبعدها باسبوع ذكرت «النيويورك تايمز» ان الزعماء العرب اشتكوا من سياسة التحريض التي تمارسها بعض الدول العربية التي تحتمي بالغطاء الاميركي. 8- بناءً على هذه المواقف السياسية والعسكرية والامنية في منطقة الشرق او التي صارت تمثل تهديداً واضحاً لدولة اسرائيل الحليف الاستراتيجي لاميركا، وباتت ايضاً تهدد المصالح الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط والذي رأت معه اميركا ان تبدل سياستها تجاه الازمة السورية وبلدان الربيع العربي. الموقف الاميركي الآن في سوريا يريد ««جنيف 2» ان يرى النور وباتت تتحدث عن استعادة التوازن في سوريا، وليس قلب الموازين فوق رأس «بشار الاسد» وانها غدت على قناعة بوجوب حفظ الجيش والاجهزة الامنية والاجهزة الاخرى لمنع انهيار سوريا وتحولها الى ملاذات آمنة لجميع الفصائل والتيارات والمجاميع التي تكرهها وتناصبها العداء من حزب الله والاحزاب الاسلامية الاخرى وحتى قادة ايمن الظواهري. مثل هذه النقلة والتغيير في السياسة الاميركية تجاه سوريا والشرق الاوسط تستدعي خروج اللاعبين الاساسيين في الازمة السورية والشرق الاوسط من المسرح السياسي وعلى الفور، والامر بهذا المعنى يرمي الى ابعاد كل من أمير قطر، ورئيس تركيا، ورئيس مصر «حمد اردوغان- مرسي» باعتبارهم الجهات الداعمة للثوار السوريين واللاعبين الاساسيين الرامين لاقتلاع نظام «بشار الاسد» من جذوره. 9- والرواية الاكثر شيوعاً ومصدرها الاعلام والخبراء الغربيين، عزت التغيير الذي حدث في قطر يعود الى ضغوط اميركية نقلها مسؤول كبير في «CIA» طلبت منه تسليم مفاتيح السلطة ومقاليدها الى نجله الرابع من زوجاته الثلاث مع عبارة تشيء بتهديدات... والسؤال لماذا تفعل الولايات الاميركية ذلك..؟ وبماذا ازعجها الامير المعتل صحياً كما تقول التقارير.. ولقد كان الامير شديد المهارة في ضبط سياساته على ايقاعات المصالح والاستراتيجيات الاميركية، وهل قصر الامير في هذا الدور لتطلب استبداله بولي عهده؟ ألم يكفها ان قطر انفقت «4» مليارات «اربعة مليارات» من الدولارات الاميركية في مشروعها لاسقاط النظام السوري وباي ثمن؟ كم تريد واشنطن لقطر ان تنفق في حرب سوريا العبثية والدامية. النقلة الاميركية والتغيير في السياسة الاميركية تجاه سوريا والربيع العربي والرامية الى اعادة التوازن في سوريا، كانت تستدعي حسب التقديرات الاميركية خروج الامير حمد وذراعه الايمن «حمد بن جاسم» والاتيان بالامير «تميم»، فالاول وضع ثقله وماله وسمعته ومستقبله الشخصي في معركة اسقاط الاسد ولن يهنأ له بال ان وضع قطار «جنيف 2» على سكته، وهنا يذكر الى الامير الاب «حمد» انه وقف مع ربيع العرب والى جانب الشعوب حتى في الدول التي كانت له مع قياداتها علاقات متينة جداً كما هو الحال في ليبيا وسوريا على وجه التحديد. وقناة الجزيرة كانت التعبير الابرز عن ذلك، الى جانب دعم عملي للمقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، ثم لثورات الربيع العربي بشكل عام، وبخروج الامير حمد سواء أكان برغبة منه او باملاءات خارجية، يكون الربيع العربي والمقاومة الاسلامية قد فقدت زعيما له مواقفه العربية والاسلامية المشرفة، وان ابعاده يرمي الى اضعاف المقاومة العربية والاسلامية لصالح المشروع الصهيوني والاميركي. 01- واما في تركيا فان المظاهرات التي بدأت في ميدان «تقسيم» في اسطنبول وانتشرت في بؤر اخرى في الدولة فهي احد التطورات الاكثر اثارة للاهتمام في تركيا منذ صعود حزب العدالة والتنمية الى الحكم منذ اكثر من عشر سنوات، وبينما لا يزال صعباً ان نرى سيناريو تؤدي فيه المظاهرات الى اسقاط اردوغان فانها كفيلة بان تشكل عائقاً في وجه مساعديه لتغيير مؤسسة الرئاسة في تركيا تمهيداً للانتخابات المباشرة للرئاسة في تركيا في 4102م ويرى بعض المراقبين والمحللين بان انفجار المشاعر الشعبية سيكون له تأثير استراتيجي على الخارطة السياسية لتركيا، ويؤمن الكثير بان ما بدأ كاحتجاج اجتماعي عفوي ربما يترجم الى عمل سياسي منظم ضد الاسلام السياسي في دولة اغلب سكانها مسلمين. ان الاحتجاجات التركية قصد منها التأثير على سياسة تركية الشرق اوسطية الداعمة للقضايا العربية وللربيع العربي والمقاومة الاسلامية والثورة السورية، ولا شك ان تركيا بثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري تريد ان تلعب الدور الاكبر في السياسة الشرق اوسطية، ولكن البعض يريدها ان تنشغل في معاركها الداخلية واشعال الحرائق لها هنا وهنالك لحرمانها من دورها الاقليمي والعالمي المؤثر. 11- ونحن نتتبع اخبار الامير حمد والرئيس اردوغان والرئيس الدكتور مرسي ثلاثتهم الاكثر حماسا لرحيل بشار الاسد او ترجله، ومن التوقف عند واحدة من اهم مفارقات التاريخ واكثرها، اثارة للسخرية: كيف بدأ هؤلاء الثلاثة يخلون مواقعهم حتى قبل ان تطرق الفكرة رأس عدوهم المشترك «بشار الاسد» فالأول امير قطر «حمد» بالتقاعد المبكر، والثاني: الرئيس التركي، بفقدانه رئاسة كاملة الدسم والصلاحية بعد أحداث «تقسيم»، الثالث: رئيس مصر الدكتور محمد مرسي والذي تمت تنحيته بواسطة قيادة الجيش المصري في صراع دامٍ على السلطة في مصر. 21- من الطبيعي ان تفكر الادارة الاميركية وصناع القرار فيها بوسيلة اخرى تعيد رسم صورة اميركا في الشرق الاوسط بعد ان ضلت طريقها وسط ثورات الربيع العربي، والمدخل الاميركي لسياسة الشرق الاوسط الجديد الذي تطبخ معالمه بشكل واضح وبين يتطلب اعادة النظر بكل الانظمة التقليدية ومحاسبتها على شطحاتها السياسية، وهكذا هو توجه الادارة السياسية الاميركية في احداث التغيير وعدم إثارة الانظمة التقليدية بالوقت نفسه. ما تم في قطر وفي مصر وفي تركيا سيتم في عدد من الدول العربية حتى التي شهدت الثورات. فالدوائر الاميركية رسمت خارطة طريق ووضعت بدائل الزعماء وبدأت تتعامل معهم بشكل مباشر وودي، فمن اقتنع وتنازل فقد كسب الاحترام ومن عاند فأمره سهل. 31- ان الانقسام السياسي المصري وصراع القوى السياسية والصراع على السلطة على حافة الهاوية بسبب العمى السياسي والعقم الوطني والفوضى المستمرة بلا أفق ولا منطق قد يؤدي بنا الى كارثة سياسية وأمنية والمستفيد والكاسب الاكثر هي اسرائيل واميركا فالعرب والمسلمون اليوم منشغلون بصراعاتهم الداخلية ومنقسمون على انفسهم ما بين سني وشيعي وما بين مسلم وعلماني... ما بين... ما بين... علينا الحوار الوطني ووضع مصالح الوطن فوق جميع المصالح، وعلينا السعي الجاد لوحدة اسلامية عربية تنحو بها من الغرق وإلا كان الطوفان. خبير وباحث في الشؤون العسكرية والسياسية