شرطة ولاية القضارف تضع حدًا للنشاط الإجرامي لعصابة نهب بالمشروعات الزراعية    استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وراء تزايد تشتت انتباه المراهقين    بدء أعمال ورشة مساحة الإعلام في ظل الحكومة المدنية    سفارة السودان بالقاهرة: تأخر جوازات المحظورين "إجرائي" والحقوق محفوظة    ما بين (سبَاكة) فلوران و(خَرمجَة) ربجيكامب    ضربات سلاح الجو السعودي لتجمعات المليشيات الإماراتية بحضرموت أيقظت عدداً من رموز السياسة والمجتمع في العالم    قرارات لجنة الانضباط برئاسة مهدي البحر في أحداث مباراة الناصر الخرطوم والصفاء الابيض    غوتيريش يدعم مبادرة حكومة السودان للسلام ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار    صقور الجديان" تختتم تحضيراتها استعدادًا لمواجهة غينيا الاستوائية الحاسمة    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية مغمورة تهدي مدير أعمالها هاتف "آيفون 16 برو ماكس" وساخرون: (لو اتشاكلت معاهو بتقلعه منو)    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الامتاع والمكاشفة: في المسموعات الشعبية لمحمد إبراهيم الشوش (2-2)
نشر في الصحافة يوم 02 - 08 - 2013

: نُشر لمحمد ابراهيم الشوش كتابان في الآونة الأخيرة يحتويان على طرائف عصرية، أول الكتابين بعنوان «وجوه وأقنعة» «1989م» يضم 185 طرفة، وثانيهما بعنوان نوادر هذا الزمان «1990م» وبه 190 طرفة. وجاءت مقدمة الكتاب الأول في صفحتين، بينما وُضع الكتاب الثاني في قسمين: الأول دراسة بعنوان «نوادر العرب» وفصولها أحد عشر، وثاني القسمين هو الطرائف ذاتها تحت عنوان «نوادر هذا الزمان». وقد تميز الاخراج في الكتاب الأول بلوحات تصويرية مبهرجة وطموح فني وان لم تزد على الخمس. لكن لوحات الكتاب الثاني كانت خطوطاً كاريكاتيرية غير ملونة، ولعلها تعدت الخمس عشرة لوحة.
الصحافيون:
من أوزار الصحافة المغتربة أن بعض الصحافيين يهاجم سلطات بعض البلدان كوسيلة لابتزازهم، وهذا نشاهده في النادرة رقم 17 من كتاب الشوش الأول ورقم 42 من كتابه الثاني. ولا يحب مسؤول التحرير في رقم 56 الكتاب الأول أن يخط للجريدة أحد الملتحين. وهذه لفتة سياسية محورها مظهر الناس، ونخشى ان أطلنا أن تورطنا جميعاً في الجدل العنيف والدموي حول مفاهيم التطرف والارهاب. وهنالك في رقمي 88 و99 من ذات الكتاب الصنف الصحافي الذي تتعدل مبادئه لتساير كل الأنظمة ويبقى في جميع الأطوار لماعاً ومفيداً لمن يوظفونه. ثم نكاد نلمس بأيدينا الجريدة التي في رقم 68 من الكتاب الثاني، والتي يسميها الراوي: حاطبة ليل، تدفع للكُتاب لأسباب أخرى لا صلة لها بما يكتبون.
أما في رقم 102 من ذات الكتاب فنرى الصحافيين الذين يستهدفون بهجومهم اليومي ودون هوادة بلداً معيناً لأن ذلك البلد ليس من محطات ارتزاقهم. ثم تستكتب صحيفة مغتربة أحدهم في رقم 143 لكنها فجأة تعيد إليه مقاله لأن الشخصية المراد التهجم عليها غيرت مسارها إلى بلد آخر.
لنقُل إن الأخيار موجودون بالطبع في كل المجتمعات التي جمع منها الشوش مسموعاته. لكن النقد السلبي متى ما يبدأ لا يعطي مجالاً للنقيض، ولهذا فبخلاء الجاحظ لا كريم بينهم، وطفيليو الخطيب البغدادي لا قنوع وسطهم، والمغفلون في كتابي ابن الجوزي لا عاقل بجانبهم، وهكذا فالأثرياء عند الشوش لا يميزهم عن مساوئ الفئات التي ذكرناها سلفاً إلا ارتباطهم بعيوب المال.
هذه الملاحظة في رأيي تبقى «عقدة» لدى جامعي النوادر العربية في غالب حقبها، ولا أدري ان كان الشوش أو سواه سيفلت منها يوماً، غير أني أعتقد أن الشوش يخفف عنا عبئها ربما بإعادة نشر نوادره المتماثلة في مقاصدها بدلاً من تكديسها على التتابع كما نرى في عزل الفصول على هدى من مقاصدها لدى أبي هلال العسكري في ديوان المعاني، والزمخشري في ربيع الأبرار والراغب في محاضرات الأدباء.
وهذا العلاج، في نظري، مفيد، حتى لا يغلبنا الانطباع بأن جميع أبطال النوادر الشوشية تغرق أيضاً في السلبيات.
النخب الثرية:
هؤلاء كما يبين لنا يتسببون في إفساد غيرهم والاضرار بهم.. أحدهم في رقم 41 من الكتاب الاول حرم عاملاً فقيراً من حقه وتبجح بظلمه إياه فمات ليلته.
ولا نظن أن الشوش يعزو ذلك للصدف، وعلى كل فنوادر الانتقام الالهي وفيرة في التراث العربي. ولدينا في رقم 73 من الكتاب نفسه ذلك الثري الذي يتزوج ممثلة مشهورة شاهدها في الصور المتحركة ثم يعاني من مزاجها ورغباتها، وهي صورة نموذجية يحاذر الكُتاب ظلالها الوقائعية. وفي نفس المجلد نشاهد عند رقم 77 غضب احد الاثرياء لان الموظفة لديه لم تقع في حبائله، وهو نمط بالفعل، ويترك احد الموظفين عمله في رقم 66 من ذات الكتاب لان افراد العائلة الثرية التي توظفه جميعهم يأتون الى المكاتب فيأمرون وينهون.
ولعل من أغرب ضروب بخل الاثرياء انهم في رقم 37 من الكتاب الثاني «تزوجوا» حسب تعبير المؤلف، خادمتهم حتى يحرموها من مرتبها، وهنالك سيدة في رقم 113 من هذا الكتاب فشلت في انقاص وزنها برجيمات لندن وفيينا وواشنطن وباريس وجنيف، فنصحتها احداهن بأن ترحل الى مخيمات اللاجئين في إفريقيا وستجد حلاً فورياً.. كما يناشد الكاتبون الوطنيون رجال الاعمال المسلمين بأن ينهجوا نهج رصفائهم في الغرب، بل قل ان يعودوا الى تراثهم فيتعرفوا على ما اوقفه اسلافهم من مدارس وبيمارستانات ومكتبات ودور عبادة لمنفعة مجتمعاتهم، فإنشاء المدارس والمستشفيات وتمويل الأبحاث العلمية والمشروعات الخيرية كان بالتأكيد سيقلل من غلواء «حقيقية» هذه الصور التي لا يسردها علينا الشوش وحده.
الكُتاب والشعراء والفنانون:
هنالك كتب كثيرة يُروج لها وهي فاشلة، لكن الكاتب الصادق مع نفسه حتماً سيستفزه جداً ما حدث لذلك المؤلف في الطرفة رقم 61 من الكتاب الأول، فقد قاطع مدير مؤسسة التوزيع شروح المؤلف عن أهداف كتابه ناصحاً إياه: «يا أخي كل هذا ليس مهماً، المهم ان ترسل طلباً لمجلس ادارة المؤسسة مع نسخة من الكتاب وبعض المستندات التي تثبت انك مواطن».
ولدينا أخبار مستفيضة وذائعة شفاهة عن كُتاب عرب كبار عُرفوا بالادعاء الفارغ وبالبخل المرضي وما عداها. والنادرة رقم 80 من الكتاب الاول تصور احد هؤلاء، فهو يرفض جائزة نوبل قبل أن ينالها بعدما اشبع الجمهور اخباراً لسنين بانه مرشح لها. ورقم 63 من الكتاب الثاني تتحدث عن كاتب لم يعزم الرسول الذي جاء ليستكتبه ولو على كأس ماء، فينتقم منه هذا بالاعتذار على لسانه لدى المستكتبين، وتضيع على الكاتب البخيل فرصة. وفي هذا الكتاب أيضاً عند رقم 190 يلاقينا الكاتب الذي حوّل نفسه الى نديم لاهل السلطة يسامرهم الليالي الطويلة بحكايات من مستودعات النوادر التراثية لدى الاصفهاني وابن عبد ربه والبهاء العاملي.
اما اهل الفن فيعيدوننا الى الكتاب الاول، نراهم في رقم 148 يدفعون برشوات منتظمة من فتات موائدهم لاهل الحي حول ملهاهم حتى يتحمل جيرانهم افسادهم للمجتمع من حولهم، وهي حالة شهدتها شخصياً بام عيني.
فتش على المرأة:
هنا عالم آخر شفيف يخفف عنا سلبيات الفاسدين، فكبار السن يتزوجون الصغيرات ويقع كثير منهم في المشكلات. والنبيهة قد تتزوج رجلاً ثرياً من أجل نيل كل ما تشتهي، والرجال يهجعون الى بيوتهم لا ليسمعوا أخبار الجارات وما عداهن من نسائهم.. وتحيرك تلك الرغبة المستعرة عند المرأة لأن تسمع من زوجها معسول الكلام، اما الزوجة الخبيرة فتحتمل أكاذيب زوجها وما يضايقها منه، ثم يباغت الذاهب للمعاش بأنه كان يجهل مثالب اهل بيته تماماً حينما كان يعمل.
وقد تفقد ربة بيت اعصابها للحد الذي ترمي به اقرب ما بيدها من النافذة، واخرى تدفع اي شيء لكي يعارضها زوجها ولو مرة واحدة. وبعضهن ترتعب لفكرة الزواج عليها بينما سواها تنتظر ذلك باعصاب باردة حتى تقع القادمة في المطب الذي رسخت هي فيه. والذي تقدم كله من الكتاب الاول، اما في الكتاب الثاني فقد علموا العروسة ان تصرخ فاذا باخيها اللا ادري يقتحم خدر عرسها ويشبع العريس ضرباً.
وناكرو الجميل المحتاجون يتزوجون الثريات ثم يتركوهن بعد بلوغ النجاح. وعسى ان تكون درة طرائف الشوش في الرجل والمرأة هي رقم 82 اذ يظن الغيور أن احدهم ينوي مغازلة زوجته في التلفون ليكتشف بالصدفة وهو هارب من البيت مأزوماً أن العلة في الجهاز فيستر حاله بالعودة الى البيت ومعه الاسورة التي طلبتها من زمن.
لا عجب إن كانت الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة والصور المتحركة جميعاً لم تستنفد رغبات الناس في استكشاف المناحي الخفية في العلاقة بين الرجل والمرأة، ففي معمعة السلبيات الشنيعة للنخب المتعلمة والثرية الخانقة لانسانية الانسان، كما تعرضها فنون العصر، تتناثر أمثال نوادر الشوش هذى وكأنهن نوافذ على حديقة غناء من سجن معتم كالح، ومع ذلك فإن العلاقة بين المرأة والرجل في ثقافتين مختلفتين بوضوح كالمشرق والمغرب تعطي انطباعاً مختلفاً، كأن الحديقة الغناء تلك تتناظر فيها اشجار من مناخات متباينة، فلا يدري المرء هل يسر ذلك أي انسان ام يكدره، ولعل هذه حالة العلاقة مع الأجنبيات.
العلاقة مع الأجنبيات:
عبور الجسر عاطفياً بين حضارتين متمايزتين امر لا يجوز القفز عليه، ومع ذلك فكثير من الرجال والنساء يعبرونه باستمرار، وهذا يخلق لهم ولغيرهم بعض الاشكالات، ففي رقم 5 من الكتاب الاول شاهدت الأم القروية خطيبة ابنها بشعرها الاشقر المنفوش وكعبها العالي ثم هاجمتها كوابيس الليل على هيئات الخطيبة، واستنفر أحد الدارسين في لندن اكوام الاكاذيب ليستدرج الاجنبية لكنها تقرعه بأن الذي يرغب فيه لا يستحق كل أكاذيبه، أما الاجنبية التي أغواها الغوي المبتعث ثم تنكر لها فلم تقبل منه تندماته واعلمته بانها كانت تعتبره سلة قمامة تخلصت فيه من شيء لم تعد ترغب فيه.
وأحدهم عاد إلى بلاده ثم كلما ارسلت اليه الاجنبية صورهما معاً عرضها على اصحابه ومناهم بما لم يروا بعد، وتزوج بعضهم شقراء من بلاد الشمال ثم طلقها حينما انسجمت مع الحياة في قريته، وهنالك صورة نمطية في رقم 158 من الكتاب الاول، حيث يلح المتعالج في لندن على ممرضته ان تزوره في شقته فإذا بها تصحب خطيبها فلا يرد احد على قرعهما للباب، وعند رقم 176 يظهر انهم في البلد العربي صنعوا قبيلة للمتزوجين بالأجنبيات يقيمون على اساسها حفلات دورية تشدهم الى بعضهم، اما في الكتاب الثاني فتجيء رقم 29 لتصور المبتعث الذي عزم على طلاق ام اولاده، لولا أن تردعه الاجنبية رافضة ربط حياتها بمن يتخلى عن زوجه واطفاله لاجل نزوة طارئة.
يعيش المسلم المتزوج بالأجنبية في تنازع ثقافي من نوع ما، لأنه كما نرى هنا يعايش زوجته بقيمها ويساكن مواطنيه بقيمهم، فاذا ما وقع في شراك خط التصادم بين القيم المتباينة تصرف بلا حصافة. وفي الكتاب الثاني وفي رقم 177 كان الرجل يدافع عن حق الخطيبين في التعرف على بعض قبل الزواج، وهوجم الرجل بعنف من اخوانه الوطنيين فهرعت زوجته لنجدته، وكانت تندفع لشرح ما كانا عليه قبل زواجهما حينما لكزهما بعلها لكزة متينة فصمتت.
هذا التنازع الثقافي يطبع كذلك تصرفات المبعوثين الى الخارج في مهام وطنية واستجابات القادمين من الغرب للبلاد العربية الاسلامية، فالأجنبي يحتار للهدايا غير المناسبة التي يعطيها المسؤولون للخبراء الاجانب مثل ما في رقم 24 من الكتاب الثاني. وفي نفس المجلد نشاهد بطل رقم 114، وهو وطني، يتعذب وراء البرنامج الذي اعده له المجلس الثقافي البريطاني، اذ يشاهد لهم فناً لا يفهمه ويسبب له صداعاً لعدة ايام، فلما اطلقوا سراحه من غسلهم لدماغه اعاد غسل دماغه من غسيلهم، عكسياً، بسهرة في ملهى شرقي بلندن وانعدل مزاجه، ويبهر الزائر الأجنبي حينما يتفاخر المسؤول الوطني بأنهم قد استفادوا من النفايات في بلدهم اكثر مما استفاد منها صناعها لأنهم هنا قد استخرجوا منها برامج ومسلسلات تلفزيونية ناجحة.
فهل تعود الثقافة العربية الإسلامية الى جذورها القيمية الأصيلة لدى القرية والبادية عن طريق استرجاع المتعلمين لذكريات المنشأ والسعي مراراً «للاصطياف» هنالك.
أهل القرية أدرى:
لم يكتشف أحدهم كم كان ابوه يحب أمه إلا عندما ماتت، لأنه قبضه متلبساً بالبكاء عليها، وعاد الدارس في لوس أنجلوس الى القرية ثم روى عرضاً خبر الجماعة المخنثة هناك، في منتصف الليل ايقظ الوالد ابنه البكر وأمره أن يزوج شقيقه المغترب غداً والا فلا يسافرن للخارج قط. ودارس آخر فاتح اباه حول رغبته في التزوج باحدى غجريات الحي فاذا بابيه يقهقه حتى يشبع قهقهة ويكتفي كلاهما بتلك الاجابة، ثم ينصح الابن وهو خبير اقتصادي والده بأن يحل عمه الاصغر ورطته المالية بإعلان افلاسه فيذعر والده، ويرد على ابنه: «ديوننا في هذه البلاد لا تحميها الصكوك والمستندات وانما تحميها سمعتنا، فهل تريدنا أن نعلن إفلاس سمعتنا».
ومن جنس النوادر اللغوية التي عمرت بها كتب النوادر التراثية العربية، يروي الشوش في الكتاب الاول رقم 183 ان القروية وجدت الاطباء في «انتماع» فلم يعالجوا لها ولدها.. ونظنه اجتماع، ثم ان والدة المسؤول الكبير في الكتاب الثاني رقم 99 كانت تتحدث عن ان ابنها نبيه لأنه «تدهور وتدهور» حتى اصبح مديراً للجامعة.
قيم القرية والبادية ستظل بالنسبة للنخب العربية المثقفة بالذات تمثل المعادل الوجداني لدوختهم أمام الثقافات الغالبة التي تحاصرهم، وهم يعودون إلى التراث العربي كما يفعل الشوش ليستلهموا الشكل والفلسفة المناسبين لتحديث نوادر تفصح عن عصرهم، لكنهم أيضاً يعودون الى القرية ليعيدوا اكتشاف جذورهم ويشعروا بذاتياهم الحقة.
ولعله من المفارقات العجيبة ان اليكس هيلي المتربع على مكانة جليلة وسط الكُتاب الاميركيين العصريين لا يجد لذاته الأصيلة نهاية، ولا يبلغ في ذلك قمته الادائية الا بالهجرة عبر دهاليز المرويات الشفهية، لقرون، وعكسياً الى قرى في مالي متخطياً تعقيدات حضارة غلبته الى بساطة حضارة انجبته.
والشوش، ذلك الاكاديمي الذي حاضر طويلاً في الادب العربي والادب المقارن وأسس داراً للنشر ومجلة ثقافية شامخة والف عدة كتب منهجية، يجد كذلك ذاته في الرجوع الى النادرة كشكل تعبيري قائم على مزج ثقافته وفطرة قومه، وليسترجع من خلالها تجارب حياته في مراحلها الرئيسة، فيدرك المعاني التي يكاشف بها من يفاكرهم من المتلقين.
د لأجل مكان بارز في الترتيب الجمعي:
لا يملي القراء على المؤلف رأياً، ولكن النقاد لا يتوقفون عن المخاطرة بتقديم النصائح للمؤلفين، وسأخاطر هنا باعتبار شخصي قارئاً ناقداً فاشتهي ان ارى مجموعة النوادر الخمس والسبعين والثلاثمائة هذى، وقد اخذت مكاناً أثيراً بين مجاميع النوادر العربية والكلاسيكية التي ذكرنا الشوش بأشهرها في دراسة كتابه الثاني.
ولذلك، وربما بلسان عدد من القراء، اتمنى لو يجلس الشوش ليدمج مقدمة الكتاب الاول في دراسة الكتاب الثاني، ثم يعيد نشر وتوزيع النوادر كلها من جديد كما يحلو له، المهم أن يجمعها عن بكرة أبيها في مؤلف واحد من الحجم المتوسط مثلاً لأنه سهل التناول، ولأن حكايات الأخوين جريم في مجلد، والديكاميرون في مجلد، وحكايات كانتر بري في مجلد، وخرافات ايسوب ولافونتين كل في مجلد، وحكايات هانز كريستيان اندرسون في مجلد، وسيطيب للقارئ العربي أن يُمتع بنوادر عصره وهو يتأبط هذه المجموعة كلها في مجلد واحد ويسافر براً أو بحراً أو جواً.. ولعله من المستحسن عندئذٍ أن تُختصر المساحات الفارغة التي كثرت صفحات الكتابين الحاليين، وأن يستعاض عن الصور المبهجرجة بالكثير من الرسومات الكاريكاتيرية التي ازدان بها الكتاب الثاني.
وسيظل في مقدور نُقاد أعلم مني أن يواصلوا ما بدأت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.