تقرير : إيراهيم عربي: الإصلاح والتغيير كلمتان مضطردتان، فالإصلاح فى الحكم مقصود به القضاء على الفساد في الأجهزة الحكوميّة إلا أن الكلمة ذاتها لا تقبل إلا التقدم إلى الأفضل، بينما التغيير يمكن أن يكون سيان للأفضل كما يكون للأسوأ، فيما يعتبر مصطلح التغيير فى حد ذاته مثارا للجدل سياسيا ويمكن أن يكون تغييرا طفيفا كما يمكن أن يكون جذريا أو إستئصالا شاملا، فالإصلاح والتغيير مشروع لبرنامج أطلقه أحمد هارون تلبية للطموحات العالية والسقوفات المرتفعة التى استقبلته بها جماهير شمال كردفان محملة إياه أمانة تمثلت فى ثلاثية: موية، طريق، مستشفى، فيما اعتبرها هارون منصات إنطلاق لخطة إصلاحية تنموية نهضوية شاملة، وقال إنها جاءت منطلقة من الآية الكريمة فى قوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ»، إلا ان تلويحات هارون بالإصلاح والتغيير أثارت مخاوف البعض وحفزت فضول الآخرين، سيما وقد رفعت الجماهير شعار التغيير الشامل إذا الجميع فى إنتظار ماذا سيفعل هارون؟. ولكن قبل ذلك كله دعونا نتساءل كيف تبدو الأوضاع فى شمال كردفان؟ ومن ثم هل يستطيع هارون فعلا أن يحقق لأهل الولاية تلك الآمال والتطلعات؟ وما هى مؤشرات النجاح ومهددات الفشل التى ستواجهه؟ وما المطلوب من المركز والكردافة أينما كانوا؟ فالأوضاع فى شمال كردفان كما يقول أهلها وصلت لمرحلة من التدهور والإنهيار الشامل فى محلياتها الثماني بشكلها الجديد بل وصلت لمرحلة اليأس فى ولاية تعتبر الرابعة سكانيا «2 مليون» نسمة تقريبا ترتفع وسطهم درجة الفقر فى ظل ولاية تعيش حد الكفاف، 67 % منهم فى الريف، و20% فى الحضر و 13 % رحل، وهى من أكثر ولايات السودان نزوحا وهجرة بداخل السودان وخارجه بسبب الجفاف والتصحر الذى ضرب سهولها ومزارعها ومراعيها سيما فى الأجزاء الشمالية منها، كما تعانى مدارسها من التسرب وفاقد تربوى كبير بشهادة إدارات التعليم، أراضى الولاية الزراعية حسب خبراء فى المجال إنها فى أمس الحاجة للاستصلاح فى الاراضى الطينية والرملية والقردودية، يقول مسؤولو التخطيط فيها ان شمال كردفان بشكلها الحالى تتمدد فى مساحة حوالى 40 مليون فدان منها 30 مليون فدان صالحة للزراعة والرعى، ولكن لا يتعدى المستخدم منها أكثر من 8 ملايين فدان وتزخر بثروة حيوانية تتجاوز 15 مليون رأس وثروة غابية ضخمة من الصمغ العربى وغيرها. حال التعليم فى شمال كردفان لا يتماشى مع المتطلبات التنموية والنهضوية المبتغاة، فلازالت معظم مدارس الأساس قشية بإعتراف الجهات المسؤولة، أكثر من 2000 مدرسة حكومية وخاصة بها أكثر من 6000 فصل من القش بالريف تنتهى بنهاية كل عام، وأكثر من 200 مدرسة حكومية وخاصة فى الثانوى، فضلا عن الخلاوى، إلا أن كل هذا العدد يقف عاجزا عن سد الفجوة التعليمية ما ساهم فى تزايد نسبة الفاقد التربوى، وليست تلك البيئة المهترئة لوحدها بل النقص الكبير فى التجليس والكتاب المدرسي ونقص المعلمين والتغذية المدرسية وإنعدام الداخليات والرسوم المفروضة أسهمت جميعها فى الوضع الماثل الآن، وهذا بدوره ساهم في ظاهرة التسرب من المدارس فيما جاء التنقيب العشوائي عن الذهب بآثار سلبية إضافية على البيئة التعليمية. فالحال فى الولاية لا يسر! وقد بح صوت أبنائها بقبة البرلمان من المطالبة بقضايا أهاليهم التنموية، فيما وصل نفر منهم لمرحلة البكاء تحسرا على تحويل أموال طريق أم درمان بارا لمشروع آخر بأمر الحكومة المركزية، فضلا عن الكهرباء التى لازالت حلما لدى بعض المدن وعشما يصعب الوصول إليه عند أهل الريف والقرى، فتوقفت الصناعة وفقدت شمال كردفان ما إشتهرت به من صناعات الزيوت وغيرها، أما مشروع خور أبوحبل فظل حلما يراود أهل شمال كردفان بإعتباره المشروع التنموى الوحيد بالولاية، توقف عند بداياته بأمر إدارة السدود والنهضة الزراعية، وعن حال المرافق العلاجية حدث ولاحرج بإعتراف الوالى والوزير المختص وإدارات تلك المرافق والكادر العامل والمواطنين، فمستشفى الأبيض خير دليل وبرهان لما وصل إليه الحقل الصحى والطبى فى الولاية من سوء، وقد انهارت معظم مؤسسات التأمين الصحى أو توقفت عن العمل فيما لا زال مستشفى الضمان الإجتماعى عند سطح الأرض وقد تأخر كثيرا لا لشيء إلا نكاية فى نفر من أبناء الولاية، ولازال مشروع رئيس الجمهورية مدينة الأبيض الطبية من قبل أكثر من عام نطفة فى رحم الغيب، بينما لم يبارح مشروع النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه الذى أطلقه شعارا كردفان الغرة أم خيراً جوة وبرة العتبة الأولى فأصبح كسابق تعهدات حكومية تنموية نهضوية لازالت جميعها تراوح مكانها وانتهى بها المقام بمجرد مغادرة المسؤولون منصة الإحتفال. مشكلة المياه فى شمال كردفان وصفها مراقبون بإنها مقبرة حكوماتها المتعاقبة وقالوا إنها أزمة الولاية الحقيقية وقد ظلت شمال كردفان تعانى شحا فى مياه الشرب ضارب الجذور تتفاوت درجاته فى المحليات المختلفة ما بين مياه المدن ومياه الريف، ويؤكد خبراء فى المجال أن الحل الوحيد للأزمة زيادة مصادر المياه مشروع مياه الفششوية من النيل بكلفة ارتفعت من 275 مليون دولار عام 2008 إلى 650 مليون دولار قبل 8 أشهر إلى 700 - 750 مليون دولار حاليا، فضلا عن حفر المزيد من الآبار الجوفية والحفائر والسدود، إلا أن قيادات الولاية الأهلية تؤكد بأن المياه فى شمال كردفان تعانى من مشاكل إدارية وتجاوزات مالية وفنية، وقالوا ان الهيئة أصبحت أمبراطورية لا يقربها إلا ذوى القربى وأصحاب المصالح الخاصة وقد ساعدتهم القرارات الولائية بتحويل إدارة وتشغيل محطات مياه الريف إلى الهيئة بعد أن كانت تحت إشراف اللجان الشعبية ومجمتعات القرى، وتؤكد ذات الإدارات الأهلية أن حال الدوانكى بالريف وصلت الأوضاع فيها لدرجة من سوء الإدارة إذ تأتى الهيئة وتجمع الأموال وتترك المحطات خرابا ودمارا للجان الشعبية وروابط القرى، فيما كشفت قيادات سياسية بالولاية ل«الصحافة» أن كل الأكشكاك وتناكر و«كوارو» المياه وأماكن الإسبيرات خاصة بمنتسبى الهيئة دون رقيب أو حسيب، فيما وقف الوالى أحمد هارون بنفسه على طبيعة تلك الأكشاك التى تنتهى عندها المياه وتحول دون وصولها الأحياء، أهالى حى ود الياس بمدينة الأبيض حى الوالى المكلف يقولون ان مواسير مياه الحى جفت من إنعدام المياه ثلاثة أشهر قبل أن تعود للتدفق مع تعيين هارون، فيما يقول مواطنون آخرون أن أحياء بعينها لم يطالها إنقطاع المياه ولو مجرد ساعة، ويشيرون لبعض مؤسسات ومرافق حكومية تتدفق منها المياه شلالات هباء منثورا، إلا أن الخلل فى شمال كردفان كما وصفته قيادات بالولاية مالى وإدارى عم المؤسسات الحكومية كافة وتتطلب مراجعة وتفتيشا دقيقا يشمل 32 ألف موظف وعامل بالولاية. مراقبون يقولون فى حديثهم ل«الصحافة» أن حل مشكلة المياه فى شمال كردفان يتطلب من هارون الحسم والبتر السريع مزاوجا بين صرامة سيف الحجاج وحكمة معاوية وعدل عمر وليس ذلك ببعيد عن الوالى وهو ذاته القاضي أحمد محمد هارون، فيما استهل أحمد هارون برنامجه بالطواف على الوزارات والمحليات بوزارة التخطيط العمرانى والمياه قبل المالية وعلى مدى 6 إجتماعات ليجد العجب العجاب من الفساد والخراب والدمار وهو أحق لأن يتحدث بنفسه عن ذلك، فيما لوح هارون بالكرت الأحمر فى وجه العاملين بالمياه فى حال انقطاعها أيام العيد عن أى من أحياء مدينة الأبيض «113 حيا»، ولكنها غمرت الخطوط كافة ولم تتوقف طيلة أيام العيد بل أصبحت عيدية الوالى لأهله كما يقول زميلنا الصحافى الرشيد يوسف فيما أطلق عليها أهل الأبيض شربات هارون. ولكن هل سيجد هارون فى شمال كردفان ذات الدعم والسند المركزى الذى وجده فى جنوب كردفان؟ قيادات كردفانية تقول فى حديثها ل«الصحافة» ان شمال كردفان ذاتها مأزومة ولا تقل أهمية عن جنوبها، وأن هارون أحد فرسان الإنقاذ وأن الدولة جاءت به لنهضة شمال كردفان، ولكنها حذرت فى الوقت ذاته بشدة من جماعات بالمركز لم تسمها وقالت إنها ظلت تعمل لإفشاله، إلا أن ذات القيادات عادت قائلة أحمد هارون آخر سهم إما أن تكون شمال كردفان فى عهده أو ستذهب لمذبلة التاريخ !، فيما يطالب أحمد هارون جميع أبناء الولاية كل من موقع عمله فى الداخل والخارج وعلى مستوى الروابط والأفراد أن يشيلوا الشيلة معه وأن يساهموا فى الثلاثية، إلا أن ذات القيادات عادت لتطالب المركز ورئاسة الجمهورية دعم شمال كردفان ماديا وفنيا وتوجيه المؤسسات الحكومية والطوعية نحو الولاية، ولكن المطلوب أيضا من المواطن الصبر لأجل الإصلاح وصناعة التغيير، والمطلوب من هارون ذاته المضى قدما لمواصلة برنامجه الإصلاح والتغيير وإختيار فريق متجانس وكادر فاعل ذو إيقاع سريع بعيدا عن المجاملات والترضيات والموازنات القبلية والجهوية.