تقرير: صديق رمضان: لكل حرب فاتورة باهظة التكاليف .. والاقتتال القبلي بدارفور والحرب التي اندلعت في 2003 القت ظلالها السالبة علي اقتصاد البلاد، ليلقي ذلك ظلاله القاتمة على حياة المواطنين في اقليم ظل اقتصاده ينزف بعد ان كان يسهم نسبة 60% من الدخل القومي. حسابات وبحسب اقتصاديين ثمة أسلوبان لحساب كلفة الحرب الأول: يحسب كلفة إحلال المواد المدمرة، ويشتمل هذا الأسلوب على الخسائر المباشرة وغير المباشرة للنزاع بناءً على نظرية اقتصادية أو دليل تجريبي، أما الأسلوب الثاني فيحسب كلفة الحرب من خلال نمذجة معروفة باسم التحليل المغاير الذي يُبنى على تقدير ما كان يتوقع أن يشهده النمو الاقتصادي والرفاهية العامة للدولة في حالة عدم تورط الدولة في النزاع، وباتباع أي من الأسلوبين فإنه من الصعب قياس كلفة النزاع بشكل كامل، ويذهب بعض الباحثين إلى أن الحرب الدائرة في دارفور منذ عشر سنوات اثرت على النمو الاقتصادي من خلال تدميرها للموارد، وإضرارها بالبنية الأساسية، وإخلالها بالنظام الاجتماعي، وتبديدها الأموال وهروب رؤوس الأموال، ومن ثم فإن سرعة التعافي من آلام ما بعد الحرب تبقى رهينة بالفترة التي استغرقتها الحرب نفسها، وتبعاً لتقرير التنمية الدولي الصادر عن البنك الدولي «2011م» فإن من يعيشون في دولة هشة متأثرين بالنزاعات المسلحة عادة ما يكونون أكثر عرضة لمعاناة الفقر والحرمان والعجز عن الالتحاق بالتعليم المدرسي، أو الحصول على الرعاية الأساسية، فإن السكان المتضررين يفقدون مصادر رزقهم ويعيشون كلية على الإعانات الغذائية. وقد بدأت الخسارة السنوية لمصادر الكسب الحياتي أو فقدان سبل الإنتاجية بنحو «100» مليون دولار في عام 2003م، وذلك مع بداية اشتعال النزاع بدارفور، وتبعاً لتقرير التنمية الدولي لعام 2011م تسبب ارتفاع عدد النازحين داخلياً في مختلف الدول، ومن بينها السودان، في تقطيع أواصر التنمية البشرية، وخلق تحديات كبرى أمام تلبية الأهداف التنموية في الألفية الجديدة، وفقدان ما قيمته ملايين الدولارات من المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية. منصرف محلي وأجنبي وأظهرت دراسة تقديرية أن كلفة حرب دارفور بلغت «30» مليار دولار، منها عشرة مليارات دولار خسائر قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والغابات بدارفور، وأربعة مليارات خسائر في ممتلكات المواطنين خاصة اولئك الذين اجبرتهم الحرب والاقتتال القبلي على ترك قراهم ومشروعاتهم الزراعية وثروتهم الحيوانية والنزوح الى المعسكرات داخل وخارج السودان، ومليارا جنيه خسائر في البنية التحتية والأربعة مليارات دولار الاخري اعتبرتها الدراسة خسارة طالت قطاعات كثيرة منها التجارة والصناعة، ووضعت منصرفات الحركات المسلحة في هذا البند ايضا، ودارفور قبل اندلاع الحرب كانت تسهم ب 60% من الدخل القومي، ومنذ عام 2003م انقلب الوضع وباتت الدولة توجه 23% من الدخل القومي لمواجهة التسيير الاداري والمشروعات التنموية بالولايات الخمس، فيما يقدر اقتصاديون الصرف على قوات حفظ السلام بدارفور «اليونميد» بعشرين مليار دولار، فيما تقدر الأموال التي صرفتها المنظمات التطوعية الاجنبية والوطنية بخمسة مليارات دولار. آثار سالبة وفي دراسة اعدها الدكتور عبد المجيد احمد عبد الرحمن، اشار الى انه من الطبيعي في ظل المناخ الأمني المضطرب أن يتأثر النشاط الاقتصادي بدارفور، مبيناً ان من الآثار الاقتصادية المترتبة على الحرب والاقتتال القبلي في دارفور تقلص الرقعة الزراعة وتوقف جمع الإنتاج الغابي والعمل في «جناين» الصمغ العربي، وأنه قد تم التخلص من الكثير من الحيوانات، كما تعذر الوصول للأسواق لعرض المتبقي من المحصولات، وان ذلك كان سبباً لأكبر عملية هجرة ونزوح في مجتمعات دارفور. ويوضح أن الأوضاع الأمنية أثرت على الحركة بصفة عامة في مجتمع دارفور، فاضمحلت الأسواق بل أن اغلبها قد توقف، كما أن المنتجات لا تصل إلى الأسواق بيسر، وعائد المنتجات عرضة للنهب عند العودة للقرية، ويشير الى ان العربات التي تنقل البضائع والسلع والمنتجات الأخرى تتعرض للنهب وقتل الركاب ونهبهم، وأشار الى ان قطار نيالاالخرطوم هو الآخر غير آمن رغم انه أصلاً لم يجد التطوير منذ إنشاء الخط إلا بعد بدء عمليات نقل البترول من مناطق ابيي حيث تم تحديثه إلي بابنوسة، ويوضح انه ونتيجة لهذه الأسباب ارتفعت أسعار السلع وهاجر كثير من التجار إلى اطراف المدن في دارفور والخرطوم وانهارت تجارة الماشية، وأن أسواقاً مهمة مثل مليط التي تصدر بين 20 ألف إلى 30 ألف رأس من الإبل سنوياً إلي ليبيا قد انهارت وتركها التجار. ويعتبر ان تدهور الحالة الأمنية عطل الطرق التجارية ومنها طريق الهجرة إلى ليبيا حيث كانت هجرة المواطنين إلي ليبيا تحقق استقراراً اجتماعياً عبر تحويلات العمال المهاجرين من دارفور، والذين كان يقدر عددهم ب250 ألف شخص يزيد عمر أكثر من نصفهم عن ثلاثين عاماً، ويكشف ان تحويلات المهاجر الواحد النقدية كانت تقدر في العام بين 400 دولار الي900 دولار، إضافة إلي للتحويلات العينية المتمثلة في المعدات المنزلية والمواد الغذائية والحافظات البلاستيكية والمراتب وغيرها، وقد توقفت جميعها. ويضيف: من ناحية أخرى لا يعرف المهاجرون أيضاً في بعض الأحيان مكان نزوح أهلهم الذين صاروا أكثر اعتماداً على المنظمات الطوعية في الحصول على الإعانات وبعض الخدمات، ولم يعد لهم دور كبير يذكر في المدن التي استقروا حولها في المعسكرات أو هاجروا إليها، فهم يفتقدون المهارات المطلوبة في المجتمعات الجديدة التي يكون اكتساب أغلبها بالتأهيل والتدريب، وقال إن ثقافاتهم الريفية لا يتناسب إنتاجها الحرفي ومتطلبات غالبية سكان الحضر، وأصبح الأمر يحتاج إلى التدخل التنموي لاكتساب تكيف على نمط يناسب حياتهم الجديدة للكسب، خاصة أن الأجيال من الصغار افتقدت التدريب على متطلبات الحياة في القرية، وسيبتعدون أكثر كلما طال بقاؤهم في هذه المعسكرات، وأكد أن الباقين في القرى سيظلون متأثرين بدرجة من الانعزال تقيد سرعة تغيرهم ومواكبتهم للحياة عند المحاولة لنقلهم إليها، كما إن بقاء جماعات بأعداد كبيرة في المعسكرات مع الاعتماد على الإعانات يفقد الأجيال الجديدة الثقافة المرتبطة بالأرض والزراعة والرعي، ويتوقف نقل تلك الخبرات إليها عملياً، مما يستدعي سرعة إيقاف الحروب وإعادتها إلى قراها، وإن طول بقائها يتطلب تأهيلاً جديداً لمجالات عمل وإعاشة تناسب الوضع الجديد، وتكون التكلفة الاجتماعية والاقتصادية كبيرة. انهيار كامل مدير كلية الاقتصاد والتنمية الريفية بجامعة الفاشر الدكتور آدم احمد سليمان اكد ان للحروب تأثيرات سالبة على الاقتصاد والإنتاج بمختلف قطاعاته، معتبراً ان الاموال التي صرفتها الدولة في حرب دارفور وتعويضات الاقتتال القبلي بمثابة أموال محروقة او هالكة بحسب نظرية التنمية، وقال انها من ناحية امنية قد تكون الضرورة فرضت على الحكومة فعل ذلك، معتبراً في حديثه ل «الصحافة» ان هذا الاموال جاءت على حساب التنمية ليس على مستوى دارفور وحسب بل على صعيد البلاد بصفة عامة، لافتاً الى انه مثلما أسهمت حرب الجنوب في تخلف السودان فذات الامر احدثته حرب السنوات العشر في دارفور، مبيناً ان هناك مبالغ مقدرة أيضاً ذهبت الي معالجة الصراعات القبلية التي افرزتها الحرب، وانه رغم ذلك فإن المحصلة النهائية للمعالجات القبلية كانت صفراً، معتبراً ان هذا الاموال ساهمت في اتساع رقعة النزاعات القبلية بل شجعت بعض المتفلتين بالقبائل على ارتكاب جرائم، واغرت التعويضات التي تدفعها الحكومة البعض ودفعتهم إلى التسبب في نزاعات قبلية. ومن ناحية أخرى يرى الاستاذ بجامعة الفاشر ان 70% من اموال المنظمات الاجنبية العاملة بدارفور وجهت نحو الاعمال الادارية، وان اليسير منها صرف على الخدمات، وانها لم توجه نحو العمل التنموي بصورة مباشرة، لذلك نفى وجود أثر واضح للمنظمات على الارض، اما في ما يتعلق باموال قوات اليونميد فقد اشار الى انها صرفت في دفع رواتب الجنود الامميين وتوفير اللوجستيات، مشيرا الى ان ميزانية اليونميد الضخمة اذا صرفت على التنمية لاختلف الوضع تماما في دارفور. ويشير عميد كلية الاقتصاد بجامعة الفاشر الى ان الاقتصاد في دارفور يقوم على الزراعة والرعي والتجارة وقليل من الصناعة، كاشفا عن اضرار بالغة لحقت بقطاعي الزراعة الرعي منذ تفجر الاحداث في عام 2003م وذلك بسبب لجوء المنتجين الى معسكرات النازحين وتحولهم لمتلقين للاعانات بعد ان كانوا من المساهمين في عجلة الاقتصاد، معتبرا أن هناك آثاراً كبيرة ترتبت على ذلك منها ارتفاع اسعار المنتجات الزراعية والحيوانية، وأضاف قائلاً: «فيما مضى كان من يذهب الى العاصمة يحمل معه خروفاً مذبوحاً وكمية من البرتقال، والآن تستورد مدن دارفور الفواكه والخضروات من العاصمة، بل ان الحرب حينما اندلعت كان سعر كيلو اللحم ستة جنيهات وحالياً بلغ اربعين جنيهاً، ووصل سعر دستة البرتقال الى ثلاثين جنيهاً، وهذا مؤشر واضح لتأثر اقتصاد الاقليم بالحرب»، وقال إن الريف هو الاكثر تضرراً من الحرب، وإن الاسواق المتجولة والاسبوعية دمرت بالكامل وهجرها اهلها، مشيرا الى ان اضرار الحرب الاقتصادية طالت التجارة مع العاصمة وولايات البلاد الاخرى، حيث ارتفعت تكلفة الترحيل والتأمين، وهذا بدوره انعكس بصورة سالبة على الأسعار. ويقول الدكتور آدم احمد سليمان ان الحرب افرزت ما يسمى اقتصاد الحرب الذي يتمثل في ظهور طبقة من رجال وسيدات الاعمال استفادوا كثيراً من مناخ الحرب وبالتالي راجت الكثير من اشكال التجارة الممنوعة مثل السلاح والمخدرات والتهريب وفرض الاتاوات على التجار من قبل الحركات المسلحة، مؤكداً ان امثال هؤلاء المنتفعين لن يتركوا الحرب تتوقف فهم اقرب لسماسرة الحروب الذين يقتاتون منها، ويشير الدكتور آدم الى ان الحرب اثرت بصورة مباشرة على ايرادات المحليات والحكومات الولائية، وقال إن هناك محليات ايراداتها صفرية وذلك لعدم استتباب الامن او لهجرة السكان والتجار الذين تتحصل منهم الرسوم والضرائب. تأثير واضح ويشير الخبير الاقتصادي الدكتور عادل عبد العزيز الى ان عدم التوصل الى سلام دائم في دارفور حتي الآن ألقى ظلاله السالبة على الاقتصاد السوداني، ويقول في حديث ل «الصحافة» إن استمرار النزاع المسلح يعني امرين، الاول ارتفاع تكلفة التأمين وتجهيزات القوات بالعتاد الحربي والوقود وغيرها من المعينات، والامر الثاني يعني تعطل مشروعات التنمية التي كان من المفترض ان تسهم في تحقيق المتطلبات الاساسية لمواطني دارفور، وان ترفد الاقتصاد الوطني بالموارد الكثيرة التي تحتويها دارفور سواء في باطن الارض وهي المتمثلة في البترول والمعادن أو تلك الموجودة على سطح الارض مثل الزراعة والثروة الحيوانية. ويشير الدكتور عادل الى انه ليس من المقدور الوصول الى ارقام حقيقية بشأن تكلفة الحرب، وذلك لأن تعطل مشروعات التنمية هو المؤشر الاقتصادي الأكبر ومن العسير حسابه فعلياً، أما التكاليف المباشرة على الإنفاق العسكري والأمني خلال الحرب بدارفور فيُستبعد وصولها إلى ثلاثين مليار جنيه.