السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراجعة ابتدائية وتقييم للتجربة
ويظل ملف الانتخابات مفتوحاً..!!
نشر في الصحافة يوم 17 - 05 - 2010

التطور السياسي في كل المجتمعات يعتمد على مدى مقدرة هذه المجتمعات على الاستفادة من تجاربها في الحكم، بمعيار مدى ملاءمة النظام السياسي لطبيعة هذا المجتمع. وغالباً ما يمر ذات المجتمع بأشكال متعددة من أنظمة الحكم حتى يستقر على شكل محدد يقبله المجتمع باعتباره إطاراً عاماً، مع السماح بدرجات تنوع في الشكل وليس المضمون. وبشكل عام فإن العالم الغربي «أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وكندا واستراليا» كان قد استقر على النهج الديمقراطي الليبرالي، سواء في مَلَِكيّات دستورية كبريطانيا العظمى وهولندا والسويد واسبانيا، او جمهوريات مثل فرنسا والمانيا والولايات المتحدة الامريكية الخ». ثم هناك المنظومة الاشتراكية التي ضّمت الاتحاد السوفيتي قبل تفككه ودولاً كثيرة من شرق أوروبا وأمريكا الجنوبية وآسيا، وبعض الدول الافريقية بعد تحرر أغلبها من الاستعمار في النصف الثاني من القرن الماضي.
وتجربة السودان السياسية كدولة ذات سيادة تبدأ منذ الاستقلال، وكغيره من كثير من دول العالم الثالث فقد تراوحت تجربته بين النظام الديمقراطي البرلماني والنظام الشمولي الذي يجيء نتيجة انقلاب عسكري يطيح بالنظام والتجربة الديمقراطية الوليدة في ما بات يُعرف بالدورة الخبيثة. والاشارة المهمة هنا هي الى افتقاد السودان- وغيره من الدول التي مّرت بذات الظروف- الى حد أدنى من الاستقرار لتطوير تجربته السياسية والاستفادة منها في معالجة السلبيات وتطوير الايجابيات، باعتبار أن كل مجتمع له وضعه وظروفه الخاصة التي قد تتطلب البحث عن صيغة لمواءمة النظرية العامة للوضع الخاص في هذا المجتمع. وهذا المفهوم قد يكون مطلوباً بدرجة عالية في حالة السودان الذي يدرك الجميع أنه مجتمع متناهي التعدد والتنوع الإثني، ومترامي الأطراف جغرافياً باعتبار مساحته الكبيرة. ومتعدد الثقافات والموروث التاريخي طبقاً لهذا التنوع.
وتجربة الحكم الديمقراطي البرلماني في السودان محدودة عدداً وزمناً، مقارنة بالحكم الشمولي العسكري «حوالي 11 سنة خلال ثلاث حكومات برلمانية، مقابل حوالي 43 سنة خلال ثلاث حكومات شمولية عسكرية». ومع الأخذ بالرأي أن كل الانظمة الشمولية تسعى بالضرورة ليس فقط لاجهاض التجربة الديمقراطية الوليدة، ولكنها تحرص أيضاً على محو أي أثر لها من وجدان وخبرة المجتمع السياسي بشقيقه الشعبي والقيادي المتمثل في الأحزاب. ولكن الأثر الأبلغ ضرراً هو طول بقاء هذه الانظمة الشمولية، الأمر الذي يضعف فرص الاستفادة من التجربة الديمقراطية على قلتها وعدم نضوجها، نسبة لابتسارها بوقوع الانقلابات العسكرية كل حين.
و «الإنقاذ» باعتبارها نظاما شموليا جاء الى الحكم عبر انقلاب عسكري، تعتبر في وضع فريد، ويبدو مغايراً للتصنيفات التقليدية باعتبار انه النظام العسكري الوحيد الذي لم تتم الاطاحة به عبر ثورة أو انتفاضة شعبية، وأنه دخل مرحلة ثالثة تسعى إلى أن تتحول من خلالها نظرياً على الأقل إلى نظام برلماني تعددي بعد انتخاب 2010م «الانقاذ الاولى كانت منذ 1989 وحتى 2005م، والثانية منذ اتفاقية السلام 2005 وحتى 2010م وهي ما يسمى بفترة التحول الديمقراطي، والثالثة هي ما بعد انتخابات 2010م». ودون الدخول في التفاصيل المعروفة للجميع، فإن الوضع السياسي خلال فترة التحول الديمقراطي اتسم بظروف حرجة وغاية في التعقيد بالنسبة للاحزاب غير المنضوية تحت مظلة حكومة الوحدة الوطنية. واذا اعتبرنا اتفاقية السلام والدستور المؤقت لسنة 2008 كانت بالنسبة للاحزاب بداية التنازل والقبول بالحلول الجاهزة ومصالحة الانقاذ عربونا للسلام، فإن قانوني الاحزاب لسنة 2007م والانتخابات لسنة 2008م شكلا الاعتراف الكامل من قبل هذه الاحزاب «بالانقاذ» كأمر واقع، وانتهى الامر الى ان تصبح «الانقاذ» هي المتحكّم الأوّحد في صياغة مرحلة التحول الديمقراطي بكل قوانينها وحيثياتها التي تصب في مصلحتها. ورغم أن الفترة ذاتها شهدت كماً ضخماً من الخلافات بين الشريكين لدرجة كادت تنسف معها كل المرحلة، إلا أن الأمور سارت رغم تعثرها نحو الوصول لمرحلة الانتخابات، وفي بال المؤتمر الوطني إحراز نصر حاسم في الشمال، وفي بال الحركة ضمان الوصول لمرحلة الاستفتاء لتقنين فصل الجنوب دستورياً وفق خيارات نيفاشا.
وفي هذا الجو الملبد بالغيوم والأزمات والتوتّر حول عدد من القضايا الرئيسية غير المحسومة، أُجريت الانتخابات واُضطرت الأحزاب «المعارضة» الى مقاطعتها سواء من بدايتها او قبل ايام من اجرائها، وانتهت الانتخابات على نطاق كل السودان عدا مستويات محدودة في الجزيرة وجنوب كردفان وبعض الدوائر الجغرافية التي أُعلن عن أخطاء «فنية أو لوجستية» أوجبت اعادة الاقتراع فيها. ورغم ان المحصلة النهائية هي انتقاص وسقوط واضح لفلسفة ًًاجراء انتخابات التي وسمت بأنها غير نزيهة ومزورة بصورة فاضحة، إلا أن «الإنقاذ» أتت للحكم مرة ثانية في 26/4/2010م، مدعية أنها أخيراً تدخل عبر بوابة الديمقراطية على طريق مفروش ببطاقات الاقتراع «للشجرة»، ومتوجهة إلى برلمان منتخب بأغلبية مطلقة عزلت حتى الأحزاب المتحالفة معها في البرلمان المعيّن السابق إلا من فتات منحته منحة وهبة، فى محاولة منها لتكريس مفهوم التعددية بصورة رمزية تتماشى أو ربما تتحايل على مستحقات اتفاقية السلام، وإرضاءً لمعايير المجتمع الدولي في مطلوباتها من الحد الأدنى في الشكل الاجرائي على أقل تقدير، حتى إن أدرك الجميع ابتعاد هذه الانتخابات عن الروح الحقيقية للديمقراطية وليس فقط عن نصها الحرفي.
والوقت لم يحن بعد لاستكمال بناء متماسك وقانوني ومدعوم بالادلة لاثبات فشل هذه الانتخابات في تحقيق الهدف الرئيسي وهو تحول ديمقراطي حقيقي، واثبات انها انتخابات مزورة منذ بداياتها بالتسجيل «اذا قبلنا بالتعداد السابق لها» وصنع سجل انتخابي يتحكم فيه المؤتمر الوطني وحده، والايام ستكشف عن «كتاب أسود» تتجمع منذ الآن صفحاته لدى المعارضة وكثير من منظمات المجتمع الدولي. كذلك فإن تعنت المؤتمر الوطني حيال كل مستحقات التحول الديمقراطي بداية من الابقاء على القوانين المقيدة للحريات والاستغلال المطلق لكل امكانيات الدولة الرسمية لصالح المؤتمر الوطني، وتكوين مفوضية انتخابات خاضعة لأهواء الحزب الحاكم، كل ذلك يجعل من دعوى التزوير التي ترفعها المعارضة في وجه المؤتمر الوطني جزءا من الخلل وعلة واحدة من العلل التي حالت دون تغليب المؤتمر الوطني لمصلحة البلاد، والقبول بتحول ديمقراطي حقيقي كان يمكن أن يأتي به مقبولاً من كل الوسط السياسى باعتباره حزباً أساسياً ضمن منظومة القوى السياسية في الفترة القادمة.
ووضح الآن أن المؤتمر الوطني لم ير في التحول الديمقراطي ضماناً كافياً لاستمرار سيطرته الكاملة على الحكم الذى أبى أن يفلته من قبضته حتى إن أدى ذلك الى التضحية بالجنوب انفصالاً «وربما ايضا الغرب في وقت لاحق»، فالسلطة المطلقة والثروة المطلقة أيضاً هما اغراءات كافية لكسر كل الالتزامات القانونية منها والاخلاقية في مقابل ضمان البقاء، بقاء للأقوى رغم ما يتهدده من عوامل فناء كثيرة لكل المؤتمر الوطني، وليس فقط من قِبل المحكمة الجنائية الدولية.
واذا كانت سهام «الإنقاذ» قد وجِّهت «للمؤتمر الوطني» في افساده للفرصة التاريخية للعبور بالسودان نحو مستقبل افضل وتفادي الازمات التي سبقت عام 2005م من مهددات الحرب في الجنوب وانهيار الوحدة الوطنية وفق سياسة المؤتمر الوطني الاقصائية، فإن بعضاً من هذه السهام يجب أن توجه لجهات كثيرة أخرى. فالحركة الشعبية الشريك الاساسي كانت لها سلبياتها في زيادة الامورٍ سوءاً، فقد لعبت أدواراً لم تكن واضحة بالقدر الكافي كي تصب في المصلحة القومية للسودان، بقدرما عنيت بمصلحتها الاستراتيجية المستهدفة للجنوب فقط، رغم اعلانها المبكِّر عن مفهوم السودان الجديد وشموله لكل السودان. ورغم استضافة الحركة لمؤتمر جوبا والتحالف المعارض الذي نتج عنه في محاولة لكسر هيمنة المؤتمر الوطني، ثم استمرارها في بناء هذه المعارضة حتى الوصول لمرحلة «قوى الاجماع الوطني»، إلا أن المواقف المتذبذبة واحيانا المتناقضة لقياداتها على مستوى الرئاسة في جوبا وقطاع الشمال في الخرطوم، كان لها الأثر المضعّف للموقف الوطني القومي في مواجهة «المؤتمر الوطني» الذي كان دائماً يكسب من كل هذه المتناقضات.
وكذلك فإن الحركات الدارفورية لم تستطع أن تشكل «لوبياً» واحداً موحّداً وضاغطاً كما فعلت الحركة الشعبية من قبل. وأيضاً استفاد «المؤتمر الوطني» من تعدد وتباين مواقف هذه الحركات الدارفورية سواء بجعل بعضها يجلس للتفاوض وتوقيع إتفاقية سلام لا تشمل بقية الحركات كما فعل مع حركة تحرير السودان- جناح مناوي في «أبوجا»، وأدخل ذلك الجناح للقصر الجمهوري، أو بالاستمرار مع بعضها الآخر في مفاوضات متعددة وعلى طاولات كثيرة انتشرت من طرابلس الغرب الى القاهرة الى الدوحة، مستفيداً من تعدد هذه الرايات والمواقف ما بين معارضة فنادق في باريس ولندن، وصولاً الى معارضة مسلحة مغامرة هاجمت أم درمان في رابعة النهار.
أما بقية الأحزاب التاريخية كالأمة القومي وما تفرع عنه والاتحادي الديمقراطي وما انسلخ منه وفق سياسة مرسومة ومقصودة من المؤتمر الوطني، والشيوعي الذي وإن حافظ على تماسكه التنظيمي إلا أنه فقد كثيراً عبر الحرب الطويلة ضده، ثم بقية الأحزاب البعثية والناصرية، وتلك التي تمثل جهويات وإثنيات.. فكلها أدركها قدر من الارتباك تجاه توحيد مواقفها عبر جبهة واحدة يكون هدفها الأوحد إنهاء حقبة «الانقاذ» عبر الانتخابات. وظهر أن مشروع رئيس حزب الأمة القومي الذي سمَّاه بالثورة الانتخابية لم يكن أكثر من مصطلح من المصطلحات الكثيرة التي عُرف عن رئيس الحزب الكبير بولعه بصياغتها كل حين منذ بداية حياته السياسية.
ووجود المؤتمر الشعبي في جبهة المعارضة الجديدة «قوى الإجماع الوطني» شكل مصدراً مهماً لخبير في كيفية التعامل مع المؤتمر الوطني بحكم العلاقة الاساسية التي كانت تجمع هؤلاء «الاخوان»، وفي هذا نشير الى فكرة المؤتمر الشعبي بتشتيت الاصوات بنزول كل الأحزاب على مستوى الترشيح لرئاسة الجمهورية بناءً على رؤية المؤتمر الشعبي بجدوى وسهولة تحطيم رقم «50% + 1» المطلوب للفوز برئاسة الجمهورية، في مقابل خطورة ترشيح مرشح واحد عن المعارضة قد لا يُجمع عليه الناس عند وقوفهم أمام صناديق الاقتراع لأسباب تتعدد لكنها واردة، ورغم كل هذه«الشطارة السياسية» فإن المؤتمر الشعبي شكل عنصر إرباك لصفوف المعارضة أكثر من غيره من الأحزاب، وانتهى أيضاً الى نتيجة لا يحسده عليها أحد سواء بسبب التزوير أو سوء التقدير من جهابذة المؤتمر الشعبي الذين بدوا أكثر ثقةً عشية الانتخابات من غيرهم في قوى الاجماع الوطني، بأن هناك امكانية لانزال الهزيمة بالمؤتمر الوطني حتى إن لم تكن هزيمة نكراء.
والاتحادي الديمقراطي الذي اختار صفة «الأصل» أمام خضوعه لقانون الاحزاب واضطراره للتنازل عن المسمى التاريخي لحزب الشريف زين العابدين رحمه الله، أيضاً أصيب بجرثومة المرحلة الانتخابية وهي الارتباك والارباك، فكان له عدد من المواقف المتذبذبة حيال المشاركة في الانتخابات وحيال دوره في المعارضة، الى أن اختار سحب مرشح الرئاسة وقرر خوض الانتخابات على المستويات الأخرى، ولسان حال منتقديه يقول كيف يستقيم أن يشكك في نزاهة وحيدة الانتخابات على مستوى الرئاسة، ويؤمَّن على توفرها على المستويات الأخرى..؟! حتى جاءت النتائج مخيبة للآمال ومحبطة ليس فقط لجماهير الحزب، ولكن لكل المراقبين الذين رأوا في نتائجها رسالة واضحة من المؤتمر الوطني يساوي فيها بين العدو والصديق.
ولعلَّ أهم محور في تقييم هذه الانتخابات ومدى جدواها في إحداث التغيير الذي بشرت به اتفاقية سلام نيفاشا، هو الرقابة الدولية والمحلية. وهو دور نُصَّ عليه في الاتفاقية باعتبار أن الأطراف المعنية قد تكون فاقدة للثقة في بعضها البعض. ولأن حيثيات هذا الملف مازالت في طور الإعداد الدقيق والتجميع لجملة الرصد الفني والتقييم النزيه لمحصلة هذه الانتخابات الفريدة والمعقدة بصورة غير مسبوقة في البلاد أو في المنطقة العربية والافريقية، لكل ذلك يكون الأجدى الانتظار لحين صدور كل التقارير النهائية لهذه الجهات الدولية والاقليمية وحتى المحلية. وقد صدر بالفعل عدد من التقارير المبدئية لمنظمات دولية كالاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ولجنة حكماء إفريقيا برئاسة الرئيس السابق أمبيكي وكافة البعثات الدبلوماسية لدى السودان وبعثات الأمم المتحدة في السودان ومنظمات المجتمع المدني العالمية والمحلية. وقد تراوحت الإفادات في هذه التقارير المبدئية بناءً على المعايير الدولية للنزاهة والشفافية والحيدة، ولكن يمكن القول دون مبالغة إن أغلبها تحفظ بدرجة من الدرجات «والبعض لم يتحفظ اطلاقاً». على أنه رغم أن الانتخابات قد جرت وتمت بالفعل ولم يقع من الاسباب ما يسبب تأجيلها، كما أنه لم تقع خلالها أو بعدها حوادث بالحجم الكبير الذي يلغيها، أي أنها أصبحت من الناحية الاجرائية حقيقة ماثلة أتت بوضع سياسي جديد سيتم الاعتراف به من قبل أغلب الجهات المعنية بعملية التقييم، بالرغم من كل ذلك فإن اتهامات تزويرها مازالت قائمة، ليس فقط من قبل المعارضة ولكن من كثير من تلك الجهات الرقابية التي رصدت ممارسات وظواهر كثيرة تطعن مباشرة وبدون مغالطة في نزاهة الانتخابات، وعليه فإن التقييم النهائي من قبل هذه الجهات الدولية سيكون أكثر دقةً، وينتهي لتحليل وتقييم أكثر واقعيةً وعدلاً لمجمل مخرجات ونتائج هذه الانتخابات.
وآخر ملاحظة هي، وبناءً على المفهوم الوارد أعلاه من التعامل مع الأمر الواقع الذي يشمل نظام «الإنقاذ» وإعادة إنتاجه بصورة جديدة وفق أصول اللعبة الديمقراطية، أن هناك حقيقة ثابتة وقوية أيضاً، وتتماثل مع نفس المعيار القائم على الأمر الواقع، وهي أن المعارضة بكاملها موجودة فعلاً في الساحة السياسية وباعتراف متبادل مع «الإنقاذ» وفق مجمل المعطيات الواردة اعلاه، وان هذا الأمر الواقع لا يشمل فقط وجود المعارضة بهذا الحجم الضخم في الساحة، ولكنه يشمل أيضاً اختيارها لمقاطعة هذه الانتخابات، وبالتالي الانتقاص من جدواها الفعلية في تحقيق التحول الديمقراطي الدستوري طبقاً لروح ونصوص وفلسفة اتفاقية السلام الشامل. والسؤال العملي المنطقي هو: هل هذه الانتخابات التي اهتمت ونفذت النص دون الروح، هل أمنت سلاماً شاملاً؟ وهل حققت المصالحة والوحدة الوطنية والاستقرار السياسي لمقبل الأيام؟ وهل الاستفتاء القادم سيعكس فلسفة وحكمة إجرائه بعد قيام انتخابات تشارك فيها كل الأمة لإضفاء الإجماع المطلوب، وبالتالي المرجعية التي تتحمل المسؤولية التاريخية للإقدام على أهم قرار في تاريخ البلاد منذ أن اختار برلمانها الاستقلال قبل أكثر من نصف قرن؟
هل المؤتمر الوطني وبعد أن أصبح النظام السياسي المسيطر على الأمور وتقع عليه المسؤولية التاريخية وحده في صياغة المستقبل السياسي للسودان، هل يمكنه بمفرده ضمان وحدة البلاد بعد الاستفتاء القادم بعد ثمانية أشهر فقط؟
هذه أسئلة مشروعة مطلوب من الذين يجلسون على دست الحكم الإجابة عليها وحدهم، إن أرادوا وقرروا أن يحكموا وحدهم السودان، الدولة الواحدة الآن التى قد تصبح دولتين أو ثلاثاً بعد الاستفتاء..؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.