سمع رجل رجلاً يقول أين الزاهدون فى الدنيا الراغبون فى الآخرة؟ فقال له: يا هذا اقلب كلامك وضع يدك على من شئت. ٭ أحزابنا تعيش فى حالة توهان.. وتراكمت وتعقدت القضايا بداخلها، واصبحت تحمل امراضاً لا حصر لها، وعاجزة تماماً عن عقد ورش مكاشفة ومصالحة داخلية توحدها وتخرجها من «مسلسل» الصراعات والخلافات التى جعلتها «مثل ذرات دقيق مبعثرة وقيل لحفاة يوم ريح اجمعوها»، فكل المعطيات تؤكد أن الظل لا يستقيم طالما العود أعوج، فالواقع يتطلب أن يسمو الجميع فوق المصالح الشخصية من أجل وطن موحد معافى. ٭ وما يحدث الآن يكشف عن أزمة حقيقية تتطلب تضافر الجهود، خاصة أن أنياب المعاناة أصبحت مغروسة في ظهر المواطن الذى أصبح لا حول له ولا قوة، فقد هدت قواه السياسات الاقتصادية والحلول السياسية الترضوية، فهو يقف على الرصيف متفرجاً وأحياناً يتفاءل خيراً عسى أن يجده وسط هذا الكم من الصراعات والخلافات والسياسات التى لا تضعه في الحسبان. ٭ من المسؤول عن انكسار «المرق» وتشتت الرصاص؟ من المستفيد من تمزق البلاد وتفتتها؟ من الذي يدفع بحركات دارفور نحو التشظي والانقسام؟ من ومن؟ تساؤلات كثيرة ندرك إجاباتها ولكننا نغض الطرف عن الحلول الجذرية، ونغرق فى الحلول الجزئية القائمة على الترضية وذر الرماد على العيون عبر جولات تفاوضية تطول وتطول دون أن تضع أهمية لمعاناة المواطن الذي يدفع الثمن غالياً. ٭ وفى عمق الأزمة يطل شبح الانفصال، وتتعالى الأصوات من هنا وهناك تطالب بضرورة فصل الشمال عن الجنوب دون مراعاة لواقع امتزجت فيه الألوان، ولجأ كثير من أبناء الجنوب للشمال، وسعى بعض أبناء الشمال نحو الجنوب.. ولكنها السياسة التى كثيراً ما تفسد الأشياء الجميلة وتطوعها لخدمة المصالح الشخصية، دون وضع اعتبار للمصالح الوطنية العليا. ٭ أزماتنا متفاقمة وانعكاساتها واضحة، والأجراس ترن فوق هامات الجميع تنذر بالخطر القادم.. فعلينا أن نفيق من سكرات حب السلطة، وعلينا ألا نجعل أكبر همنا منصب وزاري زائل أو سلطة نصلها على أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ.. علينا أن نسكت صوت الرصاص ونبعد شبح التمزق، ونسعى لجعل وحدة أحزابنا وبلادنا هدفنا ومبتغانا. ٭ إن قوة الأحزاب لا شك تصب فى قوة الوطن، ومخطئ من يظن أن هوانها وضعفها انتصار له، فالأمم تتقدم من خلال التعدد الفكري والثقافي، وبه يكون الامتزاج والتلاقح وصفة ناجعة لحل مشاكل البلاد والعباد.. فلنرحم أنفسنا، ولنعمل من أجل إذكاء روح التعاضد والتساند بدلاً من همجية القبيلة التى تركن الى المصالح الخاصة الضيقة.. وصدق رسولنا الكريم عندما قال «دعوها فإنها منتنة». ٭ واختم ببعض «ويلات» جبران خليل جبران: ويلٌ لأمة تكره الضيم فى منامها وتخنع إليه في يقظتها. ويلٌ لأمة لا ترفع صوتها إلا إذا مشت وراء النعش، ولا تفاخر إلا إذا وقفت على المقبرة، ولا تتمرد إلا وعنقها بين السيف والنطع. ويلٌ لأمة سياستها ثعلبة وفلسفتها شعوذة، أما صناعتها ففى الترقيع. ويلٌ لأمة عاقلها أبكم وقويها أعمى ومحتالها ثرثار. ويلٌ لأمة كل قبيلة فيها أمة. وحسبنا الله ونعم الوكيل. ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم