لاتزال الصور والمشاهد تستوطن في ذاكرتي ، بل أكاد أتلمس تلك «الفانلات»البرتقالية « والأردية الزرقاء ، والأحذية ماركة»لاركو» التي تجملها «الجوارب» «البرتقالية» ، وساعات «الجوفيال « تلك كانت»تهدى» من أطراف شنط المغتربين في سنوات خلت ، الى جانب «الجلاليب» البيضاء الناصعة التي قد لاتحتاج «للمكوة» ، وثياب النساء من «التوتل» السويسري «الحقيقي» ،قبل أن تتبنى بعض الدول صناعة «التوتل وباسم سويسرا»!. نعم أكاد أسمع صوت احد الدعاة السعوديين يتحدث بقوة وأسلوب مؤثر من خلال جهاز التسجيل الذي أتى به «قريبنا» ،الذي بدوره يتسيد المجلس وهو يروي للناس حكاياته في ارض البترول ،فيما نسعد نحن الصغار عندما يطلب منا أية خدمة ، ويشعرنا حديثه بأننا في ذاكره وبالتالي هدايانا في « شنطة» ، وبطبيعة الحال لم يخيب ظننا أبدا ، حيث يظل و»أمثاله» من مغتربي ذلك الزمان ، يوزع الهدايا على مدى أيام طويلة ، وعندما تجف الشنط ، يتم تعويض البعض بالشراء من السوق المحلية ، مع وعد قاطع بهدايا «أروع» عند العودة القادمة . وظل المغترب في ذلك الزمان الجميل احد ابرز النجوم على مستوى القرية والعائلة ، وهو «حًُلال « للمشاكل خاصة تلك التي تحتاج «للمال « ،وتجده يُسدي النصح لمن يحتاجه ، بل يخطط للآخرين كيف يرتبوا حياتهم ، ويبدوا انطلاقاتهم ، ويبادروا بالعمل الجاد من اجل مستقبل أفضل ، وهو أيضا لايمانع من تقديم الدعم والمشورة الفنية .. وهو المغترب الذي تغنت بحسنه ومكانته «الحسناوات» ، وقد تربع على ذلك العرش حينا من الدهر! . ..أما الآن فالقصة تبدو «مؤلمة» فالمغترب فقد بريقه وجاذبيته ، بل أصبح في بعض الأحيان يشكل عبئا على أسرته في السودان .. لقد انتهى زمان «زولنا فتح الشنط» وبدا يوزع في الهدايا يمين وشمال ، ولم تعد هناك شنط حتى تُفتح ، كما أن الناس في السودان لم تعد من اهتماماتهم هدية من مغترب ،بل هم تجاوزوا هذه المرحلة تماما. وأصبح المغترب المغلوب على أمره يذهب في إجازته السنوية ، ويكاد لايذكره حتى فقراء قريته ، أما الذي يقطن المدن فربما تذكره «الجزار أو البقال» لأنه لم يسدد « بعض المستحقات في إجازته الماضية !! ، ولايجد من يخطب فيهم ويقدم لهم النصح والمشورة ، وبالتالي تجده يرهق» العيال وأم العيال» بالحديث عن مشروعات « فاشلة» !! و بهذا الحديث لااريد رسم صورة « سوداوية» للمغترب ، غير أن الواقع يؤكد بجلاء حقيقة ماذهبت إليه بنسبة تتراوح بين « 80- 90%» فيما لاتزال البقية القليلة تحتفظ بوهج الاغتراب الأول ، وهي قادرة فعليا على دعم الآخرين وبالتالي هي مؤهلة لتقديم النصح والمشورة متى أرادت طالما امتلكت المال ، وقديما قيل « وللمال قدرات» . وأخيرا أرجو أن لا أسأل أين موقعي بين الفريقين ، و»خلوها مستورة» .