«يكفي أن تكون عبارة وزير سابق ضمن السعي في مسيرتي الحياتية»!! هذا ما قاله لي أحد الوزراء السابقين بالوزارة السيادية المهمة ذات الصلة بالشأن الخارجي قبل أن يعفى من منصبه الدستوري قبل أعوام قليلة!! وبالطبع فات عليّ أن أسأل سعادة الوزير يومها عن مشروعاته وبرنامجه اليومي وخططه العامة الخاصة بعد مغادرته الموقع الذي كان يتولاه.. لكن.. تشاء الظروف أن أجد الاجابة على الأسئلة أعلاه من وزير آخر قابلني بعد إعلان التشكيل الوزاري الأخير الذي لم يظهر فيه اسمه بشارع عبد الله الطيب الذي يفصل الرياض عن الطائف وهو يبتاع الفواكه من أحد المحال الموزعة بالطريق العام.. وبعد السؤال عن الحال والأحوال سألت السيد الوزير ماذا تفعل الآن؟؟! فجاءت اجابته بصورة سريعة ومقتضبة «بشطب في بيتي بالمعمورة» ثم ركب سيارته الخاصة ،لم أر بعد ذلك إلا دخانا كثيفاً ينبعث من «عادم» السيارة ذات الموديل القديم.. ٭ حسناً.. دعوني اسأل.. هل عبارة وزير سابق تكفي «لتؤكل عيش» خاصة بعد انتقال الشخص المعني من حياة الدعة والرفاهية والبروتوكول ولوازمه الى الحياة الطبيعية البسيطة وسط عامة الناس وهل في مقدوره التعايش والتفاعل مع محيطه الجديد بعيدا عن المراسم وصولجان السلطة والجاه وهل سيتخذ طريقا آخر لكسب لقمة العيش والاشتغال بمهنة أخرى خاصة وان المنصب الدستوري كما هو في لغة العامة «كرسي حلاق» وهل الدولة ملزمة بتوفير عمل للدستوريين بعد إعفائهم من مناصبهم؟! ٭ يقول الوزير السابق بوزارة العمل القيادي بالحركة الشعبية محمد يوسف أحمد المصطفى ان العرف والتقليد وحتى القانون لا يلزم الدولة بتوفير العمل للوزراء المقالين من مناصبهم أو اعطائهم (معاشا) شهريا، لكنه يتحدث عن (لائحة) تخول للوزير أو لأية مصلحة حكومية تعيين شخص ذي خبرة في منصب المستشار مثلا.. وغالبا ما يكون هذا الشخص وزيرا اتحاديا سابقا أو وزير دولة وتكون الوظيفة من الدرجة الأولى في حالة الوزير ومن الدرجة الثانية في حالة وزير دولة. اما اذا لم ترغب الحكومة في ذلك فيمكن للمسؤول السابق في هذه الحالة ان «يأكل ناره» على حد قول محمد يوسف أحمد المصطفى. وعن برامجه وخططه الجديدة بعد اعفائه من منصبه كوزير للدولة بوزارة العمل يبين أنه عاد لمزاولة مهنته الأصلية كأستاذ بالجامعة والتي لم ينقطع عنها حتى وهو وزير.. ويضحك وهو يقول حينما كنت وزيرا كان عملي بالجامعة عملاً تطوعيا، اما الآن سأتقاضى راتبا شهريا مثلي مثل بقية الاساتذة. ويعلن الوزير السابق انه كان يتقاضى ثمانية مليون جنيه من الدولة كراتب شهري لكنه سيحاول الآن المواءمة بين راتبه كأستاذ في الجامعة وبين متطلباته ومتطلبات أسرته المعيشية!! ٭ ومن قبل وحينما سألت السيد الصادق المهدي رئيس حزب الامة القومي عن مهنته جاءت اجابته قاطعة بأنه يتولى منصب رئيس مجلس ادارة شركة «الصديقية» للتجارة والخدمات ويزيد على ذلك بقوله انه يستفيد من عائد انتاجه الفكري وكتابته المتفرغة بالصحف الخارجية. والمدهش ان المهدي الذي استقبل سؤالي المحرج وغير المتوقع بشيء من رحابة الصدر في وقت أقام فيه البعض الدنيا ولم يقعدها حينما اعتبروا ان السؤال فيه كثير من التطاول وعدم الأدب على امام الانصار وزعيم حزب الامة القومي، المدهش انه كان يرى بضرورة ان يكون للسياسي حرفة أو مهنة يقتات منها ويجني منها لقمة عيشه يرجع اليها متى ما تم الاستغناء عنه وهو ذات الامر الذي يؤكده الوزير السابق محمد يوسف أحمد المصطفى حينما يقول لي ان امتهان حرفة السياسة لا يمكن أن «يؤكل عيش» في هذا الزمن.. ٭ حسناً.. دعونا نطرح تساؤلا جديدا.. وبصورة اكثر وضوحا.. اذا اقتنعنا بضرورة ان يعمل الوزير السابق ففي أي المجالات والمواقع يعمل؟! - هل هناك مناصب (VIP) وهاي كلاس «بالعربي» تتناسب ووضعية الدستوريين؟! ٭ ربما تختلف الاجابة باختلاف الاشخاص أنفسهم فمستشار رئيس الجمهورية السابق المهندس عبد الله مسار قال لي خلال نقاش مطول جرى بيننا انه جاء من السوق ويمكن أن يرجع الى السوق وليس لديه عقدة أو «قشة مرة» في ذلك.. على أن الطريف هو ما ذكره لي بعض المقربين من وزير الصحة الاسبق بولاية الخرطوم المدير العام للامدادات الطبية الاسبق الدكتور بابكر عبد السلام حينما زاروه بمنزله في أعقاب اعفائه من منصبه وما صاحب قرار اقالته من تداعيات وافرازات ما كان يسمى وقتها بأزمة وصراع مافيا شركات الادوية.. حول أنه ومنذ مغادرته الوزارة لم يزره أحد او يسأل عنه وكأن الذين كانوا معه لم يعرفوه أو يزاملوه من قبل أو أن علاقتهم به كانت في حدود باب الوزارة. ٭ اذاً.. مسألة الوزير السابق قد تتجاوز الحدود السياسية الى حدود اجتماعية تتعلق بانتهاء صلاحية او أجل الوزير مع انتهاء مدة حكمه!! ٭ أخيراً كم تذكرون من وزير مر على وزارة التربية والتعليم على سبيل المثال أو وزارة الصحة أو غيرها من الوزارات الخدمية حينما كان وزيرا يصول ويجول في وزارته ملء العين والبصر وفجأة اختفى عن الانظار دون أن يذكره أو يتذكره واحد منا؟!.. ترى هل تنتهي مدة صلاحية الوزير باعفائه من المنصب؟!.. ٭ يقول الدكتور صفوت فانوس أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم ان الوزراء في البلدان المتقدمة يأتون للسلطة من مهن مختلفة خاصة المهن القانونية والإدارية.. وكذلك في العديد من دول العالم الثالث يكون الوزراء خبراء تكنغراط أو اساتذة جامعيين أو مهندسين ويمكن لهؤلاء أن يعودوا لمهنهم القديمة بعد مغادرتهم المنصب الوزاري. أما بالنسبة للسياسي الذي لا يمتلك مهنة غير السياسة يصبح الوضع صعباً بالنسبة اليه بعد اعفائه من منصبه خاصة اذا لم يكن مفرغا من الحزب ومدعوما منه.. ويشير فانوس الذي كان يتحدث معي عبر الهاتف أمس الى نقطة غاية في الاهمية تتعلق بتقييم الناس للشخص في موقع المسؤولية وتغير هذا التقييم بعد مغادرته لموقعه ويقول إن الانسان يستمد شهرته وتقييم الناس بحكم المنصب وليس بحكم انه بشر وبمجرد مغادرة الموقع تختلف النظرة للشخص عما كانت عليه حينما كان مسؤولا باعتبار ان الوزارة هي التي تعطي المكانة وليس الشخص.. ويقول إن هذه هي القاعدة العامة إلا بالنسبة لمن «رحم ربك». {}{