تقول القصة أن سودانياً أخضر اللون طوله خمسة أقدام وستة بوصات وعيونه عسلية وشعره قرقدي، «هجّ» من البلد مهاجراً بسبب المسغبة إلى إحدى دول البترودولار التي نشأت ونهضت على اكتاف السودانيين وعقولهم طلباً للرزق والسعة وهرباً من الضيق والتضييق، وعندما حلّ بذاك البلد وفي أول أيام بحثه عن فرصة عمل كان أن التقى أحد أرباب العمل وكان بدوياً «لطخ» سأله إن كان سيجد فرصة عمل معه، بدأ البدوي إجراءات المعاينة موجهاً أول سؤال فيها وكان بطبيعة الحال عن الاسم، رد السوداني بأن إسمه عبيد، ولم يكد «اللطخ» يلتقط الاجابة إذا به يصفع السوداني بتعليق جارح قال فيه «أدري إنك عبيد... بس ايش إسمك»، لم يكمل الراوي بقية القصة ولكن يقيني أن السوداني لا شك قد صفعه صفعةً لن ينساها أبداً، هذه القصة التي قد تختلف في بعض تفاصيلها باختلاف الرواة، حتى لو أنها قيلت على سبيل الطرفة إلا أن لها في واقع الاغتراب والمغتربين سند ودليل واقعي ليس آخره ما حدث لبعض السودانيين مؤخراً بلبنان التي إستمرأ بعض أهلها الاساءة لشعب السودان الذي لا تزال ذاكرته لم تنس بعد الاساءة البالغة التي وجهها المطرب اللبناني راغب علامة لنساء السودان الماجدات حين وصفهن بأنهن أقبح نساء الدنيا، وهم ذات اللبنانيين الذين يطلقون على الفول السوداني إسم فستق العبيد رغم أن منشأه الأصلي هو أميركا الجنوبية التي إنتقل منها إلى البلاد الافريقية ومنها السودان الذي اشتهر بزراعته حتى إرتبط باسمه، ولهذا لم يكن غريباً ولا جديداً الذي حدث لبعض السودانيين بالعاصمة بيروت حين أشبعهم بعض الدرك والعسس سيلاً من الشتائم التي تزدري عرقهم ولونهم... الشاهد هنا ليس هو هذه التفاهات السمجة والسطحية التي تصدر من بعض أهل البلاد التي نحسب أننا جزء منها ويربطنا بها مصير مشترك ويجمعنا تاريخ واحد، فما قاله البدوي «اللطخ» في حق أحد السودانيين، أو الذي تقيأه راغب علامة في شأن السودانيات، أو شتائم البلاهة التي لا تصدر إلا عن مومسات ولا تليق بالعسس التي وجهها بعضهم لبعض السودانيين، كل هذه عند أهل السودان لا تعني شيئاً وليست مما يأبهون به أو يقيمون له وزناً، فالبدوي عندهم ليس سوى «لطخ» غرير وغر وجاهل، وراغب علامة مجرد صايع متهتك، واولئك الدرك ليسوا سوى ثلة من درك المدينة، فالسوداني لجهل هؤلاء المفرط به، لا «يستعر» من لونه إن كان أسود أو أخضر أو أشقر أو أسمر بل يتغنى ويفاخر بتعدد الوانه، يغني للأسمر كما يغني للاخضر، والسوداني لعناية سطحية وجهالة هؤلاء لا يتوارى خجلاً من عرقه إن كان افريقياً صرفاً أو كان «خاطف» عرقين، له في الافريقية عرق وله في العروبة عرق أيضاً، ولمثل هؤلاء نهدي رائعة شاعرنا الفحل اسماعيل حسن ولكل من يعيبون لوننا «الاسود» جهالةً: «ديل أهلي البقيف في الدارة نص الدارة واقول للدنيا كل الدنيا ديل أهلي، عرب ممزوجة بدم الزنوج الحارة ديل أهلي، ديل قبيلتي لمّن أدور أفصّل للبدور فصلي، ديل فصلي، ثم يمضي مفاخراً بسواده وسودانيته إلى أن يقول: لو ما جيتا من زي ديلا كان وا أسفاى وا مأساتي وا ذلي..».. الأسف والمأساة والذل إذالم نكن سودانيين خضر البشرة وسودها وليس أن نكون سودانيين لو أن بعض الاعراب يفهمون.. الشاهد ليس كل ما ذكرنا فالشعب السوداني يعرف عزة نفسه ويعرف كيف يصون كرامته، الشاهد هو أن أجهزتنا الرسمية المناط بها التصدي السريع والحاسم والناجز لمثل هذه الترهات والتقوّلات الهراء والاقاويل «الخراء»، دائماً ما تأتي متأخرة هذا إن أتت أصلاً في مثل هذه المحكات وحتى عندما تأتي فانها لا تكون بحجم التحدي الذي يلجم هذه الاساءات ويوقفها عند حدها...