أبرز ملاح الاحياء السكنية هذه الايام عبق الروائح الناجمة عن اعداد الحلومر، الذي يعتبر من ابرز خصوصيات اهل السودان في رمضان.. «الصحافة» استنقطت عددا من النسوة وسط الاحياء كن يقمن بعمل الحلومر في منزل احداهن، تقول الحاجة ست البنات عوض من الحاج يوسف إن الحلومر من اهم مقومات الشهر الكريم، والحلومر يميز المائدة السودانية التي تنفرد به تماما، ويتم اعداده قبل شهر من رمضان نسبة لصعوبة عملية اعداده التي تستغرق وقتا طويلا. ويبدأ الاعداد بما يسمى بالزريعة، ويعقبها الطحن ثم اعداد التوابل التي تشمل الجنزبيل والقرنجال والقرفة ومن ثم عمل «الكوجين»، أي إعداد العجين لمرحلة «العواسة» وهي اصعب المراحل التي تتم عبر نفير وتعاون نساء الحي. وتشير سعدية احمد الى انه ورغم التكاليف المادية الباهظة لاعداد الحلومر، الا ان الاسرة السودانية ومهما تراجعت مداخيلها وبلغت من الفقر فهي لن تستغني عن الحلومر الذي يعتبر سيد العصائر، كما ان شربه له مذاقه الخاص، اضافة الى قدرته على إطفاء الظمأ. ويرى الكثيرون ان الحلومر مشروب روحاني، ويعني لدى السودانيين الكثير من اسباب الارتباط الوجداني بالموروث من قيمهم وتقاليدهم. ويذهب السودانيون الى ان للحلومر آثاراً صحية جيدة، فاضافة الى قدرته على إطفاء الظمأ، فهو طارد للبلقم وينشط الجسم علي ادرار العرق، وبرغم مآخذ المصابين بامراض المصران على الحلومر، إلا أن تخفيف التوابل المضافة يجعل منه علاجا للكثير من الامراض. تذهب الحاجة سعدية الى وصف الحلومر بالعصير الاقتصادي، اذ انه لا يحتاج لكمية من السكر شأن العصائر الاخرى، خاصة ان هنالك ارتفاعا ملحوظا في اسعار السكر، في وقت يرى فيه البعض استدامة الازمة حتى رمضان. علوية أحمد قالت إنها تعمل على شراء الحلومر من بعض النسوة، لأن عملية إعداده شاقة وتتطلب جهدا خرافيا واكثر من يد واحدة. وبرغم محدودية الكمية التي تقوم بشرائها وتصل الى «150» جنيها الا انها تستهلك في مدة لا تتجاوز الاسبوعين، ولا تخفي علوية عدم ثقتها في بعض صانعات الحلومر اللائي يكون اهتمامهن مركزا على العائد المادي قبل التفكير في الجودة. وتشير علوية إلى غياب مظاهر إعداد الحلومر هذا العام بسبب ارتفاع تكاليفه. بدرية حسن ابتدرت حديثها بحسرة قائلة انها ظلت من المداومين على عمل الحلومر، لكنها في هذا العام لم تقم باعداده لظروف مادية لارتفاع تكاليف اعداده من ذرة وتوابل وحطب وسحن وغيرها، فلم يعد بمقدورها اعداده خاصة ان الاسرة تحتاج لهذه المصاريف في أشياء اخرى تتعلق بالشهر الكريم، خاصة أن ارتفاع أسعار السكر لن يمكن الاسر من شرائه بالجوال كما دأبوا على ذلك سابقا. وفي ختام جولته التقى فريق «مع الناس» بالحاجة رقية عثمان بمنزلها بالحاج يوسف.. واللافت أن المنزل كان مزدحما بالاغراض المستخدمة في اعداد الحلو مر، كما وجدنا كميات من الآبري معبأة في اكياس وجرادل، فهذه المرأة تعمل في اعداد الآبري بغرض التجارة. وتقول الحاجة رقية إن تجارتها تعود عليها بالربح وصالح الدعوات، خاصة إن بنات هذه الأيام يفضلنه جاهزا. وتشير إلى انها تبيع بضاعتها بالجردل، وتتراوح الأسعار بين «50-70» جنيهاً للجردل.