تبدو العلاقة بين الخرطوموالقاهرة بلا معالم واضحة، وإن حرص مسئوليها على تبادل كلمات المجاملة ووضع أقنعة "الرضا"، يحدث كل ذلك رغم تعدد اللقاءات الثنائية على كافة المستويات، "السوداني" التقت في القاهرة بسفير السودان بمصر عبد المحمود عبد الحليم في حوار تناول فيه مخرجات اجتماعات اللجنة العليا المشتركة برئاسة البشير والسيسي وحصيلتها النهائية والحصيلة المستقبلية ثم استعرض ملف حلايب المتنازع عليها بين البلدين وقضية معدات المعدنين السودانيين المصادرة في مصر، فضلاً عن قضايا أخرى: --- حاورته بالقاهرة: سوسن محجوب* --- لماذا خلت الاتفاقيات ال17 التي خرجت بها اجتماعات اللجنة العليا المشتركة الأخيرة من أية إشارة لما أُنجز في ملفي حلايب والحريات الأربع العالقة؟ بالطبع اللجنة العليا أحدثت اختراقاً واضحاً في العلاقات بين البلدين في مجالات عدة، أضف لذلك فإن الجو العام الذي يغلف تلك العلاقات الآن إيجابي للغاية، ووقعت عدة اتفاقيات وهنالك اتفاقيات أخرى نُوقشت ولكن ستتم دورتها المستندية توطئة لتوقيعها خلال الأشهر القادمة، أبرزها اتفاقيات في مجال مكافحة الإرهاب، الهجرة غير الشرعية، إدارة الأزمات والطوارئ، التعاون القضائي والعدلي واتفاقيتين في مجال التعليم العالي والنقل وبروتكولات إضافية في مجال التعاون الاقتصادي، أما ملف الحريات الأربع سوف يكون أولوية قصوى في أجندة اجتماعات اللجنة القنصلية المقررة في نوفمبر المقبل في القاهرة، ولأننا نولي أهمية لرأسمال العلاقة لمواطن وادي النيل، فإن هذا يحتم علينا أن نُسَهِّل له الإقامة والتملك وضمان الخروج والدخول الآمن، لذلك ملف الحريات الأربع في اللجنة السياسية الأمنية، وكان وارداً أيضاً في خطاب البشير في المباحثات الرسمية بقصر الاتحادية. تظل عقبة التنفيذ والمتابعة عائقاً.. هل تحسبتم لهذه الإشكالية؟ سيشهد نوفمبر المقبل أولى خطوات تنفيذ الاتفاقيات بعقد اجتماعات اللجنة القنصلية لبحث ملفي الحريات الأربع وحلايب بجانب اجتماعات أخرى مطلع العام الجديد للجنة الأمنية السياسية المشتركة بالخرطوم، واجتماع للجنة المعابر لتقييم الافتتاح التجريبي لمعبر أرقين، أضف لذلك فإن الجهات المعنية في البلدين سوف تدخل في مباحثات خاصة بإكمال الاتفاقيات المتبقية التي لم تُوقع وتجري الترتيبات بالتعاون مع الجهات المصرية المختصة لفعاليات كبيرة قبل وخلال عام 2017 في مجال الثقافة والتعليم، حيث تم الاتفاق ضمن مخرجات اللجنة العليا أن يكون العام المقبل عام الثقافة المصرية في السودان والسودانية في مصر وستقام فعاليات في هذا الصدد في البلدين في الفترة المقبلة. طرح الرئيس البشير إعادة بطاقة وادي النيل بدلاً عن الجواز بين البلدين.. ما جدوى ذلك؟ الرئيس طرح إعادة العمل بهذه البطاقة على النحو الذي كان معمولاً به إبان اتفاقية التكامل بين البلدين في عهد الرئيسين الراحلين نميري والسادات، في وقتها سهلت حركة المواطنين بين البلدين إلى حدٍّ كبير. راهن الشعب على لقاء الرئيسين البشير والسيسي لحسم ملف حلايب بصورة جذرية.. لكن هذا ما لم يحدث؟ هذا الملف لم يكن بعيداً بل حاضراً بقوة خلال أعمال اللجنة العليا ولكن "ليس كل ما يُعرف يقال أو يُعلن"؛ الملف سيُنَاقَش أيضاً بقوة خلال اجتماعات اللجنة القنصلية في نوفمبر المقبل. قلل البعض من استفادة السودان من المعابر لقلة صادراتنا، ما هو تعليقك؟ المعابر مهمة لتعزيز التبادل التجاري والاقتصادي والاستثماري بين البلدين، ولاحظنا ذلك لمتابعتنا لمعبر اشكيت حيث أضاف العديد من الإيجابيات مقارنة بالسلبيات، ونسعى لتعظيم الاستفادة القصوى من المعابر عن طريق زيادة الإنتاج وإنشاء مجمعات صناعية وهو تحدٍّ يواجه السودان إضافة لزيادة الصادرات والاستفادة من القيمة المضافة مثل صادرات الثروة الحيوانية وإمكانية تصديرها إلى أوروبا. كم يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين؟ ربما كان الميزان التجاري في صالح مصر في الوقت الراهن، ولكن هذا يمثل تحدياً للسودان لتكثيف الجهود وإعطاء قيمة مضافة لصادراتنا لمصر وتحسين الميزان التجاري لصالحنا. إلى أي مدى تعولون على مصر في مساندتها للسودان في المنابر الإقليمية والدولية؟ التنسيق بين البلدين بحث في اجتماعات اللجنة العليا وهو أمر مهم وخاصة أننا نعمل في أوساط متعددة الأطراف في منظمات إقليمية ودولية، وهذا يحتم علينا التنسيق في المحافل الدولية والإقليمية مثل التنسيق في الترشح لشغل المناصب في تلك المنابر، فالسودان دعم مرشحي مصر لمناصب متعددة وبالمقابل دعمت مصر السودان من خلال عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي في العديد من القضايا وهذا التنسيق يجب أن يستمر لأنه أحد مطلوبات العمل الجماعي حالياً. هل طرح ملف سد النهضة خلال اجتماعات الرئيسين؟ أعلنَّا مراراً أن السودان ليس منحازاً ولا محايداً، وإن كان هناك انحياز فهو لمصالح السودان ولكن وقبل كل شيء نعتبر أن نهر النيل ينبغي أن يكون ساحة للتعاون وليست للصراع.. السودان عبر عن هذا الموقف بجهوده التي قام بها في إعلان المبادئ، ويرى أن الكل كاسب في هذا المشروع، ولو لا جهود السودان لما تم التوصل لتفاهمات وتطور وتقدم في هذا الملف، أبرزها التوقيع مع الشركتين الفرنسيتين الاستشاريتين اللتين ستقومان بالدراسات الموضحة للآثار السالبة لسد النهضة على السودان، ومصر من ناحية بيئية واقتصادية واجتماعية. هل هنالك اجتماعات قريبة بشأن السد بين الأطراف الثلاثة؟ نعم الفترة المقبلة ستشهد اجتماعاً سداسياً يضم وزراء الخارجية والري في البلدان الثلاثة، وسيتم في وقت لاحق تحديد التاريخ المناسب للاجتماع وذلك بالتنسيق بين الدول الثلاثة. ازدادت مؤخراً تجارة الأعضاء البشرية بين السودانيين في مصر وهنالك مشاكل تواجه الجالية السودانية وكثيرون ينتقدون تعاطي السفارة، ما هو تعليقكم؟ الوجود السوداني في مصر كغيره من الجاليات يفرز أحياناً مظاهر سالبة مثل الهجرة غير الشرعية، وهو موضوع لا يهم السودان فقط بل مصر أيضاً وهذا الموضوع بحث أيضاً خلال أعمال اللجنة الوزارية العليا وواحدة من الموضوعات التي تستحق التنسيق بين الطرفين، أما توقيفات السودانيين بمصر فإن السفارة حريصة جداً على حل أية مشكلات تواجه السودانيين، وأثبتت ذلك قولاً لا فعلاً في العديد من الحوداث خلال الفترة السابقة.. كرامة وأمن المواطن السوداني بمصر هي خط أحمر وأولوية مطلقة ومسئولية لنا في السفارة بما في ذلك الظواهر السالبة؛ مثل بيع الأعضاء التي تحدث للمواطنيين في المهاجر. ما هو تقييمك للقاء الذي جمع بين البشير والميرغني وتم بترتيب منك وفي منزلك بيت السودان بالمعادي؟ اللقاء الذي جمع بين وفدي الرئيس البشير والميرغني وأبنائه ومستشاريه جاء في إطار الأجواء الإيجابية للحوار الوطني في السودان ونفحة من نفحات التوافق الوطني، لذلك نعتقد أن اللقاء أضاف الكثير من الحميمية لهذه الأجواء وتلك الروح، البيت السوداني مفتوح لكل أبناء السودان. ما هو الجديد في قرار مجلس الوزراء المصري هذه المرة بشأن إعادة ممتلكات المعدِّنين؟ استرداد ممتلكات المعدنين من الملفات المهمة التي شغلت بال البعثة والوزارة عطفاً على العفو الرئاسي المتبادل، المسئولون في مصر، يؤكدون دوماً لنا بأنهم سوف يفرجون عن الممتلكات. وطرح هذا الملف على كافة مستويات اجتماعات اللجنة العليا، المهم هو ما أعلنته مصر وفقاً لقرار رئيس الوزراء المصري الشريف إسماعيل بالافراج عن الممتلكات. الآن إعادة ممتلكات المعدنيين هي أول الملفات التي تستوجب المتابعة في الفترة المقبلة بين الجهات المعنية وسيتم طرحه قريباً ليسترد المعدنون ممتلكاتهم. بعد مرور أكثر من عام.. هل ما تزال المعدات موجودة؟ نعم سلمنا الجانب المصري قائمة خلال اجتماعات للجنة التشاور السياسي والأمني بأسماء وممتلكات المعدنيين المحتجزة لديهم. مدى جدية القاهرة في تنفيذ التوجيه هذه المرة؟ الجانب المصري أكد لنا بجدية واضحة أنهم سوف يقومون بمتابعة هذا الموضوع، وهو أول عمل على جدول تنفيذ ما خرجت به الاجتماعات، سوف نتواصل خلال هذه الأيام لنعرف خطتهم والكيفية التي سوف نسترد بها الممتلكات. طرح قرار حظر الفاكهة والخضروات المصرية على كافة مستويات اجتماعات اللجنة العليا ما هو الموقف المصري حيال القرار؟ نعم الموضوع أثير خلال اجتماعات اللجنة ليس فقط على مستوى لجنة الاقتصاد والتعاون والاستثمار بل طرح أيضاً في اجتماعات اللجنة الأمنية والقنصلية. نحن موقفنا واضح وهو أن الحكومة اتخذت هذا الإجراء كعمل احترازي ودفاعي لأن صحة المواطن السوداني وتأمينه من المخاطر الصحية التي يمكن أن تكون واردة على ضوء تقارير عالمية حول هذا الأمر.. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل أثير أيضاً على مستوى الرئيسين حيث وضح الرئيس البشير بأن هذا الأمر والمعلومات الخاصة بالتلوث وردت في الإعلام الرسمي الحكومي وفي تلفزيون الدولة، وأن وجهة نظرنا واضحة وهي أننا في الوقت الذي نتبادل تجارياً فإننا نولي أهمية قصوى لصحة المواطن وهي على رأس الأولويات، ولذلك فإنه ليس هناك قرار برفع الحظر حتى الآن وسنخضع المنتجات المعنية لفحوصات مخبرية ومعملية، وسيتم رفع الحظر حالما نتأكد بأنه ليس هناك ما يهدد صحة وسلامة المواطن السوداني. *يُنشر بالتزامن مع الرأي العام