في الأثناء تتطلع الخرطوم لفصل جديد من العلاقات مع واشنطن بعد أن وصل الجمهوريون للسلطة مجدداً، ودعت وزارة الخارجية، الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب إلى إعادة النظر تجاه الخرطوم بعد المتغيرات الكبيرة التي طرات على الساحة، وتوقعت الخارجية حدوث انفراج في علاقة السودان وأمريكا في عهد ترامب. وكان السودان قد دخل في السنوات الاخيرة في مشاورات سرية مع الجانب الأمريكي للتوصل لتفاهمات تفضي لرفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، وقد حرصت وزارة الخارجية السودانية على ألا يتسرب شيء من تلك المباحثات حتى لا تفسدها، وقد قامت واشنطن مؤخراً بإحداث ثغراث في جدار العقوبات. من جانبه يرهن الباحث في علم الاجتماع السياسي وليد الطيب على حدوث تغيير في العلاقة إلى وجود منطق جديد في التعامل مع أمريكا مشيرًا إلى أن السودان كان يتعامل مع أمريكا من منظور أمني عن طريق جهاز الأمن الوطني، "المخابرات الأمريكية والإرهاب، الأمن الإفريقي، الشرق الأوسط، وأضاف: أخطأ السودان حين راهن على هذه الملفات وهي سرية، فصانع القرار الأمريكي والإعلام الأمريكي ليس له صلة مباشرة بها، معتبرًا أن ذلك يُبرر عدم تحقيق اختراق لقضايا السودان في الدوائر السياسية والتشريعية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأضاف: "لو استطعنا أن ننتقل من خانة التعاون الأمني إلى التعاون الاقتصادي المفيد لأمريكا فهذا سيجعل أمريكا ترفع العقوبات عن السودان، خلاف ذلك فنحن حتى الآن الطرف الأضعف في المعادلة" أدنى اهتمام يرى محللون أن ترامب لم يول إفريقيا بشكل عام أدنى اهتمام أثناء حملته الانتخابية ناهيك عن السودان، وتفرض أجندة القارة الإفريقية نفسها على إدارة ترامب أثناء إدارته للبيت الأبيض لعدة أسباب؛ تأتي في مقدمتها الحرب على الإرهاب، باعتبار أن إفريقيا باتت مسرحاً مهماً في هذه الحرب لتصاعد نشاط جماعات بوكو حرام والشباب وداعش، والقاعدة، إلى جانب الصعود الاقتصادي لإفريقيا باعتبارها تمثل كنزاً من الموارد الاقتصادية والفرص الاستثمارية فباتت تمثل حلبة من التنافس بين القوى الكبرى وعلى رأسها الصين، الأمر الذي يفرض على إدارة الرئيس ترامب إعادة النظر في سياساتها الخارجية تجاه القارة. ويقول الكاتب الصحفي بابكر فيصل إن ترامب لم يأتِ في خطابه الانتخابي على ذكر السودان، ويضيف فيصل أنه من الصعب بمكان التنبؤ بسياسة ترامب على مستوى الملفات الداخلية والخارجية على السواء، وتوقع فيصل في حديثه عدم حدوث انفراج في العلاقات في هذه الفترة. صحيح أن ترامب لم يتحدث عن إفريقيا، ولكن مساعده في الحملة الانتخابية وليد فارس التقى بعدد من الزعماء الأفارقة على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير بنيويورك وقال لهم إن ترامب عندما يصبح رئيساً سوف يلتزم بالقضايا الإفريقية. فريق ترامب والناظر لمعطيات الواقع يجد أن الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب أعرب مرارا عن عدم رغبته في أن تواصل الولاياتالمتحدةالأمريكية لعب دور "شرطي العالم"، وهو ما عبر عن موقفه الانكفائي بشكل عام "أمريكا أولاً"، إلا أن الثابت أيضاً أن المرشحين كثيراً ما يغيرون مواقفهم عندما يضطرون إلى اتخاذ قرارات صعبة لدى استلامهم سدّة الرئاسة، وفي حالة ترامب الذي قد لا يمتلك كبير خبرة في مجال السياسة الخارجية والأمن العالمي ستكون النتيجة النهائية لأي أزمة إقليمية متوقفة إلى حدّ كبير على أعضاء الحكومة والمستشارين الذين يحيطون به. ويبرز اسم مستشار الأمن القومي الجنرال مايكل فلين الذي تمت تسميته كمستشار للأمن القومي، ويرى مراقبون أن فلين كان يجب أن يعين كوزير للدفاع إلا أن تقاعده في العام 2014 إعاق هذا التعيين، حيث يتعين مرور 7 سنوات لكي يحق للعسكري أن يأخذ منصب وزير البنتاغون، ويضع فلين مكافحة ما يسمى ب"الإرهاب الراديكالي الإسلامي" كأولوية، فيما يشيد بمواقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ويتطلع في ذات الوقت لتسوية مع روسيا. وليس بعيدا عن سابقه يبرز مايك بومبيو نائب ولاية كنساس الذي سيدير المخابرات الأمريكية، ويتبنى بومبيو مواقف متشددة ضد إيران ورجال الدين الذين لايدينون الإرهاب ممن وصفهم "المتواطئون مع الإرهاب". في ذات الوقت يبدو أن من سيتولى حقيبة الخارجية في عهد ترامب ريكس تيليرسون خير مثال عن التعبير عن طبقة الأثرياء ورجال الأعمال التي وصلت للسلطة، حيث يدير تليرسون واحدة من أكبر الشركات النفطية. وهنا يبدو الاسم الأهم في هذه التشكيلة الأستاذ الجامعي وليد فارس أبرز المرشحين لإدارة ملف الشرق الأوسط، حَيْث نشط كمستشار لترامب في حملته الانتخابية، وكان قد نشط قبلها في حملة المرشح الجمهوري للرئاسة ميت رومني 2012. ينحدر فارس من عائلة مارونية مسيحية ويعتبر أحد أبرز منظري "القوات اللبنانية"، ويصنف فارس حالياً بأنه خبير في مكافحة الاٍرهاب ويؤمن بمحاربة جماعة الإخوان المسلمين التي يرى أنها متشددة. يقول المحلل السياسي الروسي أندريه سوزدالتسيف إن ترامب يشكل حالياً إدارة محافظة وصارمة لحكم الولاياتالمتحدة، يركز اهتمامه في المقام الأول بالولاياتالمتحدة ومصالحها على الساحة الدولية. ويضيف أكد سوزدالتسيف في مقال تحليلي لتوقعات حكومة ترامب أن "جميع هؤلاء الأشخاص بالرغم من تصريحاتهم ومواقفهم المتشددة إلا أن لديهم القابلية للتوصل لاتفاقات". ويرى مراقبون أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستمارس نهجاً مغايراً تماماً لنهج إدارة أوباما في التعامل مع مشكلات الولاياتالمتحدة، مشيرين لوجود اختلاف كبير بين مقاربة الديمقراطيين والجمهوريين للسلطة، باعتبار أن الجمهوريين مندفعين يفضلون الحسم بأقصر وأسرع الطرق على عكس الديمقراطيين، علاوة على أن الديمقراطيين يعتبرون آراءهم حقيقة نهائية، ومن المستحيل أحياناً التوصل إلى اتفاق معهم، لأنهم يسعون إلى تحقيق أهداف عولمية ويعتمدون على ما يصفونه بالقيم الإنسانية المشتركة، وليس على المصالح القومية للولايات المتحدة. فيما يقول وليد الطيب إن ترامب كجمهوري هو امتداد لسياسة بوش الذي فُرضت العقوبات في عهده في العام 1997م، مشيرًا إلى أنه لن يحدث تغيير كبير في السياسة لكون ترامب من ذات الحزب، ما يعزز أيضًا أنها سياسة مؤسسات لا تتعلق بحزب أو مسؤول. مرمى متحرك تحكم المصالح الأمريكية ترتيب الاستراتيجيات والأجندة ولكن هذه المصالح مبهمة ومعقدة، وهو ما يتسبب فى إرباك الحكومة السودانية التي قد تكون في حال متابعة ومباحثات مع الخارجية الأمريكية بينما يكون القرار الفعلي فى يد واحدة من الشركات الضخمة ذات التأثير أو جماعة ضغط، وتدفع هذه التعقيدات واشنطن للنظر للسودان بأكثر من عين وبشكل يفوق القنوات الرسمية الحالية. وقد أعلنت الخرطوم أكثر من مرة أنها ملت سياسة "المرمى المتحرك" التي تتبعها واشنطن. وكان المبعوث الأمريكي السابق لدولتي السودان برينسون ليمان قد علق على اتهامات الخرطوم المتكررة بتملص واشنطن من وعودها ولعبها على الخرطوم بمنهجية المرمى المتحرك بقوله:"إن منهج المرمى المتحرك في علاقة الخرطوموواشنطن تتحمله الخرطوم وقال كلما اقتربنا من حل المشكلات، حتى ننظر في إمكانية رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، تخلق الخرطوم مشكلة أخرى. مشكلة الجنوب، ثم مشكلة دارفور، والآن مشكلتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. واشترط ليمان إيقاف الحرب في النيل الأزرق وفي جنوب كردفان، والتفاوض مع المعارضين، وفتح الباب أمام المساعدات الإنسانية لتطبيع العلاقات بين الطرفين. في كل الأحوال يمكن القول أن سياسة أمريكا السابقة تجاه السودان مرت بمرحلتين، أولاهما عندما حاولت إسقاط النظام وتبديله، قبل أن تعدل من سياستها لتحاول أن تعدل من سلوكه بحيث يظل قائماً شريطة ألا يقوى للدرجة التي يهدد فيها مصالح أمريكا فقط عليه أن يحافظ على الأمن ويتصدى للإرهاب والجرائم العابرة للحدود، وما يمكن قوله أن إدارة ترامب ستسعى في المضي بذات المعادلة القديمة تحقيق مآربها في السودان والمنطقة، وتحاول قدر الإمكان ألا تدفع اأي ثمن سياسي.