العام الماضي شكل وزير العدل د.عوض الحسن النور لجنة من سبع وزارات لمعالجة أوضاع المحبوسين على ذمة (يبقى لحين السداد)، لإنفاذ توصيات لجنة حصر وتصنيف حالات المحبوسين بجميع سجون السودان، وتطرح قضية حبس الغارمين تساؤلات حول مدى مواءمة المادة 179 من القانون الجنائي (يبقى لحين السداد) مع القوانين الدولية والشريعة الإسلامية. حبس المدين في الفقه: المادة المتداول حولها بها جدل فقهي عميق، وفي ذلك يرى نائب رئيس مجمع الفقة الإسلامي بروفيسور عبد الله الزبير أن جميع الفقهاء أجمعوا على حبس المدين خاصة أن هناك شروطاً حتى يتم الحبس منها حلول أجل الدَّيْن وأن يكون قد ثبت إعساره، وأن يكون لا علاقة له بالوالدين بالإضافة إلى أن يطلب صاحب الدَّيْن حبسه. وأوضح الزبير أن تحرير الشيك إقرار باليسار و(الملاءة) أي - الغنى - وأن الحبس مشروعيته متفق عليها وضرورية للحفاظ على حقوق الدائنين وردع المدينين، ويذهب إلى أن الحبس في الدَّيْن شرطه الغنى واليسار ولا يجوز حبس المعسر بل يجب انتظاره، مضيفاً أن الدَّيْن لحاجة علاج أو زواج أو ضرورة معاش أو سكن أو رسوم دراسة لأولاده لا يُحبس بل يُعان من خزانة الدولة أو مال الزكاة، وإن كان أيضاً الدَّيْن لمُماطة الدولة فلا يُحبس بل يُلزم القضاءُ الدولةَ بالوفاء إن رضي صاحبُ الدَّيْن. أعباء السجون: دور السجون والإصلاح تنفيذ أحكام القضاء فيما يلي العقوبة السالبة للحرية والحدود والقصاص. ويذهب ممثل الإدارة العامة للسجون والإصلاح اللواء بدر الدين الرشيد إلى أن جملة المحبوسين بمدينة الهدى الإصلاحية طوال الثلاث سنوات (2013، 2014،2015) بلغت (3921) نزيلاً يقبعون تحت المادة (179)، وأن جملة النزلاء بمدينة الهدى (5749) نزيلاً، وعدد النزلاء في الحق الخاص (1478) بنسبة (25,7%)، وأضاف أن هناك زيادة في أعداد النزلاء مقارنة بالأعوام السابقة، كاشفاً عن تفاصيل المبالغ المحكوم بها على نزلاء الحق الخاص وبلغت 396,235,121 جنيه، وأن تكلفة الخدمات المقدمة للنزلاء 34,963,012 جنيهاً، موضحاً أن هذه التكلفة تأتي خصماً على ميزانية الإدارة العامة للسجون، واعتبرها بدر الدين أعباءً تقع على السجون، واقترح بدر الدين في ختام حديثه التعاونَ مع السلطة القضائية للنظر في إعسارات النزلاء من خلال عقد دوائر قضائية للنظر في الإعسارات من ناحية موضوعية، بالإضافة لإعادة النظر في استحقاق النزلاء في الإفراج عبر سداد المديونية على أن يكون حسب المدة التي أمضاها بعيداً عن أُسرته بغضِّ النظر عن المبلغ، مطالباً بتفعيل دور ولاة الولايات للإفراج عن محكومي هذه الفئة بولاياتهم بدفع المبالغ المحكوم بها وتكوين صناديق للغارمين بولاياتهم. وكشف بدر الدين أن عدد النزلاء بالشيكات 425 نزيلاً بمبلغ 162,635,280 جنيهاً، وعدد النزلاء الديات 104 نزلاء بمبلغ 3,637,119 جنيهاً، والنفقات الشرعية 74 نزيلاً بمبلغ 701,562 جنيهاً، والإيجارات 20 نزيلاً بمبلغ 81,500 جنيه، أما السرقة 95 وقد بلغت قيمتها 1,505,250 جنيهاً. إلغاء المادة كارثة: السودان من الدول الأقل نُمُوَّاً ويعتمد بصورة أساسية على الجمارك والضرائب، وهكذا بدأ أمين السياسات باتحاد أصحاب العمل سمير أحمد قاسم حديثه أمس، موضحاً أن صادرات السودان سنوياً 3 مليارات دولار في ذلك الذهب والواردات في حدود 8 مليارات دولار وأن العجز سنوياً في حدود خمسه مليارات تغطي معظمها من السوق الموازي وموارد المغتربين، قائلاً إن انعدام الثقة في الشيك يحد من التعامل به ويؤثر على اقتصاد من عدة نواحي، مما يحول التعامل بوسائل أخرى منها النقد، وقال إن انتشار التعامل به ينشئ البيئة الحاضنة لانتشار الجرائم، ويذهب سمير إلى أن الهدف من (يبقى لحين السداد) ليس الانتقام ولكن حماية للسلوك والاقتصاد، وأن آخر إحصائية للمحبوسين بالشيكات المرتدة 4000 محبوس، وأبدى تخوُّفَه من أن إلغاء المادة 179 أو تعديلها، قد يؤدي إلى مُهدِّدَاتٍ لبيئةِ الاستثمار لأنها الضمانة الوحيدة للتعامل وحماية المستثمرين، ويرى أن الوقت غير مناسب لتعديل أو إلغاء المادة وحال حدوثها وصفها بالكارثة لأنها قد تؤدي إلى انهيار التنمية والاقتصاد.