من المتوقع أن تهتمَّ ورشة لجنة أجهزة الأمن والاستخبارات في إفريقيا المعروفة اختصاراً ب«سيسا» وهي الذراع الأمنية للاتحاد الإفريقي، وتضم نحو 27 جهاز أمنٍ واستخباراتٍ في إفريقيا، في اجتماعاتها الاثنين المقبل والمخصصة لمناقشة ظاهرة الارتزاق والإرهابيين الأجانب وآثارها على الأمن والاستقرار في إفريقيا، والمخاطر التي تلوح في الأفق بعد هزيمة (داعش) في العراق والشام وليبيا، واتجاههم لإقامة دولة جديدة جنوب الصحراء الإفريقية. وجاء في بيان صحفي وزعه الأمن السوداني في مؤتمر صحافي للتنوير بورشة السيسا أن «بعض التحاليل تشير إلى أن ضعف الرقابة في بعض المناطق المتاخمة لمنطقة الساحل والصحراء تساعد على تسلل مسلحي (داعش) وتجمعهم من جديد»، مشيراً إلى ظهور تنظيم يدعى «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى» في منطقة بوركينا فاسو. وأوضح البيان أن غالبية الإرهابيين الأجانب المنتمين إلى تنظيم «داعش» يحملون جوازات سفر دول غربية لا تحتاج تأشيرة دخول إلى دول إفريقية عدة، كما يتحدر مسلحون كانوا ينشطون في كل من سورية وليبيا إلى بعض بلدان شرق وشمال إفريقيا. من جهة أخرى يقول الكاتب المختص بالشؤون العسكرية جوزيف في ميكاليف: "من المرجح أن تفقد (داعش) السيطرة المباشرة على المجال الإقليمي الحالي خلال ال 9-15 شهراً المقبلة، ولكن هذا لا يعني نهايتها تماماً". ويرى ميكاليف أن ذلك يرجع بشكل أساسي لطبيعة (داعش) التي نجحت في تكوين دولة وخلقت شبكة من المنظمات والأفراد الذين يدينون لها بالولاء في حوالي 50 بلداً، وقد دلَّل على ذلك بشن أكثر من 140 هجمة في 29 دولة ما أسفر عن مقتل أكثر من ألفي شخص. ويشير ميكاليف إلى أن (داعش) تمتلك التكتيكات اللازمة لتنفيذ هجمات إرهابية حول العالم حتى بعد سقوط دولتها في العراقوسوريا، لا سيما مع قدرتها الإعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي على اجتذاب المناصرين، ويضيف: "ما من شك في أنها ستتحول لممارسة جملة من الأنشطة الإجرامية لتمويل عملياتها، هذا فضلاً عن امتلاكها شركات عابرةً للحدود تقوم بتهريب الآثار والنفط والمُخدِّرات - تكسب نحو مليار دولار سنوياً من المخدرات وفقاً لتقديرات روسية-". من جانبه يقول الخبير في القضايا العسكرية اللواء أمين إسماعيل مجذوب، إن (داعش) ستعمل على عدة مسارات في الفترة الحالية تتعلق بتحقيق أكبر قدر من الخسائر بالقوات المتقدمة في الموصل، فضلاً عن حشد قواتها للدفاع عن الرقة السورية، فيما يتعلق المسار الثالث والأهم بتأمين القيادات ونقلها لمناطق آمنة. ويشير مجذوب إلى أن ثمة تسريباتٍ تتعلَّق بأن زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي بات حالياً في موقع على الحدود بين ليبيا وتشاد في إطار خطة التنظيم لنقل مركز ثقله لمنطقة بديلة تقع في منطقة واسعة تمتد من ليبيا وتشاد ومالي وحتى تونس، وهو ما يخلق تحدياً بالنسبة للأجهزة الأمنية لإيقاف تمدد التنظيم جنوب الصحراء الكبرى. صراع النفوذ لا يمثل تنظيم (داعش) مجرد تمرد في العراقوسوريا، بل استطاعت كسبَ ولاء جماعات مقاتلة أعرق منها كجماعة أبوسياف في الفلبين، وبوكو حرام النيجيرية، وفصيل من حركة الشباب الصومالي، إضافة لاختراقها مناطق واسعة في ليبيا وسيناء المصرية، وباكستان، وأفغانستان. يقول المهتم بشأن الجماعات الجهادية بابكر فيصل إن (داعش) بدات منذ 8 أشهر في استراتيجية لمرحلة ما بعد سقوط الموصل. ويُشير فيصل إلى أن هذه الاستراتيجية تقوم على إرسال قيادات تنفيذية لمواقع أخرى لتأسيس فروع جديدة للتنظيم، أو لتقوية التنظيمات الحليفة تمهيداً لإقامة قواعد بديلة. ويشير فيصل إلى أن هذه الاستراتيجية تبدو أكثر وضوحاً في تأسيس مركز قوي للتنظيم في ليبيا وبعض المناطق في إفريقيا، إلا أنها تُواجِه تحدياً كبيراً في مواجهة نفوذ تنظيم القاعدة لا سيما في الصحراء. فيما يرى الخبير في شؤون الإرهاب بروس هوفمان أنه إذا استمرت حظوظ (داعش) في الانحدار، فقد تفضل مجموعة من المقاتلين التقارب مع تنظيم القاعدة؛ باعتباره الخيار الوحيد لمواصلة نضالهم، على الرغم من الفروقات العقدية. ويعود فيصل ليستبعد إمكانية أي تقارب بين (داعش) والقاعدة لاعتبارات تتعلق بطبيعة الصراع بين التنظيمين على النفوذ وتزعم التيارات الجهادية، مستدلاً بالصراعات الدموية التي جرت بين الطرفين سواء في العراق أو الصومال. ويشير فيصل إلى أن سيناء في مصر ومناطق بوكو حرام قد تكون الحاضنة الأمثل ل(داعش) في المنطقة، فضلاً عن المناطق الرخوة التي تسهل السيطرة عليها. ويحذر فيصل من مواجهة بين (داعش) والخرطوم التي يرى أنها انخرطت في التحالف ضد الإرهاب وقامت بالتضييق عليه عبر الحدود مع ليبيا. أما الخبير العسكري اللواء أمين مجذوب، فيرى أن وجود (داعش) في منطقة شمال إفريقيا وجنوب الصحراء يمثل تهديداً للعديد من الدول في المنطقة وعلى رأسها السودان. ويشير مجذوب إلى أن (داعش) تُخطِّطُ لميلادٍ ثانٍ في منطقة جنوب الصحراء بالتنسيق مع تنظيم بوكو حرام المُوالي له، مع محاولة التوصل لتفاهمات مع عناصر القاعدة لتجاوز الخلافات الفكرية حفاظاً على بقاء التيارات الجهادية. سيناريوهات الخروج ثمة الكثير من المخاطر ما تزال في الأفق لا سيما مع قدرة مقاتلي (داعش) على التخفي واستخدام الأنفاق بمهارة للتنقل، كما أنهم أتقنوا نشر السيارات المفخخة والعبوات الناسفة للحيلولة بينهم وبين خصومهم، الأمر الذي يجعل الإيقاع بهم أمراً ليس سهلاً، ليتحول التركيز الآن إلى ما سيفعله مقاتلو التنظيم بعد سقوط دولتهم. ويقول الخبير العسكري اللواء أمين مجذوب، إن الاستراتيجية الأمريكية ضمن التحالف ضد الإرهاب تقوم على حسم معركة (داعش) في العراقوسوريا منعاً لأي ميلاد جديد، إلا أن التنظيمَ لن يخسر كُلَّ جهوده في الدفاع عن الموصل، حيث يعتمد تكتيكاً يقوم على الانسحاب التدريجي من المواقع التي يخسرها وتكبيد العدو خسائر كبيرة كما فعل في تدمر السورية، قبل أن يحاول تجميع صفوفه ومحاولة مباغتته لاستعادة المدينة أو عبر مهاجمة مواقع أخرى ربما لا تكون في الحسبان. فيما يقدم الباحث في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب «كولن كلارك»، وزميله في معهد الحوار الاستراتيجي الأمريكي «أمارناث أمارسينجام»، ثلاثة سيناريوهات لمصير مقاتلي التنظيم بعد سقوط دولتهم، وفقاً لتصنيفهم. يتعلق السيناريو الأول ب(الحلقة الضيقة) وهم مقاتلون شرسون، لا سيما الأجانب منهم، وهم ضمن الدائرة المقربة من زعيم التنظيم «أبوبكر البغدادي» وكبار قادته، ومن المرجح أن يبقوا في العراقوسوريا، للانضمام إلى المقاومة السرية التي ستقوم على الضربات المركزة والمتفرقة سواء عبر الهجمات الانتحارية أو الكمائن. أما السيناريو الثاني فيتعلق ب(الجهاديين العالميين)، الذين مُنِعُوا من العودة إلى بلدانهم الأصلية. ويتوقع كلارك وامارسينجام أن يشكل هؤلاء المقاتلون فصيلاً من الجهاديين عابراً للحدود، حيث يسافرون إلى الخارج بحثاً عن مسرح الجهاد القادم – اليمن وليبيا وغرب إفريقيا، وأفغانستان -لحماية وتوسيع حدود ما يسمى بالخلافة. ويمضي كلارك ورفيقه في رسم سيناريو ثالث لمن سموهم (العائدين)، وأشاروا إلى أن هؤلاء المقاتلين سيُشكِّلُون مصدر القلق الأكبر للعاملين في دوائر مكافحة الإرهاب. ووفقاً للكاتبَيْن، قد يحاول هؤلاء المقاتلين العودة إلى بلدانهم الأصلية، مثل تونس أو السعودية أو أوروبا، وآسيا، وأمريكا الشمالية. وسيكون لدى الدول التي تحظى بمراقبة قوية للحدود فرصة التصدي لتأثير هؤلاء المقاتلين، ولكن ليست كل الأجهزة الأمنية الغربية على ذات المستوى من الكفاءة. ذكر الكاتبان أنه سيكون لدى البعض من الدول حتماً وقتٌ أكثر صرامة لاحتواء التهديد من غيرهم. يزيد من تعقيد المسألة عدم القدرة بين الدول القومية، وخاصة تلك التي تندرج تحت راية الاتحاد الأوروبي، للتوافق حتى على تعريف «المقاتلين الأجانب»، لا سيما أن هذه المجموعة غير متجانسة فبعضها محبط من التجربة، بينما هناك من يسعى لإحياء الشبكات النائمة، وتجنيد أعضاء جدد، أو شَنِّ هجمات على غرار هجمات (الذئاب المنفردة). توقع الكاتبان أن يكون هؤلاء المقاتلون في وضع جيد لمحاولة شن الهجمات تحت قيادة وسيطرة، ما تبقى من (داعش) في الشرق الأوسط. تكون هذه الهجمات أكثر فتكًا من غيرها في إشارة للهجمات التي شهدتها باريس في نوفمبر 2015، والتي نفذها المقاتلون الأجانب الذين تدربوا في سوريا وتم إرسالهم إلى فرنسا، علها تكون أوضح مثال على ذلك. وقال الكاتبان: «بالنسبة للغرب، فإن مواجهة هذه المجموعات المختلفة تتطلب مجموعة من الاستراتيجيات. المقاتلون المتشددون الذين لا يزالون في العراقوسوريا يجب أن يُقتَلوا أو أن يتم أسْرُهم من قبل قوات الأمن العراقية وبقية قوات التحالف التي تواجه داعش». مواجهة العصابات المتنقلة من المسلحين تتطلب بذل جهود متواصلة لتدريب وتجهيز القوات العسكرية والأمنية، وتعزيز سيادة القانون، وتعزيز الحكم الرشيد ومجموعة من الأهداف الأخرى متوسطة الأجل وطويلة الأجل. واختتم الكاتبان بقولهما: "إنه بينما ينشغل الاتحاد الأوروبي مع تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) والتدخل الروسي في الانتخابات الوطنية، سيتدفق الجهاديون المتشددون مرة أخرى إلى أوروبا، والبعض منهم عازم على تنفيذ هجمات". وعلى الرغم من أن الإرهابيين سوف يتدفقون على ليبيا واليمن، فإن التحدي الحقيقي سيكون في منع المزيد من الهجمات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في المدن الأوروبية الكبرى. ويرى خبراء ومختصون أن المعالجات العسكرية التي تتم لمواجهة (داعش) والتنظيمات المتطرفة عموماً ليست فعالة إن لم تكن تُسهم في تغذية الجماعات الإرهابية بأجيال جديدة أكثر عُنفاً وتطرُّفاً، وقد ظهر هذا الاتجاه في الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب. ويُلخِّصُ نائبُ وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن استراتيجية الولاياتالمتحدة لمكافحة تنظيم الدولة (داعش) وأيديولوجيات العنف المتطرف على نطاق واسع، وتتضمن الاستراتيجية خمس نقاط تشمل توسيع المشاركة الدولية، ومساعدة الحكومات الشريكة، والحد من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تسهم في التطرّف العنيف، وتمكين الأصوات المحلية ذات المصداقية وتعزيز سياسات إعادة التأهيل والدمج. وأكد بلينكن في خطاب سابق أمام معهد بروكنغز، أن الناظم المركزي لهذه الاستراتيجية الالتزام بالحكم الرشيد والشفافية والحريات الأساسية وحقوق الإنسان.