لم يعد أمام قطاعات واسعة من المواطنين أمل في تحسن الأحوال الاقتصادية قريبا بعد أن اعلنت حكومة الفترة الانتقالية عن عزمها رفع اسعار البنزين والجازولين مما سينعكس بدوره على تدني القيمة الشرائية للجنية لمستويات قياسية فهل ستفلح الحكومة الانتقالية في الحد من تدني القوة الشرائية للجنيه في ظل ضعف الصادرات وتعدد المشكلات التي يعانيها الاقتصاد؟ وبحسب عرض تقديمي لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي ناقشته مع عدد من المكونات الاقتصادية وضعت وزارة المالية سيناريوهين للموازنة يشمل الاول رفع الدعم التدريجي عن المحروقات بينما لا يحتوى عليه الآخر. ويشير السيناريو الاول بحسب مشروع الموازنة الذي حصلت عليه (السوداني) اكتمال تحرير البنزين في مارس أبريل والجازولين في أغسطس الى جانب اكتمال تحرير سعر الصرف وأسعار السلع الاستراتيجية في يونيو من العام 2021. وأشار مشروع الموازنة إلى بدء صرف المرتبات والأجور المعدلة بنسبة 100 % وتحرير سعر الصرف للصادرات فضلا عن بدء التحرير المتدرج لسعر صرف الدولار الجمركي للواردات واكتمال وشمول منظومة التعاونيات الاستهلاكية للسلع الضرورية في أغسطس المقبل ويتزامن مع بدء سريان الموازنة عدد من البرامج تتضمن إعادة هيكلة وإصلاح الجهاز المصرفي وإنشاء مفوضية للدعم الاجتماعي فضلا عن إطلاق برنامج للدعم النقدي عبر دعم 4.5 ملايين مواطن وإطلاق التعداد السكاني والزراعي والمسوحات البديل وربما للتكلفة السياسية التي دائما ما يثيرها اي حديث عن رفع الدعم بغضبة الشارع لجأت وزارة المالية لوضع السيناريو الثاني بديلا لمشروع موازنة العام المقبل اذ يستند على ملاحظات اللجنة الاقتصادية باللجنة المركزية لقوى الحرية والتغيير ويحتوي على الدعم بحيث تستمر الدولة في دعم السلع وعدم تغيير سياسات سعر الصرف الحالي وعدم اللجوء إلى زيادة المرتبات مع الاستمرار في سياسات الاقتصاد الكلي السائدة في العام الحالي إلا أن محصلة هذه الموازنة ستكون توقعات فجوة مالية تقدر بواقع 138 مليار جنيه ناجمة من زيادة تكلفة دعم المحروقات والقمح وانخفاض قيمة المنح المتوقعة من أصدقاء السودان والمنظمات الدولية. الاجتماع العاصف الحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية ذاتها لم تطمئن لقضية رفع الدعم اذ عقدت اجتماعا عاصفًا رفض أيّ محاولة للحكومة الانتقالية، لرفع الدعم عن السلع في موازنة العام المقبل كما اعترضت على تعديل سعر الصرف خلال اجتماع بين اللجنة الاقتصادية بالحرية والتغيير ووزير المالية ابراهيم البدوي "الخميس" الماضي حول الموازنة. عضو اللجنة الاقتصادية بالحرية والتغيير عادل خلف الله، قال إن البدوي قدم الصورة الأولية للموازنة خلال الاجتماع اذ دفعت اللجنة بملاحظات جوهرية حول مشروع الموازنة تضمنت التأكيد على أهمية استمرار دعم السلع الاستراتيجية في موازنة 2020م والرفض القاطع لتخلي الحكومة عن الدعم تحت أي مسمى بالاضافة لرفض تعديل سعر الصرف وتخفيض قيمة الجنيه مقابل العملات الحرة، مشيرًا إلى أن اللجنة اقترحت على وزير المالية معالجة مشاكل تدني سعر صرف الجنية من خلال زيادة الانتاج وتنويع مصادر الحصول على النقد الأجنبي، فضلاً عن التحكم في النقد الأجنبي بادخال القيمة المضافة لمحاصيل الصادر وتنويع الصادرات لاسيما للسلع البستانية . تصادم لم تنس الحكومة الانتقالية أن تترك الباب مواربا ربما خوفا من اي تصادم قد تحدثه قضية رفع الدعم مع الشارع الذي اطاح بحكومة البشير لعدد من الاسباب كان من بينها رفع الدعم المتدرج عن الوقود اذ عقدت الحكومة الانتقالية اجتماعا استثنائيا الأحد، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، عبدالله حمدوك، خصص لمناقشة مشروع موازنة 2020م معلنة فيه عن تشكيل لجنة مصغرة لمناقشة خيارات موضوع رفع الدعم عن البنزين والجازولين في موازنة 2020، باعتباره القضية الأساسية في الموازنة. كارثة العجز الخبير المصرفي د. محمد عبد الرحمن ابوشورة استبعد في حديثه ل(السوداني) تحسن سعر الجنيه خلال الفترة المقبلة، مشيرا الى أن العجز في الموازنة يمثل كارثة كبيرة. واضاف "لا اتوقع حدوث اي تحسن في سعر الصرف بعد رفع الدعم من المحروقات خاصة أن رفع الدعم ينعكس على ارتفاع السلع ومعدل التضخم مما يؤدي لانهيار في القيمة الشرائية للجنيه بقدر كبير لجهة ضعف الصادرات الماثل حاليا"، داعيا الحكومة الانتقالية للعمل على زيادة الصادرات بما يحسن ميزان المدفوعات. وأضاف: يجب على الحكومة احتواء التضخم المالي الذي يرتبط بالاستدانة من الجهاز المصرفي، راهنا خفض قيمة العجز في الموازنة باحتواء التضخم المالي، مشددا على اهمية تحسن ميزان المدفوعات وعدم اعتماد الحكومة على شراء الدولار من السوق الموازي، لافتا الى أن اي موازنة يجب أن يتم تحديد ايراداتها ومصروفاتها منذ بداية العام متسائلا عن كيفية ربط الايرادات برفع الدعم عن البنزين في ابريل والجازولين في اغسطس. استهلاك وزير النفط السابق اسحاق بشير جماع قال في حديثه ل(السوداني): إن السودان يدعم البنزين والجازولين نتيجة لتدني قيمة الجنيه بقدر حتى الدولة المنتجة لا تدعمه به اذ يتم دعم لتر البنزين 12 سنت فيما يبلغ دعم لتر الجازولين 9 سنت، مشيرًا إلى أن الدعم الحالى مشجع للاستهلاك. وأضاف: فروقات الدعم تظهر في ارتفاع الدين العام للدولة خاصة انه ليس هناك فائض من الاموال بالبلاد كما أن الدعم سينعكس على ضعف اطلاق مشروعات التنمية وحدوث مشكلات كبيرة في الموازنة بسبب الدعم. التمويل الدولي ويؤكد جماع أن استمرار دعم الحكومة للوقود ينعكس على إحجام المؤسسات الدولية عن منح التمويل للبلاد لعدة اعتبارات بينها أن تلك المؤسسات تقوم بدعم مشروعات التنمية وليست الاستهلاك، داعيا الى رفع الدعم عن البنزين كليا مقابل الرفع التدريجي للجازولين خاصة أن حوالى اكثر من 50% من دعم البنزين يذهب للقطاع الحكومي. وأضاف: بالرغم من انعكاس رفع الدعم على المواطنين الا انه لم يعد هناك خيار آخر غيره خاصة أن الدولة ليست لديها موارد كافية لاستمرار الدعم، مشددًا على اهمية التوعية بقضية رفع الدعم خاصة مع توقف الصادر للمواشي وفشل الموسم الزراعي وتابع: هذه حقائق لابد أن يتم مواجهتها ودفع المواطنين نحو الانتاج، فخيار رفع الدعم جراحات لابد من اجرائها خاصة أن السودان ليست لديه مقدرة للدعم، موضحًا أنهُ إذا لم يتم رفع الدعم من الممكن أن تصل البلاد لمرحلة لا تستطيع الدولة فيها الاستيراد والوصول لاقتصاد الندرة ولابد من المعالجة حتى لا نصل مرحلة الانهيار. هيكلة الدعم من جانبه قال الخبير الاقتصادي، عبد الله الرمادي ل(السوداني): إن المطلوب ليس إلغاء الدعم، بل إعادة هيكلته وتقييم القمح والمحروقات بالأسعار العالمية، مؤكدا أن الدعم بشكله الحالي يذهب لغير مستحقيه. وأضاف: بدلًا من دعم السلعة نفسها تعاد هيكلتها لتتاح لكافة المواطنين والأجانب مع دعم الأسر الفقيرة بشكل مباشر، مشيرًا إلى أن تطبيق سياسة رفع الدعم عن البنزين بالموازنة المقبلة يحتاج لمسح أو إحصاء دقيق، مشدّدا على أهمية أن تستبق الحكومة أي إجراء بشأن الدعم بإقامة التعاونيات ودعمها من أجل توفير السلع بأسعار مناسبة للمواطنين.