بعد الغياب المشهود الذى دام ثماني سنوات بقاهرة المعز قضاها معارضاً أتى الشريف زين العابدين الهندى إلى البلاد , لم تكن معارضة شرسة أو مسلحة كما تعود عليها الناس ولم تكن تلك المعارضة التى تستغل وسائل الإعلام العربية والعالمية لتسليط الضؤ على شخص واحد أو إثنين أو عشرة فى (الفاضية والمليانة) حباً فى الظهور وقصداً بتحريك القوة الدولية بآلياتها ومنظماتها ضد السودان بين الحين والآخر , كانت معارضة تتسم بالسكون والهدوء ملؤها العقل والمنطق إصطحب فيها الشريف كل خبراته الفطرية والمكتسبة داعماً لها بتاريخ من سبقوه فى النضال حتى توصل إلى حل سياسي ثمين وفريد أقنع به ثورة الإنقاذ التى كانت آنذاك تحكم الناس بقبضة من حديد , إرتجل الشريف من طائرته عائداً فى أكتوبر 1997م ومعه مبادرة الحوار الشعبى الشامل حيث قضى أولى أيامه فى منزل أخته الشريفية مريم الهندى ,كنا نذهب لنرى ونشارك فى هذا الحدث الرهيب والجديد على أعيننا ومسامعنا وكنت إبن العشرين من العمر ..لم أر فى حياتى تجمعاً مثل هذا إلا فى حولية الشريف الهندى التى تقام سابعة العيد من كل أضحى , قمنا بتقديم الماء والشاى ونحن فى أشد حالات الإنبهار عندما نرى مشاهير السياسة أمام أعيننا ونتبارى فى أينا أكثر معرفة بالشخصيات العامة فتارةً نخطئ وتارةً نصيب , رأينا السياسيين والشعراء والفنانين ورجال الدين وحتى الأطباء ولاعبى كرة القدم فكان مهرجاناً لنا وإحتفالا تمنينا أن لا ينتهى . لم نشعر بأى تعب بالرغم من المجهود الشاق الذى نبذله حيث نأتى فى الصباح الباكر ونعود فى ساعات الصباح الأولى وبالرغم من كل ذلك فقد إحتفظنا بمعظم ما أحسسنا به من إعجاب وحب للرجال الذين كانوا حول الشريف من أعضاء وقيادات فى الحزب .. سمعنا بهم قبل أن نراهمونعلم علم اليقين أنهم كانوا له عوناً وسنداً فى إطلاق المبادرة والوقوف عليها ناشرين لفكرتها ومبشرين , نعم .. هؤلاء هم الأبطال والبطل هو من يرافق الشريف فهذا هو الدكتور أحمد بلال قائد وفد المقدمة الذى أوفده الشريف إلى الحكومة يتحدث بأيديه وأرجله وذاك هو البروفسير على عثمان محمد صالح الذى لا يخشى ولا يختشى فى الحق لومة لائم وهو من يقول للأعور أعور (فى عينو) .. رأينا بشير جمعة سهل هادئاً أنيقاً وهذا هو السفير عبدالحميد ابراهيم جبريل وقد ظننت أيامها أنه يوماً ما سيترأس هذا الحزب من فرط قوته وصلابته والدكتور أمين البيلى صوتاً جهوراً والسمانى الوسيلة نضالاً وتاريخاً وسجادة رأيناهم فى تلك الأيام ومن لم نراه سعدنا بمشاهدته فى تلك الفترة بشارع واحد العمارات حيث مقر الحزب والكثير من القياداتذوى الأوزانالثقيلة وكلهم يصوبون نحو هدف واحد .. سمعة الحزب وصون تاريخه وتسخيره ليكون الأداة الحقيقية لأمن السودان ورخائه وتطوره ووحدته , كانوا كذلك طيلة الفترة من 1997م وحتى 2001م لا يخافون ولا يتلونون ولا تغريهم الأموال والأطيان ولا المناصب , كانوا يتشبهون بالشريف فى كل شئ يتحدثون مثله ويتقشفون يلبسون مثله ويمشون , حزنت كثيراً وأنا أتوه فى أعماق هذه الشخصيات الأسطورية وتساءلت فى نفسى هل يا ترى سنكون مثلهم فى يوم من الأيام ؟ فقلت لنفسى هيهات .. أين أنت من هؤلاء الأشاوس , هؤلاء شربوا خمر النضال من الشريف حسين الهندى عندما كانوا شباباًويافعين ولم ندرك زمانه .. نعم ..لن نكون مثلهم لأنهم إكتسبوا وتشبعوا بحب الوطن من قلب الشريف زين العابدين وللأسف إقتربنا منه فى أواخر عمره فمن الذى سنتعلم منه ؟ فكرت فجاءنى خاطر أراحنى كثيراً .. نعم .. لا بد وأن كل واحد من هذه القيادات يحمل صفة أو صفتان من الشريفين والحل هو أن نتعلم منهم جميعاً . هبت رياح التغيير وجاءت الطامة الكبرى ألا وهى المشاركة فى الحكومة وبدأت الآثار السالبة فى الوضوح بدايةً بتعيين قيادات الحزب وزراء ودستوررين الشئ الذى أضعف الخطوات الثابتة التى كان يقوم بها الحزب تجاه قواعده وجماهيره وظهرت دلائلها ووقائعها فى الموتمر العام للحزب فى 2003م ومن هنا بدأ جلال الدقير فى الفتك بالحزب ورجاله بأقوى سلاح على الإطلاق وهو القرب اللاصق من النظام ورجاله وعندما ناهضته فئة فى حياة الشريف بسبب سؤ إدارته وإنصرافه نحو التمكين وجلب القوة لم يستطيعوا أن يحركو فيه ساكناً ولكن على الأقل كانت هنالك مؤسسات رسمية تستطيع أن تجتمع وتعترض وكل من ذكرناهم سابقاً وغيرهم كان جلال يهابهم لقربهم من الشريف ولتاريخهم الزاخر فى العمل داخل الحزب حتى شباب الحزب آنذاك يملكون رصيداً داخل الحزب أكثر من جلال الدقير بكثير أمثال معتز مصطفى ومعتصم عزالدين والمرحوم أبوالمعالى ومحمد خير وأيمن زكريا بالرغم من أنهم يصغرونه بين العقد والعقدين من السنين , إنتهى خوف جلال من المؤسسات ومن فيها بعد وفاة الشريف زين العابدين حين وجد نفسه وبدون منازع الرجل الأول فى الحزب والمفاوض الوحيد على المناصب مع أعلى الشخصيات فى الدولة , أحسسنا بالخطرورفعناالمذكراتتلوالمذكراتوإستخدمناشتىالطرقالتنظيميةولكنباءتكلهابالفشلمماتسببفىقيامناببناءتيارالإصلاحللوقوفضدالمصالحالتىبسببهادمرالرباعىبهاالحزبوإلىأنكُوِنتالحركةالإتحاديةالتىجمعتكافةالإتحاديينالشرفاء , لميشاركناأىأحدفيمانادينابه بل أن كل الأسماء الذهبية والشخصيات الفذة التى ذكرتها إختارت مصالحها الخاصة قبل مصلحة الحق والواجب فدخلو دون أن يشعروا فى خلف أسوار الصمت التى شيدها جلال بعناية فائقة , صمتو صمت أهل القبور تجردوا من الصدق وقول الحق وهم يرون (العوج) بأعينهم ولا يستطيعون النطق بحرف ضده وكيف لا فجلال يستطيع أن يجعل صباح كل وزير كابوساً بمكالمة هاتفية وهذا ما أدركه من قادوا الحملات ضده فتحولوا لصفه بسرعه وذرفوا الدموع وباسوا الأيادى وفراش الشريف ما زالت تتقاطر عليه الوفود , أصحاب المصالح لم يكتفوا بهذا الخوف بليعتبرونمنأميزالمدافعينعنهوالمصادمينلهبعدأننفذواكلماطلبهمنهموكلأمرتمبإسمالحزبكانتحتسمعهموبصرهموبموافقتهمبرفعأياديهمبالتأييدداخلمؤسساتالحزبعندماكانتشرعية , سكتت الأصوات وضعف الرجال وماتت العزائم وضاعت المروءة .. كيف لرجل إختار لنفسه أن يكون حراً طليقاً داخل مؤسسة ديمقراطية كان فيها القوى صاحب الصوت العالى والرأى النافذ وفى النهاية يدخل خلف أسوار الصمت بإختياره , ومن يكون خلفها لن يستطيع الخروج منها أبداً وهذا هو السر الغريب .. الجميع (لا حس ولا خبر) .. أين هم الآن ؟؟ أين السمانى الوسيلة ؟؟ أزاحه جلال من المنصب عن قصد ولم يستطع إعلان موقف ضده ومثله أمين البيلى وبشير سهل وعلى حمزة ومحمد خير ومامون مبارك أمان ومعاوية أبراهيم حمدوعبدالرحيم عبدالله ومحجوب عثمان ,أين كل هذه الأسماء وما هذا الصمت الغريب والرهيب ؟؟ محجوب عثمان سكت وأسكت معه المكتب السياسي فهو رئيس جلساته ولا يستطيع أو يتجرأ أن يجمعه إلا إذا أذن له جلال.. أين الأعضاء الجدد الذين كانت لهم (شنة ورنة) عندما كانو مع السيد .. الأستاذ الباقر أحمد عبدالله وأحمد على أبوبكر ؟؟ .. خلف أسوار الصمت أيضاً .. وهناك أشخاص لن نسأل عنهم لأنهم فى السلطة ولا يزالون يرون فى جلال ولى نعمتهم ولا يريدون حزباً ولا يحزنون أمثال أحمد بلال وإشراقة وسعيد بريز وهندى الريح وكل هؤلاء كوم وهندى الريح كوم آخر فوا أسفى وحزنى عليه .. وسادتى الأشراف المنضمون إلى جلال بالرغم من إننى أحبهم وأقدرهم أيما تقدير وهم أخوالٌ لىوأعزاء إلى قلبى ولكن للأسف هم أيضاً خلف الأسوار صامتون قابعون ساكنون .. هل يا ترى قد ظلمتهم ؟؟ أحس كثيراً بأننى أظلمهم ولكن الوقائع تقول ما أقول , إذا فعل السيد الأمين العام المؤسسات وجعلها تقوم بالدور المناط بها وأشركها فى كافة القرارات المصيرية التى لا تتعارض مع مبادئ الحزب الأساسية وجعل الأاأأمانة تعج بالأمناء وتكتظ بالطلاب والشباب والشابات , وأقيم المؤتمر العام وجاء الجماهير برئيس للحزب مثله مثل أحزاب العالمين وأشرك الناس فى متى نعارض ومتى نشارك وإذا شاركنا بمن سنشارك بالإضافة إلى ترك أبوابه مفتوحة للزائرين والقادمين وأصحاب الهموم الحزبية والخاصة من الولايات مثلما كان يعودهم الأزهرى والشريفين , إذا بدر هذا من الأمين العام ومساعديه فقد ظلمناهم وظلمناه ولكن حدث النقيض والعكس والتآمر والتخاذل والهوان والصمت منهم جميعاً , إذاً نحن لم نظلم أحداً . عليكم أيها الإخوة الخروج من جدار الصمت الذى لفه جلال على أعناقكم وهو لو تعلمون جدارٌ واهنٌ وضعيف لن يستطيع به إسكاتكم لو تمعنتم جيداً من أنتم وماذا كنتم ولا تنخدعوا فى المؤتمر العام القادم الذى زعمه فسيكون مزوراً وأنتم تعلمون ولن تستطيعوا فتح افواههكم بكلمة , سيقوم وزرائه بجلب أعضاء من الولايات لا تعلمونهم داخل قاعة الصداقة وسيحيطها بالأمن والشرطة كما تعود دائماً وستأتى الحكومة عن بكرة أبيها لتشهد هذا التزوير وسيأتى جلال رئيساً للحزب وأحمد بلال نائباً له وإشراقة أميناً عاماً وتخرجوا من القاعة (وخشمكم أغبش) , أمامكم حلين لا ثالث لهما .. إما أن تكسروا هذا الجدار الواهن وتأتو لتلحقوا بركب الوحدة الإتحادية داخل مظلة الحركة الإتحادية .. وإما أن تشهدوا مؤتمر جلال الدقير المزور وسيكون مصيركم هذه المرة خلف أسوار عالية فى جزيرة معزولة يحيط بها الماء إحاطة السوار بالمعصم وهذا هو الإنتحار السياسي والصمت الأبدى خلف الأسوار . محمد الأمين مصطفى الحزب الإتحادى الديمقراطى