الموجة الأولى للتحرير الاقتصادي نُفذت في العام 1991 وكان وزير المالية وقتها الأستاذ عبد الرحيم حمدي، الموجة الثانية بدأت الآن ووزير المالية الدكتور إبراهيم البدوي. هذا المقال ليس من أهدافه المقارنة بين نظام سياسي وآخر. أو تقييم أفكار أو أداء الوزيرين. لهذا المرجو قراءته بمنظار الحياد العلمي ما أمكن. يوجد شبه إجماع على مستوى العالم على أن النمو الاقتصادي وزيادة معدلاته مرتبط بتحرير الاقتصاد من القيود، وذلك بمنح المبادرة الفردية والطموح الشخصي الحرية الكاملة للعمل والإنتاج، وخروج الحكومة من الممارسة الفعلية للأنشطة الاقتصادية، والاكتفاء بدور المنظم. ولتحقيق العدالة الاجتماعية، وإعادة توزيع الثروة ومنع اكتنازها، تم تطوير القوانين المتعلقة بالضرائب، وقوانين منع الاحتكار، والقوانين الحامية للمستهلك. تطورت مفاهيم تحرير الاقتصاد من الخروج الكامل للدولة من كل وسائل الإنتاج بخصخصتها، وهي مدرسة رعتها في بريطانيا مارجريت تاتشر (1925-2013) بمساندة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان (1911-2004)، إلى المدرسة الصينية والروسية المعاصرة، التي يتم فيها توجيه الاقتصاد من أعلى بواسطة سلطة حاكمة قوية، وأنموذج دولة الرعاية الاجتماعية كما هي مطبقة في السويد والنرويج. ربما تتفق كل هذه النماذج في سيادة مفهوم التخطيط الاستراتيجي، الذي يقوم عليه ويرعاه ويحميه نظام سياسي قائم على عقد اجتماعي محترم من كل فئات الشعب. الموجة الأولى من التحرير الاقتصادي حققت نجاحاً معقولاً بنقلها للناتج المحلي الإجمالي للبلاد من 10 مليارات دولار في العام 1990 إلى 90 مليار دولار في العام 2014 (أرقام صندوق النقد الدولي)، ولعل ما ساعدها على النجاح الحاضنة السياسية القوية (حينذآك)، وعدم وجود مقاطعة أو حظر اقتصادي في بداية التنفيذ. منع الموجة الأولى من استكمال النجاح وتنفيذ الخطة الكلية، عدم تنفيذ خطة الحماية الاجتماعية، وبطء تنفيذ الإصلاح الضريبي، وانحراف خطة الخصخصة عن تحقيق أهدافها الأساسية بتحويل المرافق التي يتم خصخصتها لشركات مساهمة عامة تسهم في دفع الاقتصاد. الضعف الإداري والفساد فعلا فعلتهما، وشوّها مفهوم وأهداف الخصخصة بصورة كاملة. بدأ الدكتور إبراهيم البدوي الموجة الثانية برفع الدعم عن المحروقات بصورة كلية، وعن الخبز جزئياً، مع التخطيط لتحرير سعر الصرف بصورة كاملة. ولامتصاص الصدمة عن الفئات ذات الدخل المحدود والفقراء، طبق سياسة جريئة لتحسين الأجور في القطاع الحكومي بزيادتها خمسة أضعاف مرة واحدة، مع التخطيط لمنح الدخل الأساسي لحوالي خمسة ملايين أسرة، أو ثلاثين مليون مواطن. أهم التحديات والمخاطر التي تواجه الموجة الثانية:- 1. عدم مساندة الحاضنة السياسية للسياسات الاقتصادية. 2. عجز الإيرادات الحكومية عن تغطية المنصرفات الأساسية بما يعني زيادة عجز الموازنة. 3. عدم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. 4. عدم توقع انسياب معونات خارجية مقدرة قبل نهاية العام 2020. إن عدم معالجة هذه التحديات يتوقع أن يؤدي إلى انطلاق موجة تضخم هائلة، وانخفاض لقيمة العملة السودانية أمام العملات الأخرى. ومع ذلك فإنه توجد فرصة لنجاح الموجة الثانية إذا ما تحقق التالي:- 1. رفدت عائدات الذهب الاقتصاد عن طريق منح السعر المجزي للمعدنين، بتفعيل بورصة الذهب.(وشرط ذلك تحرير سعر الصرف). 2. تعاونت البنوك المركزية في دول الاغتراب في تحويل أموال المهاجرين بالسعر الحر.(وشرطه كذلك تحرير سعر الصرف). 3. تم منح الحرية للمصدرين في التصرف في عوائد صادراتهم. 4. نجحت هيئة الاستثمار في جذب استثمارات كبيرة جداً(داخلية وخارجية) للقطاع الزراعي الواعد فيما بعد جائحة كورونا. (شريطة منح الحرية للمنتج في بيع منتجه بالسعر الحر). والله الموفق.