ثمة حالة من الاتفاق بين السودان وتركيا حول وصف حجم التبادل الحالي البالغ 500 مليون دولار بأنه "لا يليق بالبلدين" لا سيما مع التعداد السكاني الكبير لكل من السودان وتركيا. صحيح أنه تم التوقيع في هذه الزيارة على 12 اتفاقية وتكوين لجنة سياسية عليا برئاسة رئيسي البلدين، تجتمع سنوياً بين الخرطوم وأنقرة بالتناوب، إلا أن العلاقة ما يزال ينتظرها الكثير لتصبح استراتيجية. وكانت العديد من العوامل المتصلة بالعقوبات الأمريكية والبيئة الداخلية السودانية قد أثرت في تعزيز العلاقات الاقتصادية وتطويرها بشكل يتلاءم مع ما بلغته التفاهامات السياسية. فرفع التبادل التجاري لمليار دولار بحلول نهاية العام 2018 لن يجعل تركيا الشريك الاقتصادي الأول بالنظر إلى أن حجم التبادل مع الصين الشريك الاقتصادي الأول حاليا في حدود 3 مليار دولار - قبل الانفصال وصل ل23 مليار دولار -. وحتى لو نجح البلدان في رفع التبادل التجاري لحدود 10 مليارات دولار سنويا فإن هذا المبلغ في لغة التحالفات الاستراتيجية الدولية لا يساوي شيئا ما لم يتم إسناده بمشاريع استراتيجية حقيقية. وتبلغ الاستثمارات التركية في السودان نحو مليارَي دولار ويتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 400 مليون دولار وهنالك أكثر من 400 شركة تعمل في مجال الاستثمار والتجارة. وسمح السودان لتركيا في العام 2011 بزراعة 60 ألف فدان في ثلاث ولايات سودانية. ووقع السودان خلال العام 2013م على مذكرات تفاهم مع تركيا للتعاون المشترك في مجالات التعدين والكهرباء والموارد المائية شملت بناء القدرات في مجال السدود ومشاريع الكهرباء من توليد مائي وحراري والطاقات المتجددة، ومجالات نقل الكهرباء. وكانت وزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية قد توصلت في العام 2013م إلى توقيع مذكرات تفاهم مع نظيرتها السودانية للتعاون المشترك في مجالات التعدين والكهرباء والموارد المائية إضافة للتعاون النفطي بين البلدين في مجال استكشاف النفط والغاز والإنتاج النفطي وخدماته. يقول أستاذ العلاقات الدولية د.عبد الرحمن أبوخريس إن العلاقات بين البلدين في وضعها الحالي تصنف كعلاقات متميزة وحيوية ولكن لا يمكن وصفها بالاستراتيجية ما لم يكن هناك تفاهم استراتيجي مع وجود مواعين ذات تأثير على الأمن القومي للبلدين، وهو ما يعني أن مواجهة أي بلد لأي نوع من التهديد الاستراتيجي بمختلف مستوياته يجد مناصرة من حليفه الآخر مع الاعتراف بالمهددات في البلدين والعمل على خلق مشاريع تحقق الأمن القومي للدولتين. ويشير أبوخريس إلى أن خلق علاقات استراتيجية بين أي بلدين يستلزم تأسيس علاقات ثنائية استنادا على مشتركات مجمع عليها من الطرفين ويعبر عن القاعدة بشكل كبير ويكون من صميم القوى السياسية للبلدين؛ مضيفا أن العلاقات الاسترايتجية تعني الالتزام الرسمي بكل المسارات وهو أمر شبيه بالعلاقات بين سوريا وروسيا. من جهته يبدي الخبير الاستراتيجي د.عصام بطران تفاؤلا كبيرا بزيارة أردوغان الأخيرة ويعدها بمثابة نقطة تحول في العلاقات بين البلدين اللذين تربطهما وشائج وعلاقات تاريخية تقوم على أساس تفاهمات مشتركة في قضايا عدّة. ويلفت الخبير الاستراتيجي بطران إلى أن نقطة التحول التي أحدثتها الزيارة تتصل بإجراء إصلاحات هيكلية عبر إنشاء مجلس أعلى للشراكة الاستراتيجية تحت قيادة رئيسَي البلدين يتجاوز اللجان الوزارية المشتركة لأخذ المسألة بعموميتها من ناحية استراتيجية شاملة ويخطط لعلاقة مستقبلية تجني ثمارها في مستقبل بعيد المدى. خطوات أكبر زيارة أردوغان إلى الخرطوم تبدو اقتصادية من الوهلة الأولى لتسريع التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين ورفعه لمستوى التفاهم والتنسيق السياسي، في سياق برامج لخلق شراكة استراتيجية. ويقول الخبير الاستراتجي د.عصام بطران إن التطوير الهيكلي للعلاقات الثنائية ينعكس على مستوى البرامج التنفيذية للاتفاقات المشتركة التي ستتعدى كل الحواجز بحكم قوة دفع مؤسسات الرئاسة في البلدين وهو ما يسهل تنفيذ المشروعات الاستراتيجية الكبيرة. ويلفت بطران إلى أن جوانب هذه الشراكة الاستراتيجية لم يفصح عنها بالكامل ويتوقع أن تتضمن كل البنود الكفيلة بتعزيز هذه الشراكة بكل محاور القوة الشاملة داخل هذه العلاقة. من جهته يقول أستاذ العلاقات الدولية عبد الرحمن أبوخريس، إن العلاقات بين البلدين ينتظرها الكثير من العمل للخروج من نطاق التفاهمات السياسية والتبادل التجاري البسيط لرحاب علاقات استراتيجية عبر مشاريع ضخمة تلبي الحاجات الاستراتيجية للطرفين في الجوانب الدفاعية والزراعية والصناعية والطاقة والنقل. يبدو أن السودان موعود بتحول جديد في علاقاته الخارجية خاصة مع تركيا حيث تضمنت برامج وخطط عمل تهدف لرفع حجم التجارة والاستثمار بين الدولتين إلى مليار دولار وفق ما هو مخطط له بنهاية العام 2018م، فيما التزمت تركيا بإنشاء سكك حديدية بالسودان وتنفيذ مشروعات كبيرة في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية وفتح الأسواق التركية لصادر اللحوم السودانية وتوقيع اتفاقية تجارية فنية لاحقاً في مجال التعاون الجمركي المشترك بين البلدين وبناء القدرات المؤسسية والبشرية السودانية وتفاهمات في مجال المواصفات والمقاييس والبنوك المركزية.