في أقل من 48 ساعة كانت قيادات الجيش السوداني تجتمع في الخرطوم مع قادة ثلاثة جيوش في المنطقة، ابتدأت برئيس أركان الجيش التركي خلوصي أكار، وتلاه اجتماع بنائب رئيس أركان الجيش الروسي ألكسندر إلكسي فيتش، ومن ثم رئيس أركان الجيش القطري غانم شاهين الغانم، لتتنامى التكهنات حول طبيعة الاجتماعات الأخيرة قبل أن يمضي البعض إلى أن هناك حالة من إعادة التموضع في المنطقة تخلقت بعد قمة سوتشي الأخيرة في روسيا؛ إلا أن مصادر مطلعة بوزارة الدفاع السودانية ترى أن الزيارات الثلاث تزامنت بالصدفة، وأن لكل زيارة واجتماع هدفاً محدداً. وتؤكد ذات المصادر التي فضلت حجب اسمها أن ما يحدث حالياً هو نتاج طبيعي لاستعادة الجيش السوداني وضعه الطبيعي في المنطقة بعد انزواء الحصار الأمريكي على السودان. ملحقية جديدة صبيحة الأمس اصطفَّ حرس الشرف في مباني رئاسة الأركان المشتركة شرق الخرطوم، ليصل رئيس أركان الجيش القطري الفريق طيار ركن غانم الشاهين ويقف مع نظيره السوداني الفريق الأول ركن عماد الدين عدوي في طابور الشرف، قبل أن يدخل الطرفان في مباحثات سريعة. وتوجَّها بعدها لتفقد الطلاب الحربيين القطريين في الكلية الحربية، قبل أن الاجتماع مجدداً بوزير الدفاع الفريق أول عوض بن عوف واللحاق برئيس الجمهورية القائد الأعلى للجيش الذي أعطى قيادات الجيشين التوجيهات اللازمة لتعزيز العلاقات بين الخرطوم والدوحة قبل أن يقوم بمنح وسام النيلين من الطبقة الأولى لرئيس أركان الجيش القطري. ووصف رئيس أركان القوات المسلحة بدولة قطر الفريق طيار ركن غانم الشاهين بعد لقائه بالرئيس السوداني العلاقات مع السودان بأنها مهمة بالنسبة لقطر في جميع مناحي العمل العسكري في التصنيع والتدريب والتمارين المشتركة. وأكد رئيس أركان القوات المسلحة القطرية على أهمية تطوير هذه العلاقات واستمرارها خلال المرحلة المقبلة. من جانبه قال رئيس هيئة الأركان السودانية الفريق أول عماد الدين عدوي، إن الرئيس البشير خلال اللقاء تحدث عن الموجهات العامة التي يمكن أن تُسهم في تطوير مسيرة التعاون العسكري والدفاعي بين القوات المسلحة في البلدين. وأشار عدوي إلى أن زيارة رئيس الأركان القطري، والتي تستغرق عدة أيام سيُجري خلالها العديد من المشاورات وبحث كيفية تطوير العلاقات في التعاون العسكري والدفاعي بين البلدين. وأكد رئيس أركان الجيش السوداني أن العلاقات بين البلدين راسخة ومستقرة ومتطورة، وأضاف: "نأمل أن تزيد وتيرة هذا التعاون في شتى المجالات". ونوه عدوي إلى أن التعاون بين القوات المسلحة بين البلدين في التدريب العسكري قطع شوطاً كبيراً خلال التمارين التي أُجريت بمدينة جبيت شرقي السودان خلال الأيام الماضية، وأضاف: "ستكون هنالك تمارين مشتركة على مستويات أعلى خلال الأعوام المُقبلة". افتتاح الملحقية العسكرية القطرية لأول مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين يمثل خطوة إيجابية. ويقول الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء م.أمين إسماعيل مجذوب، إن قطر تنظر للسودان باعتباره حاضنة مثالية للتدريب لاعتبارات تتعلق بكفاءة مؤسسات التدريب العسكري السوداني، وجودة خدمة ما بعد التدريب في السودان والتي جعلت العديد من الضباط القطريين ممن تلقوا تدريبات في السودان يتبوَّأون مواقع قيادية في الجيش القطري، فضلاً عن حميمية العلاقة بين البلدين. ويشير مجذوب، إلى أن الجانب القطري يُولي اهتماماً كبيراً بهذه المُلحقية حيث جعل على رأسها ضابطاً رفيعاً برتبة اللواء، سامي بخيت الجتال، وبمساعدة العميد سلطان الشهوان لشؤون التدريب. ويضيف مجذوب الذي يتولى منصب مستشار التدريب بالملحقية القطرية، أن مناطق عملهم متابعة المبعوثين العسكرين في الأكاديميات والمعاهد العسكرية، ومتابعة البرتوكولات الموقعة في المجالات العسكرية ومتابعة التحضير والمناورات التي تجري بين البلدين، ووضع أي مشاريع مستقبلية تناسب طموحات وأهداف الجيشين. وليس بعيداً عما سبق يمضي الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء م.يونس محمود، الذي يستهلُّ حديثه، ويقول: "يجب استبعاد فكرة إنشاء حلف عسكري، والأمر يتعلق بالمصادفة". ويقول محمود إن رئيس الأركان القطري حضر افتتاح الملحقية العسكرية والسودان لديه علاقات مع قطر في التدريب وتبادل الخبرات لعقود طويلة. تعاون تركي وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو استشعر ما يُثار حول الزيارة وسعى لبث تطمينات لبعض الأطراف في المنطقة، قائلاً إن أنقرة تتواصل مع الجميع، نافياً وجود محور في المنطقة يضم تركياوقطر وإيران مضيفاً: "نعمل من أجل السلام والاستقرار في المنطقة، ونبذل كل الجهود لحل الأزمات". قبل أن يمضي أولو لكشف بعض جوانب التعاون بين البلدين قائلاً: "إن أمن السودان والبحر الأحمر مهم بالنسبة لتركيا، لذا ستواصل أنقرة عملها لدعم السودان لمواجهة الإرهاب والتحديات الأمنية في المنطقة"، مؤكداً أنهم سيواصلون التعاون مع السودان في النواحي الأمنية والدفاعية. يشير الخبير الاستراتيجي اللواء م.أمين إسماعيل مجذوب، إلى أن "بعض التحليلات تذهب إلى أن هناك حلفاً جديداًَ يتشكَّل في المنطقة بين السودان وقطروتركيا برعاية روسية إلا أني أرى أن الصدفة هي التي جعلت هذه اللقاءات متزامنة". ويضيف مجذوب أنه من الصعب التكهن بطبيعة المباحثات السودانية التركية العسكرية بخلاف ما رشح للإعلام، إلا أنه وبالنظر للوفد التركي رفيع المستوى، فمن المتوقع أن يتم تعزيز التعاون العسكري، وربما تستصحب زيارة أردوغان واهتمامه بجزيرة سواكن الصراع على منطقة البحر الأحمر الحيوية خاصة بعد أحداث اليمن والتسابق الدولي للسيطرة على الموانئ في هذه المنطقة. من جهته يقول الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء م.يونس محمود: "كان رئيس الأركان التركي ضمن زيارة أردوغان المبرمجة". ويمضي محمود في حديثه ويقول: "بالنسبة لتركيا لم تكن هناك علاقات عسكرية مباشرة، ولكن الآن هناك بروتوكول للتدريب المشترك والتسليح وصيانة السفن، وهو ما يعزز من قدرات القوات البحرية السودانية، أما فيما يتعلق بإعمار جزيرة سواكن فهو حديث مبالغ فيه، فالأمر لا يعدو أن يكون أكثر من ترميم المدينة على طرازها العثماني وتزويدها بمرافق استراتيجية وسياحية". لقاء معتم الملاحظة البارزة أن لقاء رئيس الأركان السوداني مع نائب رئيس الأركان الروسي فُرِضَ عليه تعتيم إعلامي، إلا أن زيارة الرئيس البشير الأخيرة لروسيا وضعت ملامح عريضة لخارطة تعزيز التعاون العسكري بين البلدين والذي من شأنه تحديث الجيش السوداني بالكامل من خلال التدريب وتبادل الخبرات والتعاون في مجال التسليح. وهو أمر لم تخرج من سياقه تصريحات عدوي وفيتش؛ فيما لم تتوفر معلومات عن تفاصيل الزيارة ولا حتى مدتها. ويعود يونس محمود ليقول إن زيارة نائب رئيس الأركان الروسي في سياق تعاون تاريخي بين البلدين يمتد لما بعد سنوات الاستقلال وتم تعزيزه بشكل أكبر في زيارة البشير الأخيرة إلى روسيا- والحديث ما زال ليونس محمود- قبل أن يضيف أن الطغيان الأمريكي كان يحاصر السودان ويمنعه من تبادل المصالح مع محيطه الإقليمي والعالمي والآن بعد زوال الحصار سينفتح العالم على السودان كما لم يحدث من قبل وفي مختلف المجالات. خلاصة القول إن التأكيدات السودانية تشدد على أن ما حدث مجرد مصادفة، وأن الاجتماعات تمت مع كل طرف على حدة في سياق محاولة استعادة السودان لأدواره العالمية والإقليمية التاريخية بعد بدء زوال الحصار الأمريكي. ويستند الجيش السوداني في هذه التبادلات على قاعدة جيدة من الخبرات في مجال التدريب والعمليات من خلال النزاع الطويل في الجنوب ودارفور ومن خلال قطاع صاعد بقوة في مجال الصناعات الدفاعية. بعض التعليقات الطريفة التي صاحبت ما يُثار عن الزيارات أنها مجرد صدفة صاحبت نهاية العام، إذ تسعى المؤسسات لختام إنجازاتها خلال العام كما أن أجواء السودان الشتوية الدافئة تُشجِّع على برمجة مثل هذه الزيارات في هذه المواقيت. وبغضِّ النظر عن صحة كل هذا، فإن الثابت أن الجيش السوداني بات منفتحاً على العالم الخارجي من لدن الولاياتالمتحدةالأمريكية و(افريكوم) وروسيا ومشروع التحديث، حتى الأطراف المحلية والإقليمية من خلال قاعدة تقوم على تنويع العلاقات وتعزيز الخبرات المختلفة دون أن يؤثر ذلك على علاقات دولة بأخرى؛ فالخرطوم التي اختتمت في شهر واحد سلسلة من التدريبات والتمارين المشتركة مع الإماراتوقطر ومصر بجانب دول الإيساف، يبدو أنها أدركت شفرة التعامل مع الأضداد استناداً على أهمية السودان الجيوسياسية.