قبل أكثر من ثلاثة أشهر تلقت السلطات الأمنية السودانية معلومات تفيد بأن مافيا للمخدرات تقوم بإعداد شحنة مكونة من أخطر أنواع السلائف وهي المخدرات المخلقة التي يتم تصنيعها من نبات القنب الهندي تضاف إليه مواد كيميائية. وطبقاً للمعلومة فإن تلك الشحنة يتم الإعداد لها بجنوبلبنان، وسيتم إرسالها إلى السودان عبر موانئ إحدى الدول الأوربية لتصل إلى ميناء البحر الأحمر، وأنه سيتم إدخالها إلى الخرطوم قبل إعادة تصديرها إلى دولٍ خليجية كانت هي المقصد المنشود. الخطة والتضليل: بحسب المعلومات التي توافرت ل(السوداني) فإن الشحنة سيتم إخفاؤها بين دفاتر (كراسات) في حجم الدفاتر الجامعية، وسيتم وضع أوراق الكربون عليها لتضليل عمليات التفتيش بواسطة أشعة إكس في حال إخضاع تلك الحاويات للتفتيش، وهنالك قامت المافية اللبنانية بالاتفاق مع شركة الصقر العربي بطبرق الليبية على أن تورد لها شحنة كراسات وهنالك تم دس لفافات الحشيش الهندي بعناية، حيث تم وضع دفاتر بقاعدة الكرتونة، ومن ثم توضع اللفافات بالمنتصف ومن ثم تغطى بأوراق الكربون وتوضع دفاتر أيضاً في الأعلى ويتم إدخال الكرتونة داخل كرتونة أخرى، وحسب التحريات فإنه بداخل الكرتونة هنالك (45) لفافة. ووفقاً للخطة، تم ربط الكراتين التي بداخلها لفافات المخدرات بأربطة مميزة اللون تحمل اللون ال(كبدي)، بينما بقية كراتين الكراسات التي لا توجد بداخلها مخدرات تم ربطها بأربطة (خضراء)، ومن ثم تمت عملية الشحن للحاوية عبر ميناء تلك الدولة الأوربية لتصل الباخرة إلى البحر الأحمر حيث حطت الحاوية بالميناء الجنوبي. السلطات تنتظر: السلطات الأمنية ولأكثر من ثلاثة أشهر كانت تراقب الأمر عن كثب، وقامت بإخطار الوحدة الجمركية والتنسيق معها لتمرير الحاوية لتصل الخرطوم بغرض الوصول للمتهم الحقيقي، حيث توافرت معلومات لدى السلطات تفيد بأن الحاوية ستتجه إلى الخرطوم، وعقب تخليصها في حال عبورها بسلام سيتسلمها أجنبي يحمل جوازاً سودانياً بالتجنس، وهو رجل أعمال أو حسبما يدعي في بياناته وسيقوم بإعادة إرسالها بطريقته إلى دول الخليج. كان الاتفاق المبدئي لعناصر مافيا المخدرات أن يتم قطع الطريق أمام الحاوية في طريقها من بورتسودان إلى الخرطوم، وفي منطقة صحراوية يتم تفريغ شحنة المخدرات، وبعدها يتم إيصالها إلى الخرطوم. إلا أن الختم البارز للسلطات الجمركية كان عائقاً وحال دون إنفاذ المخطط، فاضطرت الحاوية للوصول إلى الخرطوم حيث جمارك الحاويات بسوبا. الخيط والضبطية: تسريبات توافرت لدى إدارة جمارك سوبا الحاويات، قامت بموجبها بكشف الحاوية والإعلان عن ضبط مخدرات الأمر الذي أضاع خيوط القضية وأضاع الطريق إلى المستثمر الأجنبي الأصل السوداني بالتجنس الذي أخفى نفسه فور سقوط الحاوية ويجري البحث عنه. وفي ذات الوقت ألقت السلطات الجمركية القبض على سيدة كمتهم في القضية، اتضح بأنها مخلصة جمركية تخصصت في تخليص الحاويات، بينما ألقي القبض على مخلص جمركي بمطار الخرطوم، اتضح أنه الذي طلب من السيدة تخليص الحاوية باعتبارها مهمة في دائرة اختصاصها، ودون بلاغاً بحجزهما. بتفتيش الحاوية عثر على (297) كرتونة، بداخلها نحو (3) أطنان و(400) كيلو من القنب الهندي المخلوط بمواد كيميائية، وتمت إحالته للمعامل الجنائية التي أثبتت أنه قنب هندي، وتبين من خلال التحريات أن الكميات المضبوطة من أخطر أنواع المخدرات عالمياً التي تنتج بدول الهلال الخصيب، ويتم تخليقها بمعامل جنوبلبنان في مناطق تقع تحت سيطرة حزب الله واتضح أنها من أحدث أنواع المخدرات التي اتجه الشباب عالمياً لتعاطيها، وهي (جاقوار 2017)، (قولد)، (كرزتين) و(النخلة الذهبية). ديباجة محلية: حسب المعلومات فإن شحنة الحاوية حينما شارفت على الوصول إلى ميناء السودان تم إخفاء ديباجاتها بإلصاق ديباجات أخرى تحمل اسم شركة سودانية تعمل في مجال الأنشطة المتعددة، اتضح لاحقاً أن المافيا استأجرت اسم العمل لتسهيل دخول الحاوية إلى البلاد، علماً بأن الديباجة التي أُخفيت أشارت إلى أن شحنة الكراسات كانت في طريقها إلى ليبيا. لم تكن حاويات سوبا هي المحطة النهائية لتلك الشحنة، وكانت في طريقها لدول خليجية، إلا أن التسريبات جعلت جمارك سوبا تستعجل في كشفها والحيلولة دون الوصول إلى الرأس الرئيسي لمافيا المخدرات اللبنانية، وهو ما أشار إليه مدير المخدرات اللواء محمد عبد الله النعيم في حوار أجرته معه الصحيفة في وقت سابق، حيث كشف بأن حاويات المخدرات يتم ضبطها في عمل مبتور، مشيراً إلى أن إدارة المخدرات لا يهمها ضبط المادة المخدرة بقدر اهتمامها بضبط المتورط في إحضارها واجتثاث جذور من يُسهِّل عملية دخولها للبلاد ويسعى لإفساد الشعب. في وقت لفت فيه إلى حرص السلطات على أن تمر تلك الحاويات من الجمارك حتى تتمكن من ضبط الجناة الحقيقيين المتورطين في القضية، إلا أن الضبط المبكر وكشف تلك الحاويات من قبل الجمارك يفسد طريق الوصول إلى المتهمين الأساسيين ويضيع الخيوط التي كان من الممكن أن تقود إليهم.